(1)
قلت في الجزء الأول من هذا المقال، إن الإسلام والمسلمين جزء من الحركة الكونية في تقلباتها وتطورها، فلا الإسلام منفصم عن الواقع ولا المسلمين يعيشون في جزيرة معزولة، والتيار الإسلامي مشروع حركي في خضم ذلك يتفاعل مع سياقات وفق بيئته..
في سبعينات القرن الماضي برز في الحوزات العلمية بإيران المفكر على شريعتي، كانت محاضراته تمتد لساعتين وثلاث وحتى سبع ساعات، ولم يكن ذلك محل رضا من نظام الشاه، بل لم يكن محل رضا من رجال الدين الشيعة، فالأفكار الجديدة والطرح الجريء وتناول قضايا الواقع والإجتهاد فيها أثار غيرة البعض ومخاوف آخرين، وبعد ٦٠ سنة، فإن آراء على شريعتي قابلة للحياة والنقاش، فقد أنتج رؤى فيما يمكن أن نسميه (الإسلام الإجتماعي) ، فكرة مربوطة بالجذور وموصولة بهموم الناس وحياتهم، و تلك ذات طروحات الأفغاني ومن قبله إبن خلدون ، وذلك منهج د. الترابي، حين سعى لتحرير العقل والمرأة وتأصيل الفن والعمل الإجتماعي وفاعلية الشباب وأوبة المؤسسات المالية، إن خلاصة القول أن فاعلية المفكر والباحث ان يكون (منتجاً) وليس (ناقداً)..
ولا نبخس الأخ المحبوب حقه في الإجهاد ، ولكننا نرى أن الأوفى والأوفق أن يكون ذلك تأسيساً لمنهج جديد أو تطويراً لرؤية أو إصلاحاً لحال ، أما أن يكون وروداً على فكرة اليسار أو (بهرجة) العلمانية، فإن هذا مخيب للآمال..
كيف يمكن أن يكون مثال الأخ المحبوب مجموعات مثل (قرفنا، و شرارة، الخ) وهو صاحب مشروع أنتج (شباب البناء والنهضة، وشباب الوطن، الخ)، منظمات تسعى للبناء والإعمار وما يفيد المجتمع وليس (شنشنة) غضب أو (دندنة) رفض..
لقد حزنت حين قرأت كتاب الأخ المحبوب عبدالسلام عن (الحركة الإسلامية :دائرة الضوء وخيوط الظلام) وهو يجير كل الأحداث لتوجيه أصابع الإتهام لشخص واحد، وشيطنة احد قيادات الحركة واحد رموزها، وتلك آفة الكتابة في حالة غبن.
(2)
وربما من الأوفق لو تحدث الأخ المحبوب عن ضرورة إعادة النظر في (مؤسسات) الأحزاب في بلادنا، وضرورة تسريع الإصلاح بما يتوافق مع تطورات مجتمعية، فلم يعد (السيد) أو (الشيخ) أو (الزعيم) هو مدار الأحداث، بل لم تعد قضايا السياسة وتفاعلاتها هي الأساس، وإنما مطالب الفرد وتطلعاته وتنمية مداركه وتوفير سبل العيش الكريم، ومع تنامي الحس الإنساني والوعي بالضرورات الحياتية، فإن من المهم (النظر في بنية الأحزاب السياسية)، لقد تمايزت مجموعة الخضر والجماعات القومية وحتى ذات الطابع الشعبوي والروح العنصرية المعادية للآخر في أوربا وأمريكا، واضطرت الأحزاب اليمنية والمحافظة للتركيز أكثر بإهتمامات هذه المجموعات والشرائح، بينما احزابنا بذات المنهج اليساري اللينيني وذات قومية عبدالناصر وإشتراكية البعث وذات الصراع على الزعامة في القوى التقليدية وبدايات الخمول في المشروع الحركي.. ولكن الأخ المحبوب أختار ان يرمي سهمه على فريقه وعلى مشروعه وعلى فكرته، ليس من حيث عثرات التطبيق وإنما إمكانية التحقيق..
(3)
وغنى عن القول مؤسسات ودوائر إقليمية ودولية ومراكز بحث تستهدف بالكيد والدس الإسلام الحركي وتسعى لإيقاف مده وإستئصاله إن أستطاعوا ، فقد تم وأد نتاج الربيع العربي بخبث ومكر ، أليست تلك خيارات الشعوب وتطلعات الشباب الوثاب في مصر وسوريا وليبيا والعراق ولبنان و اليمن ، وفى تونس صورة أكثر بروزاً لكيفية التآمر على الديمقراطية و (قبر) خيارات الشعوب، ولذلك فإن إنتظار دعم هذه المجتمعات مجرد سراب ، وبرق خادع، والأمل في ذلك هو هزيمة لروح الأمة في العزم والإعتماد على الذات وتوظيف القدرات… نسأل الله السلامة وحفظ الله بلادنا..