تقع ماليزيا في جنوب شرق آسيا وتبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 63.5% وهم من أتباع المذهب الشافعي، ماليزيا دولة متعددة الأعراق والثقافات واللغات، الإسلام هو الدين الرسمي بنص الدستور مع السماح للأقليات الدينية مثل المسيحيةـ، البوذية والهندوسية بممارسة شعائرها، يمثل الإسلام هوية الشعب المسلم لذا يحرِص عليها من خلال تعظيم الشعائر الإسلامية والاحتفاء بها إبان مواسمها، وهكذا أشار القرآن إلي تعظيم الشعائر كما في قوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الآية 32 من سورة الحج) وجاء في تفسير السعدي أن المراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، وقِيل، إن تعظيمها يعني إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، الملاحظ أن الشعب المسلم في ماليزيا يعظم شعائر الإسلام مثل رمضان والحج والزكاة والصلاة بنكهة خاصة جديرة بالدراسة، اللافت للنظر أن المساجد تنال حظا من هذا الاهتمام والنظافة وتوفير سبل الراحة للمصلين حتى أن بعض المساجد تحتفظ بأُزُرٍ (جمع إزار) للرجال وأخمرة أو خمر (جمع خمار) وزي للنساء لمن احتاج أن يستخدمها ثم يضعها في مكانها ، ودرجت بعض المساجد وضع مَرَايَا) جمع (مِرْآة) في ركن من أركان المسجد للرجال والنساء لمن أراد أن يعدل في هيئة لِباسه أو هندامه ولعل ذلك تأسٍ بالآية ” يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ” (الأعراف: 31) التي دعت إلى أخذ الزينة عند المساجد ويُقصد بذلك ستر العورة بل أن بعض المفسرين مثل السعدي ذهب إلى أن المراد بالزينة هنا ما فوق ذلك من اللباس النظيف الحسُن.
يمثل رمضان إحدى المناسبات التي يُحتفي بها في ماليزيا منذ دخول الشهر وحتى انتهاؤه بدخول عيد الفطر في شهر شوال الذي يحتفي به كذلك كل الشهر، نسلط في هذه المساحة الضوء على موائد فطور رمضان المفتوحة التي هي من تجليات تعظيم شعيرة رمضان، تستمر هذه الموائد طيلة الشهر الكريم وبصورة جماعية في المساجد حيث يجتمع جيران المسجد في كل حي في المدن أو القرى لتناول فطور رمضان الذي يتصف بصورة عامة بالبساطة وعدم التبذير والإسراف في إعداد تلك الموائد، وفي الغالب الأعم وفي معظم المساجد والبيوت يتكون فطور رمضان من تمرات ونوع واحد من العصير وطبق من الأرز (يمثل الأرز غالب طعام قوت ماليزيا) المسلوق بالماء ومعه إدام أو مرق وقطعة دجاج أو لحمة مع العلم أن معدل مستوي دخل الفرد السنوي في ماليزيا بلغ في عام 2021م 11,109 دولارا أمريكيا والحد الأدنى للأجور يقدر بحوالي 350 دولارا.
كيفية ترتيب فطور رمضان الجماعي:
موائد رمضان تعد في المساجد وتُمول بعدة طرق منها: أن يتبنى الخيرون موائد في أيام معينة خلال شهر رمضان حيث تضع لجنة المسجد في بداية شهر رمضان قائمة تحتوي على أيام الصيام ويختار من يرغب الأيام التي سيدعمها ثم يضع اسمه ورقم هاتفه للتواصل، بعض الأيام تدعمها لجنة المسجد من صندوق تبرعات المسجد النقدية والتي تستمر طيلة أيام السنة خاصة في أيام الجمعة وخلال الصلوات الراتبة، وإعمالا لروح الشفافية تكتب لجنة المسجد مبلغ التبرعات في -نهاية كل جمعة ونهاية كل شهر- على سبورة بيضاء مرفوعة علي قوائم ظاهرة للعيان يوضح عليها آخر كل شهر إجمالي التبرعات وبنود الصرف ومتبقي المبلغ ( إن كان ثمة متبق) وهذا بدوره يحفز التبرع والإقدام علي المسابقة بالخيرات.
تجدر الإشارة أن موائد رمضان في ماليزيا مفتوحة يتناولها الغني والفقير والمسكين وابن السبيل على مساواة تامة في نوعية الطعام الذي يقدم وفي المكان الذي يُتناول فيه الفطور دون تمييز أو حرج لأن الكل يحضر بنفسه دون أن يحمل إلى طعام إلى المسجد لتناول الفطور الذي يعد في هذه المساجد أو يُشتري من مطاعم يُتفق معها على إعداده وتُدفع التكلفة في كلتا الحالتين إما من مال المتبرعين لهذه الموائد أو تبرعات المسجد وهكذا الحال إلا أن ينقضي الشهر الفضيل.
ونحن على أعتاب الشهر الفضيل تراني معجبا جدا بفكرة أن تُتناول موائد الرحمن في السودان في المساجد لضمان استمراريتها طيلة أيام الشهر ورفع الحرج عن المعوزين، صحيحا أننا نجتمع في الأحياء في الشوارع ويُحضر كل من يرغب ما تيسير له إلا أن ذلك يكون أوقع إذا انتقل للمساجد حتى نرفع الحرج عن المعدمين وأبناء السبيل وسيكون الوقع أكبر إذا ما رتبت بعض المساجد ذلك. فطور رمضان في المساجد فيه إعمار للمساجد وتحقيق لمعاني التضامن الإنساني والمشاركة في الأجر بصورة أوسع خاصة في تساوي الجميع في تناول نفس الطعام واقتسامه بصورة منظمة وفي ذلك تحقيق لمعاني رمضان التي نستشعرها جميعا.
نداء للتجار في السودان:
رمضان شهر كريم تتنزل فيه الرحمة والبركة والخير فحري أن تسود فيه الرأفة على الناس في البيع والشراء ، في معظم البلد يتسابق التجار في شهر رمضان لتخفيض الأسعار لا لرفعها كما هو الحال عندنا الحال في السودان ، ويحضرني هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي للتاجر السهل التعامل فقال ، عليه الصلاة والسلام: “رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى” (رواه البخاري)، وقال شُراح الحديث إن الحديث معناه الدعاء بالرحمة لكل من اتصف بالسماحة في بيعه وشرائه واقتضائه (أي أخذ الديون)، سواء كان رجلاً أو امرأة، سمحا إذا باع” أي: سهلاً في بيعه، وحسن في معاملته فلا يشدد على المشتري في السعر، بل ويضع عنه من الثمن (أي يخفض)، وترك المشاحة والتزام الرقة في البيع وفي رواية عند أحمد والنسائي من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه : (أدخل الله -عز وجل- الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً”، وإذا اشترى” أي: سهلاً إذا اشترى، فلا يجادل ولا يُماكِس في سعرها (استنقاص الثمن عما طلبه البائع أو الزيادة عما طلبه المشتري)، بل يكون سهلاً مسامحاً “، وإذا اقْتَضَى” أي: يكون سمحاً سهلاً حال طلب دَيْنِه من غريمه، فيطلبه بالرفق واللطف لا بالعنف، وقيل لا يماطل ولا يتهرب مما عليه من الحقوق، بل يقضيها بسهولة وطيب نفس.
هؤلاء الأصناف الأربعة دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة متى كانوا متسامحين في بيعهم وشرائهم وقضاء ما عليهم واقتضاء ما لهم من ديون على غيرهم، فهل منا من ينأى بنفسه عن تلكم الرحمة ولا يسعى للحصول عليها في هذا الشهر الفضيل.