الرأي

48 ساعة فى السودان

✍️ ياسر عبدالعزيز
سألنى مذيع قناة «النيل الأزرق» السودانية، يوم الخميس الماضى، عن مكونات الصورة الذهنية للسودان لدى المصريين، والصورة الذهنية لمصر لدى السودانيين؛ فأجبت ببساطة بأنها فى كلتا الحالتين ليست سوى مزيج من الخبرات الذاتية ومؤثرات وسائط الإعلام.

فأما الخبرات الذاتية للمصريين والسودانيين فلا تنطق إلا بالتوافق والود الصافى بين الشعبين، ولا تعرف سوى مشاركة كاملة بينهما فى المحن والأفراح، فيما تهمل المنظومة الإعلامية المصرية معالجة قضايا السودان على النحو الذى يعكس أهميته، وتعانى المنظومة الإعلامية السودانية من ممارسات كارهين ومؤدلجين تريد إبعاد البلدين عن بعضهما البعض والإساءة إلى دور مصر وسلوكها السياسى إزاء جارها الأعز.
من جانبى، لم أكن بحاجة إلى السفر إلى السودان لكى أكون صورته فى وعيى ووجدانى، فالسودانى فى مصر لا يوصف بأنه لاجئ أو وافد أو حتى ضيف.. إنما هو فقط سودانى؛ وهو ما يعنى شقيقاً وصاحب دار.

عرفت السودان طفلاً، عندما علمت أن أحد أفراد العائلة سافر إلى الخرطوم ليُتم دراسته فى إحدى الكليات العسكرية المصرية، التى انتقلت إلى السودان فى أعقاب حرب يونيو 1967، اتقاءً لقصفها إثر تجريد البلاد من روادعها الجوية بفعل الهزيمة.

وفى تلك الأثناء، أمكننى أن أعرف أن السودان هو المكان الذى يحفظ فيه المصريون ودائعهم الثمينة فى أوقات الأزمات، وهو البلد الذى يأمنون فيه على أبنائهم الذين سيعودون بعد إعدادهم لمهمة تحرير الأرض وإزالة آثار العدوان.
وعندما سمعت الفنان السودانى عبدالكريم الكابلى يغنى: «مصر يا أخت بلادى يا شقيقة»، كنت قد انتقلت إلى أبوظبى لأعمل فى صحيفة «الاتحاد»، حيث لم ينادنى زميلى السودانى الأستاذ الفاتح التيجانى هناك سوى بعبارة: «ياسر.. يا ابن النيل».

لم تكن لدىّ حاجة بوسائل إعلام لكى أعرف منها ماذا يعنى السودان لمصر، فقد كفتنى خبرات ذاتية وتجارب ملموسة هذا الاحتياج، لتترسّخ فى ضميرى فكرة بسيطة ومباشرة وغاية فى الوضوح: المصريون والسودانيون شعب واحد فى بلدين.

ولاحقاً، قرأت فى أدبيات العلاقات المصرية – السودانية أن كلا البلدين يشكل عمقاً استراتيجياً للآخر، وأن قرار قومية معركة التحرير ضد العدوان الإسرائيلى اتُّخذ فى الخرطوم، وأن مصر بدورها لم تتأخر يوماً عن دعم السودان ومساندة خيارات شعبه نحو الاستقلال وإدراك السلام وتحقيق التنمية، باذلة فى هذا الصدد كل ما أمكنها بذله من موارد وجهود.
لذلك رحبت على الفور بالانضمام إلى نخبة من القامات المصرية التى توافقت على تنظيم زيارة لوفد من المجتمع المدنى إلى السودان للتعبير عن الاهتمام المصرى بما يجرى فى هذا البلد الشقيق، وللاستماع إلى الأفرقاء السياسيين، والتعرّف إلى رؤيتهم واحتياجاتهم من مصر الشعبية والرسمية فى تلك الأوقات الصعبة.

وقد تشكل الوفد المصرى بالفعل برئاسة وزير الخارجية الأسبق والدبلوماسى المرموق السفير محمد العرابى، ومعه السفير محمد بدر الدين زايد، مساعد وزير الخارجية الأسبق والمحلل السياسى المعروف، والدكتور سيد فليفل خبير الشئون الأفريقية البارز، والدكتورة نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان والكاتبة القديرة، والنائبتان المتميزتان فى مجلس النواب الدكتورة جيهان زكى والدكتورة هادية حسنى، والأستاذ عزت إبراهيم رئيس تحرير «الأهرام ويكلى» والمتحدث باسم المجلس القومى لحقوق الإنسان، والدكتور سامح فوزى الكاتب الصحفى وكبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، والمستشار التجارى الأسبق فى السودان جلال الصاوى، ومؤسس مكتب الشباب الأفريقى بوزارة الشباب حسن غزالى، والصحفيتان البارعتان المتخصّصتان فى الشئون السودانية أسماء الحسينى وسمر إبراهيم.

وكما قال السفير العرابى فإن هذا الوفد ضم مجموعة من أصحاب الخبرات والتجارب الغنية ذات الصلة بالعلاقات المصرية- السودانية، الذين يمكنهم التعبير عن رؤية مصرية متكاملة وفاعلة عن مسارات تلك العلاقات ومحدّدات صيانتها وتطويرها.

كان وقت الزيارة محدّداً بمدة لم تتجاوز الـ48 ساعة، وفى تلك الساعات المحدودة تمكن الوفد من التحاور مع نُخب سودانية تمثل الجامعات، وفصائل الجبهة الثورية، والإدارات الأهلية، والطرق الصوفية، والأحزاب الرئيسية، وقوى «الحرية والتغيير»، وأسر الشهداء، ولجان المقاومة، وبعض وسائل الإعلام، والنُّخب الثقافية والفنية، فضلاً عن لقاء الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة.

لم يكن من الممكن إنجاز هذه اللقاءات وإجراء تلك الحوارات والزيارات من دون تنظيم دقيق ومساندة بارعة ومتفانية من المستشار أحمد عدلى إمام قنصل مصر فى الخرطوم، وفريق عمله الرائع والمُحترف، الذى أظهر قدرة كبيرة على التنظيم، وبرهن على تمتُّعه بثقة واحترام بالغين من جميع الأفرقاء السياسيين والرموز الوطنية السودانية، بسبب سجل من الخدمة المتميّزة والدبلوماسية الفعّالة.

ومنذ اللحظة الأولى التى وصل فيها أعضاء الوفد إلى مطار الخرطوم لمس الجميع حرارة الاستقبال ودفء الترحيب، كما بذل السفير المصرى فى الخرطوم الدبلوماسى المحترم حسام عيسى جهداً واضحاً لإنجاح الزيارة وتحقيق أهدافها، كما أظهر فى شرحه للأوضاع السودانية فهماً عميقاً وحرصاً بالغاً على أن يصل السودان إلى طريق الاستقرار والسلام، وأن تصل العلاقات الثنائية بين البلدين إلى أفضل المراتب.

ورغم ما تركته الزيارة من أثر كبير على الضيوف والمُضيفين، ورغم نجاحها الواضح فى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين على الصعيد غير الرسمى، فإنها أشارت بوضوح إلى ضرورة أن تستمر تلك الزيارات فى الاتجاهين، لتعزيز استقرار البلدين وتقوية قدرتهما على مواجهة التحديات الوطنية والمشتركة.

• نقلاََ عن الوطن المصرية

اترك رد

error: Content is protected !!