مكي المغربي
قاعدة بيانات السجل المدني السوداني لا تقدر بثمن، وضياعها -لا قدر الله- يعني عودة سجل السودان إلى ما قبل 1820 وهي قاعدة تحتشد فيها بيانات حديثة أدخلت بعد “الرقمنة” والبيانات القديمة الهائلة الموجودة قبلها، قاعدة توجد فيها مكونات عائلية لكل السودانيين، هي الآن تساوي 120 مليار دولار، نعم، لا تستغرب، لأنك إذا رغبت فيمن يجمعها بعد ضياعها بالكامل ربما يحتاج للرجوع لشواهد القبور ويذهب للقرى ليعقد جلسات مع الأهالي لجمع الوثائق ولتثبيت تواريخ المواليد والوفيات، كم شخصا تحتاج؟ وكم ناقلة نفط سيحرقها وقود السيارات التي تجوب السودان؟ كم سنة تحتاج لإكمال هذا العمل؟ كم هي المرتبات؟ كم وكم؟
ورب ضارة نافعة، عادت القاعدة “الإبن البار” و “المال الحلال” سالمة “لا شق لا طق” وبذلك بمعركة وتضحيات كما قال الناطق الرسمي العميد فتح الرحمن التوم في المؤتمر الصحفي للشرطة في مدينة بورتسودان قبل أيام.
لاحظ أنني أتحدث عن قاعدة بيانات السجل المدني فقط وهي “جزء من كل” اسمه أنظمة بيانات الشرطة السودانية، والتي تشمل داتا مهولة منها قاعدة بيانات المرور والمركبات، وسنأتي عليها في عمود مقبل بالتفصيل.
الواقع يقول ويشهد بفخر، لدينا الآن “السجل المدني السوداني” في إحتياطي رقمي مثل “سفينة نوح” ولدينا قوات الشرطة الوفية تقدم الخدمات للبلد الذي أراد به أعداؤه سوءا ولكن أراد الله أن يحفظه.
من ذكريات أمريكا نقاشا معاديا دار حول “السودان دولة فاشلة” ساعدني فيه وجود وفد الجوازات يطوف بلاد العم سام. ترددت في البداية في حضور الجلسة ولكنني توكلت على الله وذهبت وسمعت غثاء كثيرا ثم تقدمت بفتح رباني وقلت كيف تكون الدولة فاشلة؟ الجواب هو عند عجزها في القيام ووظائفها وخدماتها الأساسية، وأنتم تتحدثون الآن عن “فشل السودان” بينما هنالك طاقم مكتمل من الجوازات والسجل المدني السوداني يطوف ٢٣ ولاية أمريكية ويقدم خدمات الجواز وتجديد بطاقة الأصول والرقم الوطني وشهادة الميلاد، ولا يفرق بين من دخل أمريكا مقيما ومن جاء مبتعثا من الحكومة نفسها ثم اتهمها بتعذيبه وظلمه فقط ليحصل على اللجوء والجواز الأمريكي، هذا الوفد يلتقط الصورة للمواطن ويأخذ البصمة من “مينيسوتا” ويثبتها في السيسيتم في السودان ويطبع الوثيقة في “سبق الخيل” ويرسلها للمواطن في أمريكا في بيته بالبريد، وكذلك الرسوم تدخل خزينة السودان فورا بالايصال الالكتروني، لا ينقصها ولا سنت واحد.
الدولة السودانية لم تكتف بتقديم الخدمات لمواطنيها في الداخل بل طاردتهم في الخارج ليحصلوا على حقوقهم القانونية مهما كان موقفهم السياسي منها “يا له من فشل جميل وأصيل ونبيل!”
طلبت منهم أي دولة أخرى قامت بتوفير هذه الخدمات؟ بذات الكثافة والانتشار؟ لا يوجد، وبصعوبة تذكر بعضهم دولة تقدم الخدمة عبر قنصليتين وسفارة في آن واحد، لكنها لا تذهب للناس في أماكنهم.
دارت الأيام لتثبت الشرطة السودانية مجددا أن السودان ليس بدولة فاشلة.
ذلك اليوم القائظ في صيف بورتسودان، درجة الحرارة 47 و الرطوبة 62% كان المؤتمر الصحفي لمدير عام الشرطة الفريق خالد حسان، ومدير عام الجوازات اللواء عثمان دينكاوي، وكان عرضا إستثنائيا يصلح مادة ثرية لعدد من الأعمدة ولكنني أبتدر هنا بما قاله جليسي في المؤتمر وقبلها رفيقي في العمل النقابي الصحفي لمدة عشر سنوات العم أحمد الشريف “هذه البداية الحقيقية لعودة الدولة، القصة دي انتهت والحمد لله”.
هذا التعليق العفوي يلخص عذابات وتضحيات أربعة أشهر، وربما أنا رددته من قبل ولكنني كنت أنتظر أن يقوله شخص مديد التجربة في الحياة ومرت عليه كل الأنظمة والمحن تقريبا، وولد قبل استقلال السودان ولا يزال قلمه قيد الكتابة والتأثير والمواجهة و”اللطام”!
أحمد لم يفوت الفرصة بعد المؤتمر وجلسنا على قهوة أدروبية رائعة تحت ظل وريف وضحك وقال لي هل تدري ماذا تذكرت؟ خرجنا ونحن في الوسطى في عهد عبود ونحن نهتف لن يحكمنا البنك الدولي وذهبنا لنقطة شرطة المسلمية، ولم يكن في ذلك الزمن سيارات، كان هنالك رجل شرطة يرتدي “ردا” ويقود جملا، جاء ليطاردنا، ذهبنا وقطعنا الحبل وضربنا الجمل فجفل وانشغل الشرطي عنا.
قلت له إذن أنت “ثورنجي” و “راستا” من زمان، قال لي فعلا “ثورنجي” لأنني كنت أظن حينها البنك الدولي هو البنك الخشبي في الدكان.
كتبت من قبل “عودة الإبن الضال” عن قيادات قحت “الجنجويد السياسي” التي عادت لمصر المحروسة وربما -أقول ربما- علمت بفشل العواصم الأخرى وتآمرها على السودان والذي بلغ حد تخريب وإتلاف قاعدة البيانات، ولكنها هي الأبن البار وعادت لنا بحمد الله تعالى.
ويستمر الشرح في المؤتمر الصحفي، وفي الأسئلة بعده، وأنتقي هنا نقطة مهمة، وهي أن الشرطة لديها قوائم الحظر المحدثة، ولديها قوائم السجون، ولديها كل ما يمكن أن يعيق هروب المجرمين والمتهمين، وسؤالي في المؤتمر الصحفي هو هل منسوبي المليشيا القاتلة أخف ضررا من متهمي الشيكات؟ يجب أن تتخذ النيابة القرارات المطلوبة، التي تعزز قبضة الشرطة بما يخنق أي إجراءات لمنسوبي المليشيا المجرمة ومن يعاونهم ومن يرشدهم لقتل الناس في البيوت واستباحة حرماتهم واغتصاب حرائرهم، والإستخبارات وجهاز الأمن لديهم المعلومات الكاملة عن الجنجويد العسكري والسياسي.
أنا واثق أن الشرطة غير مقصرة، والأمر على طاولة جهات الأختصاص السيادي والنظامي.
والرسالة هنا للسيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
نريد أن يكون من حق الشرطة على الأقل أن تطلب من أي منسوب للمليشيا أو من أعانهم شهادة من الجيش أنهم سلموا اسلحتهم وبطاقاتهم ولم يعتدوا على شعب السودان، وتطلب من المتهمين بالارشاد والخيانة في الأحياء إذن اجراءات من الاستخبارات العسكرية، والا كيف تمنع الشرطة حرامي شباشب من الجامع وتترك قاتلا مغتصبا يستخرج جوازه ويسافر، أو حتى يفتح حسابا بنكيا أو يغير شريحة هاتفه.
(نواصل)