ليمانيات / د. إدريس ليمان

نقاش على هامش الأحداث ..!!



يدور نقاشٌ وجَدَلٌ كثيف هذه الأيام بمواقع التواصل الإجتماعى حول الأحداث الأخيرة بولاية كسلا ، فهنالك من يَرى أنّ سلطان القبيلة قد أضحى فوق سُلطان الدولة للدرجة التى ترضخ فيه للإبتزاز والتهديد بالتصعيد لكل حدث يتعلق بأفراد أية قبيلة ، وهنالك من يرى أنَّ القانون فى مُجمَلِه وفى روحه يُعانى غياب التطبيق أو إنتقائية فى التطبيق ، ويكاد أن يصبح المتحاكمون إلى نصوصه فوضى لا سَرَاةَ لهم فقد ساد الجُهَّالَ فى جهات إنفاذ القانون وغاب العقلاء أو غُيِّبوا عن المشهد .. ومن المعلوم بداهةً أنَّ هيبة الدولة لاتنشأ بين عَشِّيَةٍ أو ضُحاها بل تكون تراكُميَّة تبدأ من صِيَانة الدولة لنصوص الدستور وإحترامها وعدم الإعتداء على مواده وروحه مهما كانت الأسباب والمسببات ، وإحترام حقوق الأفراد وصيانة كرامتهم .. فإستخدام أساليب غير قانونية لإنتزاع الإعترافات مساس بهيبة الدولة .. وسلوكيات الموظفين العموميين غير المسئولة خَدشٌ لهيبة الدولة .. والإعتداء على المرافق العامة من قبل المواطنين يُعَدُّ تَحَدِيَّاً ومساساً بهيبة الدولة .. وعندما تُعالِج الدولة كُلّ أشكال الفوضى المجتمعية التى لها أسبابها ومسبباتها بالمهدئات دون رؤية وإرادة أو بصيرة يُعَدُّ ذلك فشلاً للدولة وضياعاً لهيبتها .. وعندما يَشعُرَ الناس بضعفها وإسترضائها لهم عند كل حَدَثٍ دون قدرتها على إيجاد الحلول الناجعة أو العمل بمبادئ راسخة فى التعاطى مع الرعية وتسيير شئونها يكون فى ذلك ضياع لهيبة الدولة ..
هذا من جانب ومن جانب آخر نجد أن القبيلة رغم أنها قدرٌ مقدور فقد خلق المولى عز وجل الناس وجعلهم شعوباً وقبائِلَ ليتعارفوا .. وأنَّ الله نفع بها الأنبياء فما بَعَثَ الله نبيَّاً إلاَّ فى منعةٍ من قومه ، وأنَّ نبيَّ الله شعيباً عليه السلام قد نَفعه الله بتلك العصبية القبلية كما جاء فى قوله تعالى : ( قالوا يا شعيبُ ما نَفقَهُ كثيراً ممَّا تقول وإنَّا لنراك فينا ضَعيفاً ولولا رهطُكَ لرجمناك .. ) ورغم كل ذلك ورغم أنَّها تَضَعُ فى كثيرٍ من الأحيان نوعاً من الوحدة بالإنتماء إلى جهةٍ أو مدينةٍ إلاَّ أنَّ للقَبلَيَّة المحضة ضرراً على المجتمع وعلى الدولة السودانية ، وأنَّ من أخطر سلبياتها أن يتم تقديم الولاء والتناصر على أساس العرق والقبيلة دون غيرها الأمر الذى جعل أصحاب الضمائر الحَيَّة يتجنبون تلك العَصَبيِّات المقيتة ويبرأون إلى الله منها .. !!
وها هى سَبعةَ عُقودٍ من عمر الدولة السودانيةً قَدْ مَضَتْ خائِرَةَ القُوى مُثقلة بالتحَدِيَّات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ولاتزال بلادنا تواصل مسيرها نحو غَدٍ لا تُنذِر بشائره بأفُقٍ قريبٍ للإنفراج .. !! فإن أردنا لها السير بُخُطىً ثابتة نحو المستقبل فى ظل دولة القانون فهيبة الدولة هى الشرط الأول والأخير لبقاء كيانها القوى المتماسك والعادل ، وهذا لا يتأتى إلاَّ فى ظل فاعلية القانون المطلقة وإحترام الحقوق القانونية والدستورية لجميع أهل السودان ليهلك من هلك عن بَيِّنَة ويحيا من حيي عن بيِّنة .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .

الإثنين ٢ سبتمبر ٢٠٢٤م

اترك رد

error: Content is protected !!