جاء فى الأخبار أن وزارة الداخلية وزعت رقاع الدعوة للوزارات والمؤسسات الحكومية لحضور الورشة التشاورية التى ستعقدها معتمدية اللاجئين بمدينة بورتسودان صباح اليوم الثلاثاء الخامس من ديسمبر من العام ٢٠٢٣م بحضور ممثل المندوب السامى لشئون اللاجئين وذلك للإعداد لمشاركة السودان فى المنتدى العالمى للاجئين ..!!
وبقراءتى القانونية والأمنية لهذا الخبر أجد أن المفوضية السامية لشئون اللاجئين والدول المانحة تستغل حالة الفوضى الأمنية والحرب واللادولة التى يُعانيها السودان وتواصل إنتهازيتها بالضغط على المعتمدية بهدف إدماج اللاجئين من دول الجوار الذين إنتفت أسباب وجودهم وبقائهم فى السودان رغم علمها اليقينى بمخاطر الدمج على الهوية السودانية وعلى الأمن القومى السودانى .. فهدفها من هذا الضغط المتواصل ليس إنسانياً من أجل وضع حدٍ لمعاناتهم كما تدَّعى وتزعم ، بل هو هدفاً سياسياً نابعٌ من تخوفها من موجات الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها .
وبالرجوع إلى الوراء قليلاً إلى ستينيات القرن الماضى وما تلتها من أعوام نجد أن الدولة السودانية قد شهدت تدفقات ضخمة للاجئين من مختلف الجنسيات وبأعداد كبيرة فاقت قدرتها على التحمل لضعف مواردها ومحدودية دخلها إلاَّ من شهامة أهلها وكرم مواطنيها الذين تقاسموا معها أعباء العجز الإنسانى للاجئين فى الوقت الذى كانت فيه إستجابة الدول المانحة وفاعلية المجتمع الدولى والهيئات العالمية ضعيفة رغم الضغط الهائل على البنية التحتية للبلد وعلى الخدمات الضرورية للمواطنين ، فضلاً عن الآثار الإقتصادية والإجتماعية والأمنية السالبة على المجتمع والدولة على السواء ، فالناظر إلى حالة اللاجئين فى السودان يجد أن هنالك مساحة كبيرة تفصل بين مسألتهم وفق قانون اللجوء السودانى لسنة ٢٠١٤م وبين التشريعات الدولية والرؤى الإنسانية ، وبين ما هو كائنٌ فعلياً وما يجب أن يكون ، فالدولة السودانية قد إلتزمت بالحقوق القانونية للاجئين على إختلافها والتى تضمنتها إتفاقية ١٩٥١م بل أكثر من ذلك وما قصة أم الحسين تلك الصبية الناهبة التى قدمت لممثل المندوب السامى درساً فى الشهامة والأخلاق السودانية والتى ورد ذكرها فى مقال سابق إلاَّ خير دليل على كرم المجتمعات المستضيفة على رقة حالهم ، فعملية دمج اللاجئين فى المجتمعات المحلية فى مفهومها القانونى هى إحدى الحلول التى توافق عليها المجتمع الدولى لمعالجة قضايا اللجوء فى العالم ، وتقوم به الدول المستضيفة ، ولها أبعاداً إقتصادية وإجتماعية وأمنية ، وتتطلب مجتمعات مرنة ومرحبة باللاجئين ، ومؤسسات وطنية ودولية قادرة وملتزمة بتلبية كافة إحتياجاتهم .. ولئن كان الوضع القانونى للاجئ يخضع بشكلٍ عام للإتفاقيات والمعاهدات الدولية فإن المشرع السودانى كان فى مقدمة الدول التى أصدرت قانوناً ينظم أعمال اللجوء فى العام ١٩٧٤م زاوج بين الإعتبارات الوطنية وبين الإتفاقيات الدولية التى صادق عليها .. وبتبَيَّن الخروقات الأمنية اللاجئين ببلادنا من مختلف الجنسيات لاسيما من دولة جنوب السودان والتى أصبحت واضحة للعيان تناقلتها الهواتف بعد حرب الخامس عشر من أبريل ، بمشاركتهم القتال لصالح المتمردين ضد الدولة السودانية ، وأصبح وجودهم ووجود غيرهم من اللاجئين من جنسياتٍ أخرى ممن كان لهم دوراً فى الحرب بشكلٍ مباشر أو بآخر خطراً يتهدد الأمن القومى السودانى .. يدور تساؤل مشروع يا معالى وزير الداخلية لابد من الإجابة عليه قبل أن توزع رقاع الدعوة .. هل تلك القواعد التى تقدم ذكرها تسلب الدولة حقها فى الإجراءات الإحترازية أو القانونية لمواجهة التجاوزات والخروقات التى يقوم بها اللاجئون من أعمالٍ من شأنها المساس بأمنها وسلامتها وسيادتها ، وخيانتهم للمجتمع الذى آواهم ونصرهم حين خذلهم من خذلهم .. !!؟ فإن كانت الإجابة بلا وهى قطعاً كذلك فإن الموافقة على الدمج فى مثل هذه الحالة وتلك الأفعال التى أتى بها قطاعٌ عريض من اللاجئين والتى تخالف الإتفاقيات والمواثيق الدولية تُعَدُّ خيانة وطنية لما فيها من مخاطر على الأمن القومى وتمزيق هويَّة الدولة السودانية .. فعلى وزارة الداخلية بما لها من ولاية على المعتمدية أن ترفض خُطة الدمج التى تسعى إليها المفوضية السامية ، بل واجبٌ عليها معاقبة جميع اللاجئين ممن ثبت إشتراكهم فى خيانة الوطن وفى القتال وفق القانون ، وإخراجهم من المدن إلى المعسكرات ، وإعلان موقف واضحٌ رافضٌ وقوى أمام المجتمع الدولى من مسألة الدمج ، ليس هذا فحسب بل والضغط على الدول المانحة للإيفاء بإلتزامتها المالية فقد تحمل السودان الكثير بإعتباره المانح الأكبر وصاحب اليد العليا على المجتمع الدولى فى هذا الملف ..
نسأل الله أن يُبرم لبلادنا وأهلها أمراً رشداً ويحفظهم من كل سوء
الثلاثاء ٥ ديسمبر ٢٠٢٣م