الراصد / فضل الله رابح

مسيرة عطبرة .. عربون لرؤية أبعد

ا

فضل الله رابح

عدد من منسوبي تنسيقية تقدم وكوادر الحرية والتغيير بدل ما يترحمون على حادثة إفطار الذكرى السنوية لمعركة لواء البراء بن مالك ورفض السلوك الإرهابي للمليشيا وحقن دماء المدنيين، سعوا لتحقيق انتصار وهمي عبر التهكم والسخرية من الضحايا المدنيين متجاوزين أخلاقيات السياسة التي لا تقبل الشماتة والاستخفاف، ورغم عدم وجود ردود أفعال رسمية وتقديم معلومات حتى الآن لتصبح مداخل لتفسير الحادث وتحليله إلا أن حادثة مسيرة عطبرة بصالة لايف لنفيتني تعتبر تطورا جديدا في مسار المعركة بين المليشيا والشعب السوداني وتعتبر مهددا أمنيا ودينيا حيث الهجوم علي مدنيين يؤدون شعيرة دينية في رمضان وصلاة جماعة وهي انتهاك سافر في حق المدنيين إذ إن الهجوم ليس لمعسكر قوات مقاتلة وأنما لساحة إفطار لمجموعة مدنية ، كثير من الناس بدأ يحلل من زاوية معلومات ونظر قريبة بان الحادث اختراق امني وانتصار لخلايا المليشيا داخل مدن الشمال النيلي مع صحة زاوية النظر لكن لا بد أن ننظر من زاوية رؤية اخري اكثر عمقا ونلفت النظر بأن المليشيا لم تنخرط في هذه الحرب الاقليمية بالخرطوم وحدها وإنما دخلتها وفق منظومة حربية ومعلوماتية دولية واقليمية ولذلك لابد من النظر إلى حادث مسيرة عطبرة بازدواجية الرؤية وليس عن طريق تشويش الرؤية وتغيم الصورة ولذلك صحيح يمكن أن يكون الحادث تم بطائرة مسيرة من منطقة العكد شمال عطبرة أو من داخل عطبرة ولكن إذا أعملنا عدسة نظر وزاوية بصر أوسع يمكن القول إن الحادث يعتبر تطور جديد يرجح أن يكون أطرافه دوليين وغير مستبعد أن يكون الاستهداف من مكان بعيد علي طريقة الصواريخ البالستية التي يستخدمها الحوثيين في حرب اليمن واستهدفوا بها حاميات عسكرية سعودية في جيزان وغيرها…

واعتقد ان شمس الكباشي لم يكن مخطئا عندما قال ممنوع التصوير داخل المعسكرات، كانت هذه نظرة قائد استراتيجي فالتصوير من خارج المعسكرات ممكنا ولكن داخلها ممنوع لدواعي تأمينه لهوية الفرد المقاتل وهوية المكان وبهذه النصيحة الثمينة فانها تشمل حتي هذه الإفطارات لان الغرض واحدا وهو تأمين هوية الفرد المقاتل وخصوصية المكان فما عاد ممكنا ومن منطق تحليلي ما عاد ممكنا ان تفصل الحادث من سلوك ومؤامرات حلفاء المليشيا ومعاونتهم فنيا وعسكريا للمليشيا التي يعاني عناصرها اليأس والاضطراب هذه الأيام ، ولذلك هناك اكثر من هدف لهذا العمل الارهابي والرهانات عليه كثيرة منها صرف الانظار عن عمل عسكري مخطط له في منطقة اخري أو لرفع الروح الحمساية لقواتهم التي تدنت الروح المعنوية وسطهم بسبب ارتفاع وتيرة المقاومة الشعبية وانتصارات الجيش ، والانتقال من نظرية الميدان إلى نظرية الرهان على مناخات التأزيم والاستثمار في مشاعر السياسيين المنهارة، ولإعطاء الاحساس ان المليشيا ما تزال بعافية وتمتلك القدرة علي توسعة الحرب وفرض وقائع انتحارية على عموم أمن واستقرار السودان وليس الخرطوم ودارفور والجزيرة فقط .

من رؤية أبعد كأن «المليشيا» التي فشلت في الاستيلاء علي السلطة صبيحة 15 ابريل واغرقت العاصمة بدماء أهل السودان، تريد الآن إغراقها بدماء مضافة، بدءا من عطبرة ورمزيتها الجغرافية والسياسية وبمساعدة عناصر سياسية داخل المدينة وهذا واضح من خلال الفعل الارهابي الذي ما كان له ان يتم لو لا وجود طابور خامس ومصحح ميداني للصواريخ والمسيرات التي تعتمد في تحقيق اهدافها البعيدة علي دقة الاحداثيات.

ويبدو أن للعملية أيضا جذورا أخرى تكمن في رهان بعض عناصر «المليشيا» ومناصريهم من (قحت) الذين احتفلوا اليوم بعملية استهداف المدنيين في عطبرة وهو استئناف حربهم ضد عناصر الاسلاميين وارسال رسائل سياسية للمجتمع الدولي وبعض دول الاقليم التي ما تزال لديها فوبيا (الاخوان) بدءا من الامارات وليس حصرا فيه فبعد سقوط مشروع حكم «الانقاذ» في السودان، انهيارت رهاناتهم في السودان والتف كثير من حلفاء الانقاذ الاقليميين نحو من يظنون انه يحقق مصالحهم من الانظمة السياسية الهشة التي حلت بعد الانقاذ ظنا منهم بانها البديل الأنسب لتحقيق اهدافهم بالسودان، وبالتالي تبدو حادثة مسيرة عطبرة من زاوية النظر الضيقة للمليشيا وشذاذ الافق السياسي انها نافذة جديدة يطل «القحاتة» منها، مدججين بخطاب المقاومة للاسلاميين تقربا للغرب وبعض دول الاقليم ومنظماته لكنهم نسوا ان هذه البضاعة صارت كاسدة وليس هناك من يشتريها، وإن نظرية «وحدة الانهيارات» قد تاهت مع وحدة الساحات ..

ورب ضارة نافعة أن من ايجابيات حادثة مسيرة عطبرة انها فتحت العيون لثغرات أمنية كانت اقل اهتماما ولم يكن يلمسها البعض إلا أن الحادث جعل متخذ القرار يدرك ان ما تم في عطبرة كان يمكن ان يتم في بورتسودان أو أي منطقة حيوية اخري اكثر تاثيرا وتأثرا… تقبل الله الشهداء وشفي المصابون ونصر القوات المسلحة والقوات الأمنية المساندة لها والمستنفرين من أبناء الشعب السوداني …

اترك رد

error: Content is protected !!