رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

للحق والتاريخ: إعادة ضبط مفردات الحرب ..

▪️هذه حرب تستهدف السودان الوطن والأرض والهوية والإسلاميون جزء من هذا النسيج ٠٠

▪️النفرة من غالب أهل السودان وتحت راية واحدة وغاية واحدة لم ينفرد بها تيار سياسي وللإسلاميين سهم غير خفي ٠٠


د. إبراهيم الصديق

(1)
هذه الحرب ليست ضد الإسلاميين وإنما ضد السودان ، الأرض والهوية والموارد والتاريخ والحاضر والمستقبل ، والاسلاميون جزء من كل ذلك ، واصحاب سهم وحضور ، حظهم مثل آخرين ، وأكثر ما يميزهم أنهم إختاروا الإقتراب من المجتمع وقناعاته وتوجهاته ، فالرصاصة وجهت للمواطنين جميعا ، والقتل للمواطنين جميعا ، وإحتلال البيوت للمواطنين جميعا والنهب للمواطنين جميعا ، ، وإعتقال قدامى رجال الجيش والشرطة والأمن ، بلا فرز ، وحرق المؤسسات العامة بلا تمييز.. والتركيز على مظان الهوية والسجلات والحقوق مثل السجل المدني والأراضي والمتاحف هو محاولة لطمس الحقوق والهوية للجميع ، فهذه حقيقة بلا زيف..
والاسلاميون في هذه المعركة فصيل مع الشعب ، تداعو للدفاع عن وطنهم وارضهم وعرضهم ، قاتلوا تحت ذات الراية (القوات المسلحة) وتحت إمرتها، ذات القادة الذين اعتقلوا وعذبوا قادة التيار الوطنى والاسلامي ،أو غضوا النظر عن سلب الحقوق وتغييب القانون ..
سقط من الاسلاميين الشهداء والجرحى مثلهم وكل قطاعات الشعب ، لإن هذه قضية وطن لا تحتمل الركون إلى جنب ، لم يقفوا متفرجين على الوطن يفتت والشعب يشرد والحقوق تنتهك والامة تمحى ، بل تقاطروا مثل غيرهم ، ليس لهم كتيبة أو لواء أو مسمى أو قادة او جبهة غير القوات المسلحة وقادتها..
ومعركة الكرامة ليست بندقية وخندق وحسب ، وإنما جهر بالرأى ضد التدليس ، بالقول والكتابة ، وبالمنابر ، هو صبر على المكاره ووحدة الصف ، هو فتح المنازل والقلوب للنازحين من ديارهم ، هو الدعاء والوجدان النقي بالإبتهال والإشفاق ، هو كل ذلك وهو نبذ دعاة الفرقة والشتات والتخذيل ، هو شعب السودان المتسامح.. هل عرفتم؟
(2)
لم يخرج الاسلاميون لحماية شخص ، أو سلطة وانما حماية وطن وارض وفكرة…
وهم في ذلك مع غالب الشعب السوداني ، يقاتلون معه صفا بصف ويدا بيد ، هنا اختلط الدم والجراح والعرق..
لن يطلب الاسلاميون المقابل لذلك من احد ، فقد اعطوا القضية والموقف والتاريخ ، ووحده الشعب صاحب الحق في منح الأنواط والفخار..
لم تكن أيدي الاسلاميون مقبوضة عن صاحب خير للوطن والناس ، ولن تمتد لمن خان أو زايد أو مكر وخدع ، لن يأمنوا الثعابين السامة..
لن تشغلهم المعارك الصغيرة والإنشغالات الفطيرة عن معركتهم الكبري.. فمن عجز عن الفعال مع كامل السلطات والصلاحيات لن يفلح في لقاءات جانبية وامنيات بائسة ، فلا تلتفتوا للمعارك الجانبية..
كثر هم من يحاول تغيير دفة الحدث ، تغيير المواقف ، تشتيت الجهود ، بالتحريف والتزوير ، وهو ما لا يغيب عن فطنة كيس ، وما أقصر قامة من ينافس في الميدان من خلال مبدأ تحطيم الآخر أكثر من تقديم فكره ومنطقه..
للإسلاميين رؤية لم يزيحوا عنها وهدف لن يألوا دونه جهد ، هو رفعة هذا الوطن واهله ، والحفاظ عليه وهويته ، وهم في ذلك مع كل صيحة للخير ونداء للعلا..
(3)
وما يقاسيه الوطن اليوم ، هو جزء من مخطط ، لم يبدا في يوم 15 أبريل 2023م ، وإنما منذ وقت غابر في التاريخ يهدف للتفتيت والتقسيم ، منذ بدايات تمرد انانيا ون 1955م وتمرد قرنق 1983م ، وقضية دارفور والشرق ، وحتى العقوبات الإقتصادية منذ 1992م ، كلها صناعة ومخطط واحد ، ولم يكن من وضع خارطة الطريق عام 2018م بمعزل عن كل ذلك ، الحرب الراهنة واحدة من ذات المحطات ، لقد انطلقت حين استعصت عقدة على التفكيك ، لقد دمروا الخدمة العامة بالفصل والتشريد ابتداء من عام 2019م ، ودمروا الاقتصاد حين رهنوا 90% من الموازنة لدعم اجنبي متوهم ، واستهدفوا العدالة في النيابة والقضاء ، واستهدفوا التعليم بالتعديل والتخريب ، واستهدفوا بنية المجتمع القيمية والاجتماعية..
ولم يكن الإتفاق الإطاري عقدة المنشار ،و الاسلاميون ليس من عارضه ، فقد عارضه الحزب الشيوعى تحت مسمي (قوى التغيير الجذري) ومعه قوى يسارية ، ومعهم الحلو وقواته ، ومعهم عبدالواحد نور ومقاتليه وبعض قوى اليسار ، لم تتجه إليهم الأنظار او تنالهم السهام ، إذن الهدف أمر آخر ، إختطاف الوطن بقيمه وارضه..
لقد كانت عقدة المنشار تفكيك القوات المسلحة بإعتبارها أحد ممسكات الوحدة الوطنية ، كما أنها أحد مقومات الدولة الوطنية..
وهل من عاقل يرضى تفتيت جيشه وإستبداله بمليشيا قائدها ونائبه إخوة وقيادته كلها من بيت واحد ؟ ما هذا الطيش والسفه ، ام إنها عمى البصائر وشهوة السلطة وغياب الوعى والبصيرة..
(4)
هذه ليست حربا (عبثية) ، فقد تم تخطيطها وتوقيتها بدقة ، وتم الحشد والتعبئة لها بوقت طويل ، لا مجال للحديث عن الطلقة الأولى وإنكار تشكيل قوة من 120 الفا وتدريبهم وتوفير معيناتهم وتوزيعهم ونقلهم من قواعدهم للخرطوم والتحشيد في المدينة الرياضية وسط الخرطوم وفي مطار مروي اقسي الشمال ، وتحريكهم لمحاصرة وحدات الجيش والقواعد العسكرية والفرق والمناطق العسكرية في الولايات والسيطرة على القصر الجمهوري والمطار والاذاعة ومحاصرة القيادة العامة وطلب (إستسلام) القائد العام ، والبعض ينسى في غمرة الاحداث أن المتمرد حميدتى قال في واحدة من تصريحاته ( أكثر من 448 ضابط خانونا ، رغم أننا لم نقصر معهم ووفرنا لهم كل شئ) أليس هذه إشارة إلى أن الدعم السريع وحلفاءه داخليا وخارجيا حددوا ساعة الصفر وتحدثوا مع كل الأطراف ، من العبث تجاهل الوقائع..
وليست حربا (عبثية) وقد تم التوافق مع الحاضنة السياسية وقد ادت بيان التأييد وأختارت فريق العمل الجديد والتشكيل الوزاري ، وما زالت ابواقهم تتعالى بالضجيج والصياح والتشكيك والادعاءات الكذوب..
صحيح ان فشل المخطط أربك أطراف الجريمة ، وبدأت في البحث عن مظان أخري ، وتبريرات وتعليلات فطيرة ، ولكنها لا تقنع احدا..
وحتى الاهداف المعلنة للحرب في بداياتها (إزاحة قادة الجيش) وكما أشار القائد منى مناوى نقلا عن حميدتي بعد لحظات من إنفجار الوضع (وضع كويس سيطرنا على القصر والمطار وحاصرنا القيادة خلي البرهان يسلم)..
(5)
هذه معركة أهل السودان جميعا ، تحت راية القوات المسلحة وقادتها ، إما أن نخسر جميعا ، لا قدر الله ، ارضنا وبيوتنا واحلامنا ، ونمضى لله برؤوس مرفوعة بالهيبة والفخر ، أو ننتصر للوطن والعرض والأرض وللشهداء واليتامى والعجزة ، وللبسطاء وللصابرين على جمر النزوح ولهيب اللجوء ، للمشتاقين للمحنة والمودة والذكريات.. وذلك العشم والفأل بإذن الله ، نصر وفتح قريب..
لا تخلطوا الاوراق في غفلة..
والسلام ..


5 أكتوبر 2023م

اترك رد

error: Content is protected !!