علم التوقيت من أقدم العلوم التي عرفتها البشرية وتبلور عنه التقويم ويقصد به “جَعْل للزمن قيمة مَعْلُومَة”، و يعرف التقويم عند الفرس بـ “الروزنامه” وهي لفظة فارسية تعني جدول الأيام ويقابلها باللغة الإنجليزية Almanac ، التقويم اصطلاحا في علم الفلك يُقصد به الكراسة التي تحتوي علي جدول الأيام والأسابيع والشهور ومواعيد طلوع الشمس والقمر وغروبهما، وهو أيضا الطريقة التي يستخدمها الإنسان لضبط الوقت ويتكون عادة من ثلاث وحدات رقمية تمثل فترات زمنية هي: اليوم والشهر والسنة.
بُنيت التقاويم علي نتائج قرون عديدة من الدراسة الدؤوبة في علم الفلك والرياضيات، والتجارب المستمرة المعتمدة على المحاولة والخطأ، كما اشتهر منها بصورة عامة: التقويم القمري الذي يعتمد علي دورة القمر حول الأرض، و التقويم الشمسي الذي يعتمد علي الشمس وموقع الأرض و التقويم الشمسي القمري الذي يعتمد علي القمر والشمس معا، تبنت الحضارات والمجتمعات قديما مثل العرب قبل الإسلام والفرس والرومان والهنود والصينيين هذه التقاويم لتنظيم شؤون حياتها مثل تحديد مواقيت العبادات،الزراعة،والصناعة والتجارة وعمل المؤسسات والمناسبات الاجتماعية.
ملامح من التقويم الهجري
كان العرب قبل الإسلام يعتمدون علي الحساب القمري ليؤرخون به أحداثهم. وقد اعتمدوا في تاريخهم علي بعض الأحداث الكبري ومن ذلك تاريخ بناء الكعبة (1855 قبل الميلاد) وإنهيار سد مأرب (130 قبل الميلاد) وبعام الفيل وهو أشهرها 571م، وبحرب الفجار التي وقعت في الأشهر الحرم سنة 585م وبتاريخ تجديد الكعبة سنة 605م. كما لجأوا إلي نظام السنة القمرية بأشهرها الأثنتي عشرة و اعتمدوا فيها النسئ الذي يعطيهم الحق في تأخير أو تسبيق بعض الأشهر المعروفة بالحُرم وهي أربعة ( ذو القعدة،ذو الحجة، محرم و رجب)- الذي أبطله الإسلام كما جاء في القرآن الكريم: ” إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما زيحرمونه عاما: (التوبة:37).
رغم أن الإسلام في البدء إعتمد الشهور العربية القمرية المعروفة منذ عام 421م والتي أولها محرم، إلا أن السنوات لم تعط تواريخ رقمية تدل عليها و إنما أُعطيت أسماء تدل علي أشهرِ الحوادث، وقد أُخذت السنوات العشر التالية للهجرة حتي وفاة الرسول صل الله عليه وسلم الأسماء التالية: السنة الأولي: سنة الإذن ( الإذن بالهجرة)، السنة الثانية: سنة الأمر (الأمر بالجهاد)، السنة الثالثة: سنة التمحيص (العام الذي محص الله فيه المؤمنين بعد غزوة أحد)، السنة الرابعة: سنة الترفئة(عام إجلاء اليهود من المدينة المنورة)، السنة الخامسة: الزلزال(العام الذي حصلت فيه غزوة الأحزاب وزلزل أهل الشرك)، السنة السادسة: الإستئناس(عام بيعة الرضوان قبل فتح مكة)، السنة السابعة: الإستغلاب( العام الذي وقعت فيه غزوة خيبر)، السنة الثامنة: الإستواء(العام الذي فتح الله فيه على المسلمين مكة)، السنة التاسعة: البراءة (العام الذي نزلت فيه سورة براءة) والسنة العاشرة: الوداع (العام الذي حج فيه الرسول صل الله عليه وسلم حجة الوداع المشهور).
مع تطور الدولة الإسلامية حينها ازدادت الحاجة لوضع تاريخ محدد للمكاتبات، فاتخذ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مبدأ التقويم الإسلامي من هجرة الرسول صل الله عليه وسلم، وعُد أول المحرم من السنة التي هاجر فيها الرسول صل الله عليه وسلم مبدأ التاريخ الإسلامي ، مع العلم أن الهجرة لم تبدأ ولم تنته في ذلك اليوم بل إنما بدأت في أواخر شهر صفر ووصل الرسول صل عليه وسلم مشارف المدينة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول ثم دخل المدينة يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول،لم يكن إتخاذ مثل هذا التقويم بدعة جديدة بل أن التقويم الميلادي بُني من قبل علي مثل هذه الطريقة فقد وُلد المسيح عليه السلام في الخامس والعشرين من ديسمبر ولكنه أُختير الأول من يناير السابق له وليس اللاحق مبدأ للسنة الميلادية لأن يناير كان مبدأ للسنين عند الرومان من قبل.
أهمية التقويم الهجري في حياة المسلم
التقويم الهجري هو قمري رباني سماوي كوني توفيقي، وليس للفلكيِّين سلطان على أسماء الشهور القمرية، ولا على عددها أو تسلسُلِها أو أطوالها، و إنما يتم كل ذلك في حركة كونية ربانية، وتم تحديد عدد الشهور السنوية في كتاب الله القويم، قال تعالى: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ “(التوبة: 36)، وفي الوقت الذي عبث فيه الفلَكيين بتقاويم الأمم الأخرى في كل جزئية من جزئياتها، فإنه لا سلطة لهم، أو لغيرهم على التقويم القمري سواء من ناحبة تغيير أسماء الشهور أو موقعها أو زيادة أو نقصان عدد أيامها.
بناء علي ذلك يعد التاريخ الهجري أُس معرفة مواقيت ممارسة الشعائر الدينية و مظهرا من مظاهر الحضارة الإسلامية، و ترتبط به ممارسة مواقيت العبادات مثل : الصلاة،الحج، الزكاة والصوم وأحكام النساء الفقهية (مثل عدة المطلقة و عدة المُتوفي عنها زوجها وبالتالي أحكام الطهارة و الصلاة والصوم للنساء الخ..) وغيره من شعائر الإسلام التعبدية التي تقع وفقا للتوقيت الهجري ويترتب عليها شروط الصحة وبالتالي أمر الثواب والعقاب.
اليوم في العرف الشرعي وفقا للتقويم الهجري
بناء علي التقويم الهجري و عُرف الشريعة الإسلامية، فإن الليلة تتبع اليوم الذي بعدها، وليس اليوم الذي قبلها، والشواهد على ذلك كثيرة و أظهرها ما يراه الناس في مواسم العبادات، فمثلا :رؤية هلال رمضان تعني دخول الشهر وتلاحظ أن تلك الليلة تعتبر من رمضان، ويصلي فيها المسلمون صلاة التراويح، رؤية هلال عيد الفطر تعني إنتهاء رمضان ودخول شهر شوال، فيترك المسلمون في تلك الليلة صلاة التراويح ،و كذلك إذا جاء في النص الشرعي ذكر ليلة الجمعة ، أو ليلة العيد، أو غيرها فالمقصود بها الليلة في العرف الشرعي، يقول الإمام القرطبي رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : “وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً”( الأعراف:142)، أن الآية دلت أيضا على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام ، لقوله تعالى 🙁 ثَلاثِينَ لَيْلَةً )؛ لأن الليالي أوائل الشهور، وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن الأيام ، حتى روي عنها أنها كانت تقول : صمنا خمسا مع رسول الله صل الله عليه وسلم، والعجم تخالف في ذلك فتحسب بالأيام ؛ لأن معولها على الشمس ” (الجامع لأحكام القرآن ” :7/267).
العمل بالتقويم الهجري في العالم الإسلامي
رغم أهميته، إلا التاريخ الهجري تعرض للإزالة من حياة المسلمين واستمر تجهيل الشعوب الإسلامية به قرونًا متوالية؛ ففي القرن الثامن عشر الميلادي عندما أرادت الدولة العثمانية تحديث جيشها وسلاحها، طلبت مساعدة الدول الأوربية ( مثل فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا… إلخ) ، فوافقوا على مساعدتها بشروط منها: إلغاء التقويم الهجرييِ في الدولة العثمانية، فرضخت لضغوطهم، وفي القرن التاسع عشر عندما أراد خديوي مصر أن يَستقرض مبلغا من الذهب من إنجلترا وفرنسا لتغطية مصاريف فتح قناة السويس، اشترطتا عليه ستة شروط منها: إلغاء التقويم الهجريي في مصر فتم إلغاؤه سنة 1875م، وأثناء فترة وقوع أغلب الدول الإسلامية في براثن الاستعمار الغربي، حرص الأخير على التعتيم على كل ما هو إسلامي واستمر الحال كما هو عليه في أغلب الدول المسلمة بتأثير المناهج الغربية الاستعمارية، و الاعتماد علي التقويم الميلادي، وهكذا غاب التقويم الهجري عن معاملات المسلمين وبقي تذكره بشهور العبادات و الإحتفاء السنوي بذكري الهجرة.
علي الدول المسلمة إعادة العمل بالتقويم الهجري إلي جانب التقويم الميلادي حتى لا يصبح أمر التقويم الهجري مرتبط بأشهر معلومة و الاحتفاء به سنويا، و مع كثرة الإنشغال والهجوم الشرس من أعداء الإسلام نخشي أن يأتي زمان يعتمد فيه النشء علي ربط العبادات بالتقويم الميلادي مع العلم أن أربعة من أركان الإسلام (الصلاة، الزكاة، صوم رمضان وحج البيت) تُعرف مواقيتها بالتقويم الهجري وكذلك بداية ونهاية اليوم في العرف الشرعي، حريا بالمسلم أن يعي ذلك خاصة في زمن ساد فيه التعامل بالتقويم الميلادي في عصر التقنية المتسارعة و ارتباط معظم معاملات الناس اليومية في بلاد المسلمين والعالم الخارجي به ومن هنا يجب تذكير الأبناء والأجيال الناشئة خاصة بأهمية التقويم الهجري في حياتهم والتعرف عليه وعلي موقعه من الإسلام.