رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

كرتي والعقوبات الامريكية: نظرة واقعية..


د.ابراهيم الصديق
(1)
هذه واحدة من مواقف الحزب الديمقراطي ، أغلب القرارات المتعسفة على السودان كانت بقرار رئيس أمريكي ديمقراطي ، و خاصة مع إقتراب موعد الانتخابات ، وبالتالي القرار الأمريكي ضد الشيخ علي كرتي لا يمكن قراءته بعيدا عن تجاذبات داخلية امريكية ، فالحزب الديمقراطى كثير المغازلة والمراهنة على جماعات اللوبيات وجماعات الضغط والاقليات وخاصة السود ، وفوق ذلك المال ورجال الاعمال ، ولذلك جاء هذا القرار بعيدا عن مقتضيات الواقعية والسببية المرتبطة بأمن الولايات المتحدة أو بمواقف ذات طابع قانوني..
وتعليل القرار بإنه (عوق الإنتقال الديمقراطي والحكومة المدنية) هو بصورة أخري إعلان فشل للسياسات الأمريكية وفشل خياراتها وادواتها ونزوعها للضغط بدلا عن إدارة حوار بناء والإستماع للآخر ، وحالة الإحباط من فشل تدابير السفير الأمريكي في السودان وتبنيه لمشروع سياسي معزول ، إن ما عجزت عن تحقيقه الادارة الأمريكية من خلال المناورات الفطيرة تحاول فرضه بإرادة جبرية ، هذا بالتاكيد إحباط أدى لإستخدام وسيلة إبتزاز ذات صبغة إستعمارية..
(2)
لم يكن الشيخ على كرتى جزءا من العملية السياسية في 11 ابريل 2019م ، فقد اعتزل المعترك السياسي منذ إعفائه من منصب وزير الخارجية وتفرغ لمبادرات ذات طابع إقتصادي وتنمية إجتماعية ، وكان عزوفا عن الفعل السياسي حتى بعد تكليفه نائبا للأمين العام للحركة الاسلامية مع آخرين ، وخلال اربعة أعوام من حكم اعوان امريكا من قوى الحرية والتغيير قحت ، و تسخير كل ادوات التحيزات السياسية والاعلامية والقضائية ضد الحركة الاسلامية وعضويتها ، ومع ذلك قاد الشيخ على كرتى بصبر تياره الحركي والسياسي إلى مسايرة الواقع دون مخاشنة أو مواجهة ، مع اعادة ترتيب منظومته السياسية والحركية والانفتاح على قوى أخري ، فأين الجريمة في ممارسة فعل سياسي في بلادنا وارضنا لم تتم الاستعانة فيه بقوى خارجية أو مال خارجي أو رهن الارادة لآخرين ، بل هذا هو الإنتقال الديمقراطي وتحقيق السلام والاستقرار ، حين يرتضي تيار سياسي الركون لضرورات العملية السياسية السلمية والخضوع لإرادة الشعب ، لقد ربح التيار الوطنى والاسلامي معركة المسار الوطنى.. بينما سقط تيار التآمر على الوطن وخيارات شعبه ، وقرار العقوبات على الشيخ كرتي هو مجرد محاولة تعويض الإحساس بالهزيمة…
(3)
دون شك ، فإن تمرد 15 ابريل 2023م ، هو إعلان إفلاس مغامرات قوى كثيرة منها الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة دول الترويكا ورئيس (اليونتاميس) السابق فولكر بيريتس ، وتداعيات الحرب الراهنة والإنتهاكات هو نتاج للروح السائدة قبل الرصاصة الأولى وتم التمهيد لها بتدابير لوجستية واسعة ، وتشوين اسلحة ، وتدريب ، وإتصالات لم تكن خافية على الادارة الأمريكية والتى تفضل الإصطياد في موجة (الفوضى الخلاقة) ، وحين فلت الأمر عن السيطرة ، فإن الادارة الأمريكية تبحث عن جهة لإسقاط خيباتها.. وهو هنا الشيخ على كرتى في رمزيته..
ولم يكن خافيا معاداة التحركات الأمريكية لأي صعود وظهور للإسلام السياسي ، فقد إشار لذلك السفير الأمريكي في لقائه مع بعض مكونات الشرق وقال (إن الانتخابات ستأتي بالاسلاميين)..
(4)
ما يثير الإنتباه والحذر في القرار الأمريكي ، جعل العقوبات الإقتصادية وسيلة لفرض الخيارات والرهانات السياسية ، وهذا أمر مستهجن وتدخل أرعن في شأن داخلي ، وهو ما يقتضى ان تتصدى له الإرادة الوطنية والمجتمعية ، بلادنا التى نالت إستقلالها في .1956م ، لا يمكن أن تخضع اليوم لقوة مهما بلغ شأنها..
والنقطة الثانية عن الحرب وتعويق إيقافها ، وتدرك الادارة الأمريكية وهي رعاية لإتفاق جدة ، من رفض تنفيذ بنوده ، وتوجيه الإتهام لآخرين هو تخفيف الضغط عن جرائم الدعم السريع..وحلفاءه..
والنقطة الثالثة هي محاولة تفكيك الجبهة الوطنية المناهضة للتمرد والداعم للخيار الشعبي المساند للقوات المسلحة ، فهذا غمز من طرف خفي ، وما لم تتخذ الحكومة السودانية موقفا من هذا القرار الأمريكي ضد وزير الخارجية الاسبق الشيخ على كرتى ، فإن هذا التلويح سيتحول لقرارات أكثر جرأة.. فهذه مقدمات لخطوات أخرى..
وللحقيقة ، فإن مجمل التدخلات الأمريكية هى مظهر من ضعف الحيلة وإنتفاخة الهر ، ولم تخف أحدا أو تردع حرا عن فكرته وخياره..

اترك رد

error: Content is protected !!