لو إتَّسَمَتْ مواقف حُكَّامنَا قبل أن تندلع هذه الحرب التى كانت تُنبِؤنا رعودها وبروقها بإنها ( ستُمطِرُ حصو .. !! ) .. ببعض الحكمة والقُدرة على إستباق المخاطر ، وعملت على منع قيام هذا الصِراع الدموى والحرب المُدَّمِرة ( ولِعبت سياسة صاح ) لتَمَّ تجنيب هذا الشعب المحزونْ مشاعر المَذَّلة والمهانة والوقوف فى طوابير المفوضية السامية لشئون اللاجئين يستجدى المجتمع الدولى إعترافاً وحقوقاً أعطوه أو منعوه ..!! فهذه الأزمة التى تعيشها بلادنا وأهلها ما كان لها أن تكون أو أن تستمر وتَتَّقِد وتزداد إشتعالاً لو توفرَّت الإرادة الوطنية المُخلِصة ، وحضر الوعى والنُضج السياسى ، وغابت الحسابات الضَيِّقة والكيد السياسى والإصرار على تدمير الآخر ..!! ولو كُنَّا أكثر إلتصاقاً ببلادنا التى آلمتها الجِراح وجعلتها تقف بكبرياء فى صمتٍ موجِع يُمزق الضمائر أمام من تلطَّخت أيديهم بدماء بنيها ..!!
فليس هنالك أقسى على المرء من فقدان مراتع الصِبا وفقدان المأوى والأرض التى هى عنوان هويته وإنتمائه وجذوره ، وفقدان الكرامة الإنسانية التى سلبتها المليشيا من أهل السودان بالإضطهاد والقهر والعنف والجرأة على القتل والإنتهاكات المستمرة والممنهجة من قبل نفايات الصحراء الكبرى وضباعها ..!! فهذا الإنسداد فى الأفق بل وإنعدام الأفق لم يُبقِى لأهل السودان سبيلاً غير النزوح واللجوء بعيداً عن الديار ، ودفع فاتورة الدمار ..!! بيد أن الحرب ليست كلها شر ..!! فقد تعلمنا منها أنَّ التهاون فى أمر الوجود الأجنبى بكل أشكاله يُعد جريمة فى حق الدولة السودانية وفى أمنها القومى ، ودونكم مقاطع الفيديو والصور التى تملأ الفضاء الإسفيرى ومشاركات الأجانب من الجنوب والشرق والغرب الذين كانوا يعيشوا بيننا فى القتال وإستباحة الحُرمات ..!!
علمتنا هذه الحرب ومن الواقع المُعاش أنَّ اللاجئ لا يحق له الإعتراض على مطالبته الإلتزام بقوانين الدولة التى تستضيفه ، وأنَّ من حق كُلُّ دولة تنظيم أوضاع اللاجئين لديها سواء من حيث تطبيق قوانين اللجوء المعتمدة من الأمم المتحدة أو قوانينها الوطنية ( وأعتقد أن معتمدية اللاجئين قد تعلمت ذلك الدرس أيضاً ) ..!!
علمتنا الحرب أن من كُنَّا نظنهم شركاء فى الوطن وفى معركة العطاء والفداء للوطن كانوا يُعدون لمعركة السلب والنهب والإستحواذ على مُقدَّراتنا ..!! وأعلمتنا أن من كُنَّا نحسبهم إخوةً لنا فى العروبة وفى الإسلام يُريدون محونا من الوجود ومن خرائط الزمان والمكان بدعم وسند من بعض أبناء الوطن ممن لا تزال حبالهم السُريَّة مرتبطة بنبعه ونيله ..!!
وعلمتنا الحرب أنَّ الخِيانة كانت تسكن كُلَّ طَيَّات هذا الوطن المأزوم دون أن ندرى ، وتعلمنا أن ننتبه للعيون التى لاتزال ترقبنا من بعيد وتُرسلُ نظراتها و عيونها لتفتش فى ديارنا ودواخلها إن إستطاعت إليها سبيلاً ، ولتُحدد أماكن ضعفنا وترسم خريطة غاراتها وحربها القادمة من أجل أم قرون آلهة الجمال والحب عند أولئك القوم ..!!
كما علمتنا هذه الحرب أننا نحتاج هيكلة منظومتنا الأخلاقية مستقبلاً لتكون المسئولية والإلتزام بالواجبات تجاه بلادنا مقابل الحقوق الوطنية التى نتمسك بها دوماً ..!! فإن الجميع يتوقون لوطنٍ يتعافى ليسعدوا بالعيش فيه ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الثلاثاء ٢٣ يناير ٢٠٢٤م