الرأي على شط النيل / مكي المغربي

نظرة من زاوية مختلفة لاتفاق البرهان – الحلو

✍️ مكي المغربي

أعجبتني للغاية هذه الفقرة من التصريح المختصر “قصير ونشيط بلغة الجيش” للعميد الطاهر أبو هاجة مستشار القائد العام الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الإنتقالي في موقع “الرواية الأولى”.

خلاصة الفقرة .. ان اتفاق جوبا بداية وليس خاتمة .. “هنالك جولات ووفود تمثل جميع المكونات.”

هذا الرأي الذكي ينقل العبء الأثقل والمسئولية الأكبر من البرهان إلى معارضي ومؤيدي الاتفاق.

أنا شخصيا خفف هذا الرأي من موقفي من الاتفاق وليس من “العلمانية السودانية تحديدا” .. أنا ضد العلمانية في السودان ولم ولن اتزحزح عن موقفي قيد أنملة .. بالرغم من نقدي السابق للاسلام السياسي منذ العام ٢٠١٤ .. فقد بينت كثيرا ان المشكلة ليست في العلمانية بقدر ما هي في النسخة السودانية للعلمانية .. نسخة تحريضية اقصائية تقسيمية … واضيف إليها مؤخرا بجدارة .. “انتقامية”.

رددت كثيرا أنني عندما ازور مصر وتونس مثلا .. وعندما اناقش بعض اصدقائي العلمانيين المسلمين في المهجر الأمريكي أشعر أنني اتعلم وادارس معهم التاريخ الإنساني.

العلماني المصري يستضيفك في المنزل في “أوضة المكتب” وتجده يؤلف في كتاب ويترجم مسرحية ألمانية، وهو اصلا لديه خمسة كتب.

العلماني السوداني ينقل لك قوالات وشمارات سياسية وربما يتحدث لك في شرعية نسب بعض الشخصيات العامة، الجلسة معه كريهة مليئة بالذنوب والبصاق والشتائم والتشنج السياسي. علمانيين لا مؤلفات لهم ولا مداخلات رصينة ولا رؤى معتدلة.. والله حتى وصفهم بالعلمانيين فيه اسائة لعلمانيين آخرين في الوطن العربي.

يوجد علمانيين عرب عارضوا حكوماتهم لكنهم لم يتآمروا على بلدانهم ولم يطالبوا بفرض العقوبات على شعوبهم .. للأسف 

. السودانيون فعلوا ذلك وسيفعلونه باستمرار .. والكلام للجيش السوداني والبرهان .. حتى لا يتصور أن ما قدمه لهم سيغيرهم .. بل سيزيدهم شرا وسوءا.

المهم .. ادخلنا اتفاق البرهان – الحلو في جدل كثيف ومن المناسب إلا “نملس” حول الجرح .. انما نفتحه للعلاج ونسكب صبغة اليود ونبتدر نقاش جهير حول العلمانية والإسلام.

من أجمل الطرائف ما دار بيني وبين احد اصدقائي وبلدياتي الرباطاب “حفظهم الله” في تحليل لقاء جوبا واتفاق البرهان الحلو.

قريبي اختتم قوله “موضوع البرهان دا ما حالة إصابة بالعلمانية .. شكلو مخالطة واشتباه”.

بهذا المنطق الرباطابي “المسيخ” ينبغي أن نعيد النظر للاتفاق .. لان الفترة كلها فترة مخالطة واشتباه، حتى لو حدثت مصالحة شملت بعض الإسلاميين سيجدون أنفسهم في عمق المخالطة والاشتباه، إذ من السهل معارضة اتفاق جوبا مثلما كان من السهل معارضة إعلان مباديء الايقاد وميشاكوس ونيفاشا نفسها.

لقد تأسس منبر السلام العادل وكانت ولا تزال من أعلى الصحف توزيعا صحيفة الانتباهة .. نجح المنبر في المعارضة ولكن لو حكم هل كان سينجح؟! الحكم والتفاوض والتوصل إلى اتفاق وتنفيذه والتعامل مع الخروقات .. أمر صعب ولن يكون مثل مجرد معارضة الاتفاق.

دعونا نستبق جولات التفاوض بنقاش جهير وكبير حول العلمانية والتوجه الإسلامي.. دعونا نخالط مثلما خالط البرهان ولكن مع ارتداء كمامة ورش المطهر.

لو عدنا لموضوع بؤس ورداءة العلمانية السودانية وشقاءها في التعامل مع المجتمع والدين مقارنة بالعلمانية المصرية مثلا.

نحتاج إلى نقاش لكنني اعتقد ان الحركة الوطنية السودانية في غالبها تصالحت مع الدين مبكرا عبر الحزبين الكبيرين الاتحادي والامة، وكان الشذوذ في صف الشيوعيين ولذلك ولدت العلمانية السودانية في رحم شيوعي .. وباتت مثقلة بادبياتهم الاقصائية بل كراهيتهم للبيوتات السياسية والإدارة الأهلية.. وناصبتهم العداء في ثورة مايو نسختها الشيوعية الأولى.

ولذلك العلمانية في السودان خروج عن الاعتدال.

في مصر نشأت العلمانية ضمن حركة تنوير وطنية شاملة وليست “ضد المجتمع” ولذلك تصالحت معه.

المحصلة كما ذكرت .. فالفرق كبير وشاسع ولا يوجد أي أمل لتوأمة العلمانية السودانية مع رفيقاتها العربية عموما والمصرية خصوصا.

ولذلك تطبيق السيناريو المصري في التغيير في السودان غير ممكن.

اترك رد

error: Content is protected !!