د.إدريس ليمان
المتفائلون والمُجَمِّلون للقول من المُدَّونِينْ يقولون أن الأوضاع فى السودان بخير ، ولكنها ومن واقع الحال ليست كذلك ، وكيف تكون بخير وكثيرٌ من أهل السودان ما بين نازحٍ ولاجئ بعد أن فقدوا ممتلكاتهم وأُخرجوا من ديارهم وكادوا أن يفقدوا أرواحهم ..!! ؟كيف تكون بخير والشرطة لا تزال فى غيابها ومعتكفها وهوانها على الناس ..!!؟ كيف تكون بخير والأرض قد مادت من تحتنا بعد أن ضربها زلزال الخيانة والغدر ودمرها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ..!!؟
لقد كانت حوادث النهب والسلب والحرق والإتلاف والتدمير التى صاحبت حرب الفُجَّار التى أوقدت جذوتها فئةٌ باغية طامحة جامحة أرادت أن تكسر القدح الذى تشرب فيه بسلوكٍ نرجسى لا أثر فيه للعقل والحكمة ، بل ولا للرجولة والمروءة .. لقد كانت تلك الأحداث عارٌ على هذا الشعب المُعَلِّمْ الذى كان يتباهى بِطُهرِهِ وطهارَتِه ، فنضَحَتْ عليه ماء الفضيحة ( فضيحة وطن بأكمله .. بل فجيعته ) بعد أن عثَرَتْ كثيرٌ من البغال وفاضت الأنفُسْ البريئة وشرطتنا التى كانت تَحمِلْ الكَلَّ وتُعين على نوائب الدهر طوال تأريخها المجيد تتوارى خجلاً من موقفها
الذَّى يستوجب منها الإعتذار ، ( وقطعاً لقادتها تبريراً منطقيا لما حدث كيف حدث ولماذ حدث ) سَتُسفِر عنه الأيام بعد النصر والقضاء على هذا السرطان الذى تمدد وإنتشر فى جسد هذا الوطن العزيز وفى الأغلبية الصابرة الصامتة من أهله الذين يجلسون تحت ظِلَّ شجرة اللامبالاة بعد أن إستَبَدَّ بالأمر ولسنواتٍ طويلة قومٌ ليسوا من أُولى النُهَى ..
لقد أكدَّت التجارب أن المواطن السودانى مُستعِدٌ لأن يمنح شُرطته الثقة الكاملة لإيمانه وقناعته بأنها جُزءٌ أصيل من مؤسسات الدولة بل وأهم أدوات تطبيق وإنفاذ القانون مهما كان نقصها ونواقصها ، وكل الذى يرجوه منها إلاَّ تستميلها حماقات الساسة والسياسة إلى جانبها ، وأن تلتزم بروح العدل والحزم ، وأن تتعامل بوعى وإستنارة مع كافة الأحداث الأمنية المُعقَّدة فى إطار أمنى وإنسانى متوازن لا يصل مرحلة العنف ولايسقط فى فخ الضعف .. فالذى أوقعها فى دائرة الخطأ وإستعدى عليها المجتمع المدنى فى الفترات الماضية هو إهتمامها بقمع المظاهرات على حساب العملية الأمنية وخدماتها الشُرّطية مما أدَّى إلى إزدياد جرائم السلب والنهب تحت تهديد السلاح وإمتلأت الطرقات والتقاطعات بالمتسولين من جنسياتٍ مختلفة ، وإزداد حجم الوجود الأجنبى وبدأ الإحساس بفقدان الأمن يزداد يوماً بعد يوم ( وسالت مشاعر الناس جداول ) .. فهذه المؤسسة العظيمة وبعد أن تنتهى هذه الحرب المُهلكة تحتاج لوضع إستراتيجية جديدة سهلة الإنفاذ وواجبة التنفيذ تُكسبها شخصية إعتبارية متوازنة ، ولايتأتى لها ذلك إلاَّ بفكرٍ أمنىٍ متقدم يرافقه عملٌ جاد مبتدأه الإيمان بقيمة العمل لدى منسوبيها ، ومنتهاه إنعكاس تلك القيمة على الأداء بإسنادٍ هيئة التوجيه وبصياغة خطاب إعلامى محترف ومهنى وصادق عبر منصات التواصل الإجتماعى وكل المنابر المتاحة ، وإفراد برامج التوجيه المعنوى والتوعوي بدلاً عن الوسائل البائسة من غناءٍ ورحلات فنية محدودة الأثر وعديمة التأثير .
الشرطة فى مرحلة ما بعد الحرب يجب أن تُطلِّق الإرتباط الشائه بالساسة من الحُكّام والدستوريين الذين أضروا بها بتدخلاتهم المعيبة طلاقاً بائناً بينونة كبرى وأن تلتزم إلتزاماً صارماً بالدستور والقوانين ولاتجامل فيهما أحد مهما كان الثمن الذى ستدفعه ، كما أنه يجب أن تعمل على إنهاء الوجود الأجنبي غير المُقَنَّن وتُقيم الحُجَّة على الحكومات التى ستأتى بأن هذا الأمر من أهم قضايا الأمن القومي يجب عدم التهاون فيه حتى نحفظ هويتنا من العبث ونحافظ عليها من الضياع ، وحتى نجد إحترامنا المفقود بين جيراننا وفى محيطنا الإقليمي والدولى .
ومن أهم الأولويات التى تنتظرها أيضاً ضرب أوكار الجريمة وأماكن الهشاشة الأمنية بخطط عملياتية محكمة بهدفها العام وأهدافها التفصيلية ومحاورها وواجباتها إجمالاً وتفصيلاً تسبقها خطط أعمال البحث الجنائى وكل ذلك حتى لاتزداد جُرأة أولئك الأشقياء على إنتهاك حرمات الناس ، وحتى لاتزداد جُرأتهم على حُماة الأمن ومنفذى القانون ليهلك من هلك عن بيَّنَة ويحيا من حيي عن بيِّنَة ، فالشرطة السودانية وإن إختلف الناس حولها وعلى غيابها إلاَّ أنهم لم ولن يختلفوا على عظيم عطائها وجليل تضحياتها فسودان ما بعد الحرب لا مجال فيه للإرتخاء الأمنى ، ولن تبكى السماء ولا الأرض على من يحاول المساس بأمنه وكرامة أهله .
- حفظ الله سوداننا وأهله من كل سوء .
- حفظ الله قواتنا المسلحة درع الوطن وسيفه وهى تبعث الأمل فينا على سُلحفائيته ونصرها على أولئك البُغاة والتتار الجنوب صحراوى .
- حفظ الله شرطتنا الباسلة التى يُراهن عليها أهل السودان وعلى وعى منسوبيها ووطنيتهم وإخلاصهم وتفانيهم .
- حفظ الله أبطال الإحتياطى المركزى الذين أخافوا المتمرد فى كل مكان وفى كل حينٍ وآن ويقدمون فصولاً باذخة الجمال من الرجولة والبطولة .
- حفظ الله أبنائنا الضباط الذين يقاتلون صفاً واحداً مع إخوتهم فى القوات المسلحة ويقدمون دروساً فى الوطنية والفداء .