الرواية الأولى

نروي لتعرف

ليمانيات / د. إدريس ليمان

قون المُغربيَّة !!


الخامس عشر من أبريل 2023م لم يكن تأريخاً عابراً فى ذاكرة الأمة السودانية بل لحظة فارقة فى سجل الزمن ، فقد شَطَرَ ماضى الدولة ومستقبلها إلى نصفين وجَعَلَ ما بعد ذلك التأريخ ليس كما قبله أبداً .. ورأينا الهالك يومها فى الفضائيات مزهوّاً بقوته ومليشيته وعُدَّتُها وعتادها ، ومتغطرساً بما يملك من سند سياسى من بعض الإنتهازيين الذين يدَّعون بأنهم قوى سياسية فاعلة فى المشهد السودانى ، وتخَلَّف عن هذه المؤامرة كل الشُرفاء المُصطَفَينَ الأخيار ليكونوا شهداء على الناس الحَقَّ الذي لايموت ..!!
وبدأت آلة القتل المُستأجرة تحصد الأرواح السودانية البريئة وتَجِزُّ رقابهم كأبشع جريمة تُرتَكَب فى حق هذا الإنسان المسالم .. ولم تكن تلك الجرائم التى إرتكبتها المليشيا الإرهابية حوداث فردية بل كانت تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية ، وجرائم سياسية وجرائم حرب وضد الإنسانية ومُتَعَمَدَّة مع سبق الإصرار لتفكيك الدولة السودانية ونشر الرعب بين الأبرياء من سكان المدن والقرى والفُرقَان .. وقد رأى العالم ما حدث في الخرطوم والجنينة والفاشر وود النورة والسريحة والهلالية وغيرهما من قتلٍ جماعى وتهجيرٍ وحصارٍ وتجويع ..!! ولكن الله قيَّض لهذا الوطن رجالاً لايشبهون إلاَّ أنفسهم ولا يشبههم أحد ..لم تَهُزَّهَم عواصف الغَدر الجنجماراتى، ولم تكسرهم خِيانة الخائنين ومرارة الخُذلان ممن كانوا يظنونهم إخوتهم فى الوطن والدين ، فشمَّروا عن السواعد وصدقوا الوعد وصنعوا المجد وكتبوا سِفراً جديداً مجيداً لأهل السودان بِمدادٍ من دَمّ الشرف وعَرق الكرامة .
وبعد كل الذي حدث لبلادنا وكل تلك التضحيات البطولية والأثمان الغالية التى دفعها الإنسان السودانى من دمه الذي أُريق وعرضه الذي أُنتُهِك وماله الذي سُلِبْ ونُهِبْ وأصبح هائماً على وجهه يلتمس الأمان فى دول الجوار ويلتمس المأوى بين جدران الفصول في المدارس بعد أن كان عزيزاً في داره وبين أهله ..!! فبعد كل ذلك هنالك من يُريد أن يَجُرُّ بلادنا إلى دائرة الخطر والمذبح الجنجماراتى لتقديمها قُرباناً لمطامع أسيادهم وهزيمتها في ملعبها ووسط جمهورها ومواطنيها برباعية ( غير نظيفة ) ..!! فالإعتراف الضمني الذى تُريده الدول صاحبة المبادرة ما هو إلاَّ طُعمٌ لمنح المليشيا المُندحرة مركزاً قانونياً مُبرأً للذمة السياسية داخلياً وخارجياً ( وهي التى لاذِمة لها ولا خَلاق ) ..!! فهل يا تُرى إنَّ تغيير واجهة المليشيا من قوة مقاتلة إلى تنظيم سياسى وإن كان مسخَاً سيُغَيِّر من صورتها القبيحة في الوجدان السودانى والذاكرة الجَمعيِّة لأهله ..!!؟ وهل يا تُرى أن هذا المُسمى السياسى الجديد سيمحوا سِجِلِّهَا الدموى ويغسل يدها من دماء الأبرياء ..!!؟
فهذا الكيان الخديج الذى يُسمى بحكومة تأسيس يفتقد للسند الدستورى بل وقوبِل برفضٍ شعبى كبير من خلال قراءة ما تنشره مواقع التواصل الإجتماعى وقياسات الرأي العام ، ولم يجد حتى الإعتراف الدولى لأنه كان من ( وحي خيال وبنات أفكار) حُلَفَاء المليشيا فى الداخل ، وكفيلها وأسيادها في الخارج ، ولأنه يسعى لتقديم لصوص المنازل والمؤسسات الذين سرقوا وعبثوا بكل شئ حتى مومياءات المتحف القومى لم تسلم من دناءتهم كسلطة سياسية وإلباسها ثوب الشرعية الزائفة وإكسابها زخماً دبلوماسياً لمنافسة الحكومة السودانية القائمة فى الأمم المتحدة والمنابر الدولية .. وهو ما يمثل تحديِّاً حقيقياً لسيادة الدولة السودانية ووحدة أراضيها ، فهذا الكيان اللقيط ( تأسيس ) يهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الجغرافية والديموغرافية لبلادنا وإطالة أمد الصراع وخلق المزيد من الفوضى الأمنية وحالة من عدم الإستقرار المجتمعى والسياسي والأمنى والإقتصادى .
ولا أعتقد أن أهل السودان الأوفياء لأرضهم ونيلهم وزرعهم وضرعهم سيقبلون بالنسخة السياسة للمليشيا الإرهابية التى أذاقتهم الويلات وجَرَّعتهم الذُّل والمهانة بطريقتها ومنهجيتها فى إرتكاب الفظائع رغم كل المحاولات الدولية الخبيثة والمستميتة لإستدراج الحكومة للإعتراف الضمنى بها ، والذى سيتسبب إن فعلت فى دخول أهداف في شباكها النظيفة من تسلل واضح من هجوم الأفاعى ليخرج المنتخب القومي السودان من ديربي الكرامة مهزوماً برباعية غير نظيفة ..!! ولكن دفاعنا الصلب وجميع اللاعبين الفاعلين فى الملعب السياسى لن يسمحوا بذلك ولن يمنحوا قبلة الحياة للمليشيا التي تتداعى وتتآكل من الداخل ، وجدارها يُريدُ أن ينقّض ولن تجد ( السيد القائد) ليُقِيمه فقد هلك وأهلك .. ولن يعترف بمسخها المشوه ( تأسيس ) أحد ، لأن الإعتراف الضمني به سَيُعدُّ خيانة لأرواح الشهداء ودماء الأبرياء ولجميع ضحايا إرهاب آل دقلو وكلابهم المسعورة من دار أندوكا إلى جبل موية ، وإنتهاكاً لمبادئ العدالة الدولية ، ومكافأةً لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ، بل سيشكل سابقة سياسية خطيرة تُغرى الآخرين بحمل السلاح وسفك الدماء وإنتهاك الحرمات للوصول إلى السلطة ممَّا يُفاقم الأزمات ويجهض كل الجهود لإقامة أنظمة ديموقراطية مستقرة تحت حكم القانون .
ولتعلم المليشيا وهمبولها التأسيسي وليعلم إلههم الهالك وأرعنهم وصاحب ( طاحونتهم ) أنه طالما يجدون الدعم السياسي والعسكري من الطامعين في تِبْرِنَا وتُرابنا ونيلنا وفشقتنا في منتهى الوقاحة السياسية والدبلوماسية ، وطالما مُسيَّراتهم تُحلِّق في سماء بلادنا وتعبثُ بأمنه رغم أنه لا يعبأُ بها أحدٌ الآن ولا تُخيف أحداً فالكل مشغولٌ فى ترتيب أوضاعه بعد العودة .. فلن ينعم أولئك المجرمون بأي سلامٍ ولن يكون لهم أمان ..!! وليعلم سفهاؤهم أيضاً أن السلام لا يأتي بالإبتزاز الدولى والمساومات الإنتهازية بل بتحقيق العدالة والإقتصاص من أولئك القتلة الذين طغوا فى البلاد وأكثروا فيها الفساد .. وليعلموا أيضاً أن أى سلام يُعينهم وأعوانهم على الإفلات من العقاب ومن قبضة العدالة الإنسانية ليس سلاماً بل محض إستسلام للإنتهازية الدولية بقوة دفعها الرباعية ، وفيه مساس مباشر بالأمن المجتمعي وبالأمن القومى والسيادة الوطنية وبالنظام الدستوري على ما بِه من دَخَنْ..!! فهذه الأرض الطيبة روتها دماءً طاهرة وفدتها أرواحاً طيبة كانت قناديل من الصبر والثبات مضى أصحابها شامخين مُضَرَّجِين بكرامةٍ لا تُساوَمْ ولا تُباع ، تاركين خلفهم نوراً أزلياً لن تنال منه عتمة أضاءوا به طريق النصر .. فمن أجل تلك الدماء ومن أجل السيادة الوطنية ينبغي أن يكون موقفنا مبدئياً من أي تدخل فى شؤوننا الداخلية دون موافقتنا ، وأن يكون رفضنا للرباعية مشروطاً وفق مصالحنا القومية وبما يعيد إلينا كرامتنا الإنسانية ويُعَمِّر ما دمرته تلك الفئة المجرمة ويقتص لنا منهم .. فليتنا نُحرز قون المُغربيَّة فى مرمى الرباعية .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏾 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الجمعة 24 أكتوبر 2025م

اترك رد

error: Content is protected !!