إقتصاد ببساطة / د.عادل عبدالعزيز الفكي

يا تروس الشمال: السودان هو الخسران

د/ عادل عبد العزيز الفكي


خلال شهر يناير الماضي بدأت الاحتجاجات من بعض المواطنين في الولاية الشمالية بالسودان بسبب الزيادة في تعريفة الكهرباء التي تجاوزت 600%، الزيادة أثرت بشكل مباشر في تكلفة انتاج القمح الذي يروى عن طريق المحاور وهي وسيلة ري آلية حديثة تدار بالكهرباء. استجابة لهذه الاحتجاجات قامت الجهات المعنية في الدولة بتعديل تعريفة الكهرباء بطريقة معقولة فانتفت أسباب الاحتجاج.
يبدو أن بعض الأحزاب السياسية، وربما مخابرات أجنبية، رأت الفرصة مواتية للضغط على النظام الحاكم في الخرطوم من جهة، والإساءة للعلاقات بين الشعبين السوداني والمصري من جهة أخرى، فعمدت لتشجيع استمرار الاحتجاجات والانتقال بها لمرحلة قفل الطرق البرية ما بين دولتي السودان ومصر.
ولاستدرار العاطفة الشعبية لمساندة الاحتجاجات، والاستمرار في اغلاق الطرق البرية، عمدت هذه الأحزاب والمخابرات الأجنبية لبث معلومات مغلوطة تشير الى أن الحكومة المصرية وشركاتها تستورد المواد الخام الزراعية والحيوانية من السودان بعملات سودانية مزورة، وأنها تعيد تصنيع هذه المواد الخام وتصدرها تحت أسماء شركات مصرية، وغيرها من السموم والشائعات التي لا تستند إلى أي معلومات حقيقية.
في الحقيقة فإن التبادل التجاري السوداني/ المصري حجمه صغير بالنسبة للتبادلات التجارية بين الدول، ولا يتجاوز 900 مليون دولار في العام. حيث صدر السودان لمصر في العام 2019 بما قيمته 359.3 مليون دولار، واستورد منها بقيمة 496.3 مليون دولار حسب بيانات بنك السودان المركزي.
تبلغ الصادرات المصرية لدول العالم 88 مليار دولار، بينما يبلغ استيرادها من مختلف دول العالم 100 مليار دولار، وعلى هذا فإن حجم التجارة مع السودان مقارنة بالحجم الكلي للتجارة مع دول العالم يمثل بالنسبة لمصر0.39% فقط من قيمة الواردات. و0.56% فقط من قيمة الصادرات.
يصدر السودان لمصر القطن والسمسم وحب البطيخ والكركدي واللحوم والماشية الحية وفحم المسكيت، ويستورد منها سماد اليوريا والداب والمنسوجات والاحذية والأجهزة الكهربائية والحديد وسكر البنجر والاسمنت والسراميك وكوابل الكهرباء والبوهيات والفواكه والخضروات المجمدة والأسماك والدقيق وزيوت الطعام والمربات والحلويات والبسكويت.
يلاحظ أن كل الصادرات السودانية لمصر باستثناء اللحوم المشفاة (خالية العظم) هي مواد خام، بينما المستوردات السودانية من مصر هي مواد مصنعة. ويعود السبب الأساسي في ذلك لضعف القاعدة الصناعية في السودان، والعجز في الطاقة الكهربائية المحركة للمصانع، وافتقار المصانع للتقانات الحديثة.
وعلى هذا يتضح أنه لا ذنب لمصر ولا لشركاتها في قضية تصدير المواد خام من السودان لمصر. ويحمد للمصانع المصرية أنها تقبل السلع السودانية على علاتها، فخلال العام 2020 صدر السودان سمسم لحوالي 30 دولة حول العالم، أعادت 18 دولة منها السمسم السوداني بحجة بقايا المبيد، غير أن المصانع المصرية قبلته وتحملت كلفة إزالة بقايا المبيدات قبل إدخاله للتصنيع.
من ناحية أخرى فإن الأبقار السودانية والجمال السودانية غير مقبولة في كل دول الإقليم لضعف مواصفاتها بينما تقبلها مصر. ويشار في هذا الصدد إلى أن استهلاك مصر من اللحوم هو مليون طن في السنة، منها 600 ألف طن لحوم مجمدة تستوردها من البرازيل وشيلي وأستراليا وغيرها، و400 ألف طن في شكل لحوم مبردة أو ماشية حية، وتبلغ مساهمة السودان في هذه الكمية 25 ألف طن. أي أن كل صادرات السودان من اللحوم الحية والمبردة تمثل 2.5% من الاستهلاك الكلي لمصر.
خلال الأسبوعين الماضيين، ونتيجة لإغلاق المعابر مع السودان تحرك تجار المواشي واللحوم المصريين واستوردوا ماشية حية من جيبوتي والصومال، هي موجودة حالياً بمحاجر الغردقة وسفاجة والسويس. ويُخشى أن يستمر الاستيراد من هذه الدول حتى بعد فتح المعابر، ويكون السودان قد فقد سوقاً مهماً هو السوق المصري.
إن قفل الطرق الرابطة بين السودان ومصر، وإغلاق المعابر بين البلدين بواسطة المحتجين السودانيين يمثل خسارة خالصة للاقتصاد السوداني، وعلى وجه الخصوص فئة المنتجين من صغار المزارعين ومربيي الماشية، فانتبهوا يا تروس الشمال، ولا تتسببوا في الخسائر الفادحة لأهليكم. والله الموفق.

اترك رد

error: Content is protected !!