الرأي

من أمجاد “المساليت ” …الذكرى 114 لمعركة كرندنق


د/محمد احمد ادم

في اليوم الرابع من يناير من العام 1910م واجهت سلطنة المساليت بقيادة السلطان تاج الدين الغزو الفرنسي في حملتها التي قادها العقيد (فيقنشو) ومحاولاتها للتمدد شرقا تجاه دارمساليت بعد ان استولت على سلطنة الوداي وتصدت لها بثبات وحققت الانتصار منذ الوهلة الاولى في واقعة كرندنق وانتصر السلاح الأبيض على الالة الحربية الحديثة وقدموا شجعان دارمساليت أعظم واروع التضحيات والبطولات المجيدة في الدفاع عن الارض واذاقوا العدو كؤوس الهزيمة والانكسار
وتظل معركة كرندنق معركة وطنية وبطولية خالدة في تاريخ القارة الافريقية وسلطنة المساليت التي خاض جيشها ملحمة فدائية نادرة وهم يواجهون إحدى رائدتي الاستعمار في العالم وجيش يفوقهم في التدريب وسلاح أوروبي حديث مقابل أسلحة بيضاء وايمان بقدسية الارض وعزته وخطة حربية بارعة فاقت توقعات العدو وصمود لم يكن في حسبانهم وقيادة خبرت الحروب والادغال والفيافي ورمال الاودية والصحارى .
وتأتي هذه الذكرى العطرة ومعركة كرندنق تبلغ عامها الرابع عشر بعد المائة ويقف التاريخ شاهدا شامخا بكل كبرياء وافتخار لرجال صنعوا التاريخ في هذا الجزء من افريقيا وقدموا انفسهم قربانا من أجل الوطن وتجسدت فيهم معاني الوفاء والتضحية.
ان فشل فرنسا وهزيمتها في بداية زحفها تجاه دارمساليت في معركة كرندنق تعد خسارة كبيرة وعظيمة إذ ان المواجهة لم تكن متكافئة بين الجيشين الا ان جيش سلطنة المساليت استطاع ان يحقق الانتصار الغالي على الجيش الفرنسي وباءت كل محاولات فرنسا المتكررة بالفشل في اخضاع المساليت والاستيلاء على سلطنهم وارضهم وضمهم لمناطق نفوذها الاستعمارية في افريقيا كما أن خسارة الارواح التي لحقت بفرنسا كانت كبيرة فقد تم إبادة الجيش الفرنسي الغازي باكمله ولم ينجو منهم سوى ثمانية وان قتل قائد الحملة العقيد(قيقنشو) واثنين من ضباطه هز من مكانة فرنسا بين رصيفاتها من الدول الاستعمارية عموما وفي فرنسا على وجه الخصوص مما جعلها تضاعف من قواتها وعتادها الحربي لغزو سلطنة المساليت مرة اخرى للثأر والانتقام ولكن الهزيمة لاحقها للمرة الثانية في دروتي .
وقد حرك انتصار سلطنة المساليت على الفرنسيين الحمية واغرى سلاطين وممالك الجبهة الغربية في التصدي للفرنسيين ومواجهتهم وان السلطان تاج الدين لعب دورا كبيرا في التصدي للغزو الفرنسي والانتصار الذي تحقق يعد انجازا كبيرا وغاليا وعظيما لبطل افريقي وقائد شعبي استطاع ان يهز من ثقة فرنسا ويحمي دارمساليت كما حمى ظهر السودان الغربي .
وفي سياق الملاحم البطولية والحركات الوطنية استطاع السودان ان يلحق الهزائم باقوى امبراطوريتين اوروبيتين في العالم في ذروة الحقبة الاستعمارية حيث اجلت قوات المهدية الاحتلال التركي المصري المدعوم من قبل بريطانيا فيما واجهت سلطنة المساليت الغزو الفرنسي وتصدت لها والحقت بها الهزائم المتكررة في معركتي(كرندنق في الرابع من يناير من العام 1910م ودروتي في التاسع من نوفمبر من نفس العام) وقد سجلت معارك الثورة المهدية وانتصاراتها وارخت في التاريخ السوداني ويتم الاحتفاء بها وبقاداتها وابطالها اما معارك وانتصارات سلطنة المساليت على الإمبراطورية الفرنسية غائبه تماما عن التاريخ السوداني وغير معروفه لأهل السودان ناهيك عن غيرهم الا ان الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري خلد هذا التاريخ في شعره بقصيدة ملحمية تعد بمثابة وثيقة تاريخية تتحدث عن معركة دروتي بعنوان(مقتل السلطان تاج الدين) كما أن الشاعر عالم عباس محمد نور هو الاخر خلد لهذه البطولات في اشعاره بقصيدة اسماها(سوميت بنات درجيل) ابدع في نظمها عن معركة دروتي وبطولات السلطان تاج الدين الذي يدرس في الجامعات بغرب افريقيا بينما هو غائب عن المدارس والمعاهد والجامعات السودانية .
والمعلوم ان معركة كرندنق كانت سريعة وقصيرة لكنها كانت حاسمة بصورة كبيرة وكانت النتيجة كارثية على الجيش الفرنسي وهي اولى المواجهات سالفة الذكر لسلطنة المساليت مع قوة خارجية غازية وجيش اوروبي باسلحة حديثة وان النصر الذي تحقق كان له طعمه الخاص الشي الذي زاد من ثقة المحارب العادي بنفسه وسلاحه وكان له أبلغ الأثر في المعارك التي تلت معركة كرندنق واصبحت دارمساليت مكانا للرافضين للاحتلال الفرنسي والطامعين في المساعدة العسكرية التي تعينهم في تحرير بلادهم وقد احتلت درجيل مكانة ابشي قبل احتلالها من قبل الفرنسيين وتحطمت امال وطموحات الاستعمار الاوروبي وفرنسا التي كانت تسعى لاحتلال دارمساليت في رمال كرندنق ودروتي
التحية لشهداء كرندنق ودروتي في هذا اليوم الاغر
والتحية لشهداء ساحات الشرف الوطني من أجل الحرية والكرامة

الرابع من يناير 2024م

اترك رد

error: Content is protected !!