وعلي ذات الشاكلة، فان ازمة بناءه وهيكله الديمقراطي، ليست في ترتيباته النمطية والشكلية فقط، ولكن ايضا في غياب ثقافة الديمقراطية، بمجتمع سلطوي مازال يعتاش علي انماط (كارزمية)= استبداد الزوجانية الابوية العائلي بنزوعها البطرياركي، والعشائري القبلي بنزوعه العنصري الاثني، والطائفي التديني بنزوعه المشيخي الثيوقراطي، ليبقي السؤال: في كيفية الوصول لنمط ديمقراطي اتحادي (وطني، مستقل) يعين علي عمق اصالة ممارسة التعبد التوحيدي السياسي الانساني غير المرتبط بوهم مركزية ثقافية وطنية مستبدة، او عبر وطنية اوربية مفروضة فالمعايير الثقافية المتوخاة لعملية الانتقال والتحول الديمقراطي المرتقب، هي في مقدار مايتيحه نظامها من بناء مفاهيمي وهيكل مؤسسي للممارسة الشعبية الحرة الواسعة للكسب التاريخي لمجتمعها وقواه وماتمثله من قيم منشودة وحراك بها متاح ومبذول… والا فان عواقب ذلك ونذره الغاشيات علي المشهد الوطني، ستكون نتيجته الحتمية مزيدا من تشظي وانقسام او وخيمة بفتنة عود شرس لاحتراب اهلي لا يبقي علي وحدة خصوصا، اذا لم يحترم عهد تواثقه الدستوري وبرنامجه السياسي وعقده الاجتماعي وانفرد غصبا اي من مكونيه بالقرار، وعندها فلسان حالنا وكانه يردد هامسا: (ان قرار الحرب و السلام من القرارات الجادة التي ينبغي ان لاتترك للعسكريين وحدهم) … او ان ينطق جاهرا:(ان قدرة الانسان علي احلال العدالة تجعل الديمقراطية ممكنة، لكن قدرة الانسان علي الظلم تجعل الديمقراطية ضرورة…) و حينها ومهما انتأينا بانفسنا عن معارك تكسير العظام، فسياتينا يوم نعض فيه اصابعنا من مصاب الندامة ومما فرطنا بمعارك اوجب و انبل من اجل كسب القلوب والعقول….
*وسادس قضايا الانتقال الديمقراطي، مسألة التحدي الاقتصادي، فمن ضمن مايطرحه من اشكاليات تثير غبارا كثيفا،حاجبا لرؤية اجابة لعديد تساؤلات: والتي تؤرق مضاجع امان و عافية البلاد والعباد، ذلك العنوان الغامض من افصاح بمسبباته والواضح بنفس الوقت عن امساك بمسببيه: معاش الناس وكانه اليوم قد استبدل كايقونة جديدة عوضا عن ايقونات الثورة ومفرغا لشعاراتها الاخريات ومضامينها الا من ان تمر من بوتقة امتحان هذ المحك المطلبي الملح المرتهن لمحتوي الثورة وافقها الرمزي الاشمل تحت سقف وطأة المعاش المادي، الذي يصوره كارهوا الثورة ومتنكبي قيمها الفضليات زورا وبهتانا وكان كل ما يتنسب لقضايا الحريات هو الخصم اللدود لكل مايتصل بقضايا الخبزيات ومن ان تكون هموم والويات الثورة والحرية سلاحا و رصيدا ناجعا (لانتزاع) وللاستجابة لحقوق و مطالب جموع العامة من الناس وان لايكون ايا منهما علي حساب الاخر، وما بين المهمة الثورية لتجسير هوة ما تصوره كثير من قوي المرجفين من اباطيل التناقض وتصانع التازم ، يبقي همي: التدبر للامساك التحليلي بالمسببات ومواجهتها بعوامل النباهة النظرية الاقتصادية الاشمل، وثانيهما:التدبير للافصاح التطبيقي عن المتسبب، والتصدي له بعناصر النجاعة الاجرائية الافعل، ليبقي وحده الطريق العلمي هو الوسيلة المثلي للتعامل مع ماخفي من طلاسم اوضاع هذين الهمين، ثم من بعد ذلك ينتصب مشهد ماورائي اخر(لميتافزيقيا) اقتصاد وقوي موازية رمادية هي المتحكم الاول بمصادر اسواق نقدية وثروات وطنية وبمشاربع مخططات معيقة تفاقم الاوضاع سوءا، وتزيد من حدة الفجوة مابين شارع ثوري يتم الانتقاص اليومي الممنهج من ثقته (بقيادته) وبافقاده الايمان بجدوي الانتصار والعبور المصادم الجرئ نحو بناء الانتقال الديمقراطي، بالتخبط المريع في السياسات و ردود افعال كلا من الطرفين المتناقض عليها التماس الجوهري المباشر وغير المباشر لهذة التحديات والقضايا لابد من ان يمرر من عبر ملامسة جذرية متصدية، تعاملا مع=
- الطبيعة الجغرافية السياسية والاقتصادية السودانية الحالية، بتركيبتها السكانية الاثنية: فالعملية الاقتصادية السياسية، تتم في اطار المطابقة بين المصالح النخبوية الفئوية و المصالح الكلية الاثنية، فقط علي اساس التكتل الاثن وجغرافي المناطقي اوالجهوي فخطوط عمق العملية الاقتصادية لاتتم في اطار علاقات السوق الموضوعية الليبرالية بل اغلبها في اطار المنافسة الاثنو- ايدلوجية بينما اصل التفكير الثقافي بها ينبغي له ان يقيم العلاقة التفاعلية المتجاوزة للجغرافيا الاقتصادية السياسية،في اتجاهات التخطي الناقد لتناول ثقافة التركيب الاثني السياسي الاقتصادي، وفي مسارات ثقافية نافية لاطر المطابقة بين المصالح والتكتلات التقليدية السابقة.
بمعالجة ثقافية مستقبلية، ينبغي لها ان تعبر هذا الواقع لتاسيس مامول لثقافة السوق الوطني الاندماجية،علي حساب ضيق ثقافة (الكارتيل) الاثنوجغرافي في اطار افق علاقة سوق تثاقفي موضوعي ليبرالي، يتصدي لهذه التناقضات التي افرزتها ثقافة الدولة الوطنية مابعد (الكولونيالية) بكل مدلولاتها السلطوية المرتبطة بمركزية (المتربول الامبريالي)… - سنجد، للمفارقة ان ذات الدولة الوطنية ما بعد (الكولونيالية) :هي اساس العمليتين السياسية والاقتصادية بالمعني (البيروقراطي السلطوي) علي الرغم من المنمط التاريخي: المنهجي والاجرائي المشوه والمنمذج التابع لمفهوم الدولة السودانية، وذلك علي حساب المبادرات الفردية والجمعية المجتمعية و المؤسسات الشعبية والمدنية،ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، بل وحتي السياسي وهاتين الخاصيتن لطبيعة الاقتصاد والدولة يقودان ذا لم يتم تداركهما الواعي الي قيام فكرة مشروع التسوية التسالمية و اقتصاديات التنمية السودانية المرتقب علي اعتاب تحول الانتقال الديمقراطي، الي ان يكون موسوما بعيبين قد ينبني عليهما وذلك:
• علي اسس ثنائية (استقطابية) علي قاعدة توزيع المغانم الاقتصادية السياسية، بعلاقات زبونية مناطقية (متاسلمة).
• علي بطء وشكلانية الصيرورة الاقتصادية والسياسية، ذلك لان المصالح الحقيقية للقوي المتصارعة، بالساحة الوطنية قد تتعارض مع متطلبات الاصلاح الحقيقي، وفي هذه الحالة قد يكون الحديث عن كل ابعاد الاستحقاقات الواقعية: الاقتصادية الشاملة للتنمية والسلام والديمقراطية والشفاقية والمحاسبة والحكم الرشيد، لايتجاوز حدود الخطاب السياسي للاغراض المحلية، ليس حتي بافقها الوطني بل محض الفكروي والمتحزب المحدود…
هذا علي مستوي امد بنيوي تاريخي طويل لقضايا اعادة بناء قضايا الاقتصاد السياسي الكلية،اما علي مستوي امد هيكلي وظيفي متوسط وقريب،وعلي صعيد ازمات الراهن فالمطلوب عاجلا اعادة بناء ترميمي اسعافي لقضايا الاقتصاد المعاشي، بجملة من الاحزمة المتكاملة للمعالجات الانتقالية الثورية التي تعيد التوازن الطبقي والعدالة الاجتماعية بين فئاته نوعيا ومهنيا، والاصلاحي المرمم لكل اختلالاته وعيوب سياساته المالية واختياراته الاستثمارية الانتاجية والمحفز لها لانطلاقة تحويلية وقيمة مضافة. صحيح ان استجابة الحراك الديسمبري حيال التحدي اﻷقتصادي، كان من مداخل استفزاز ازماته المستفحلة، التي كانت عاملا ظرفيا مساعدا،ولنوبة غضبته الانية، ولكن الثورة كانت بالدرجة الاولي من اجل الحريات و الكرامة الانسانية، فهذا كان العامل المستدام الذي استمر بوهجها حتي انتصف به عام كامل لم ينقطع زخمه الثوري اوتخبوا متعدد فعالياته النضالية، فلقد شكلت الصور المخزية للانتهاكات المادية والمعنوية وكل صنوف الايذاء الجسدي، والتي عرفتها الاحتجاجات والوقفات السلمية وعاشها النشطاء، وتم توثيقها وتداولها علي نطاق واسع بالمواقع الاسفيرية، هوما احدث قدرا عاليا من تعاطف وجداني وانعطاف ثوري حاسم لما مست من ضمائر متيقظة ملامسة لطاقات اوصلتها الحساسية المجتمعية الشعورية تجاه درجة التقبل والتسامح مع مشاهد الاذلال بلاسقوف وتراجيديا القتل البارد الي لحظته الحرجة و المفرطة الحدة ليبلغ تصعيدا تنكسر معه رهبة الخوف وتتكثف به علامة سقوط هيبة السلطة لتسيطر روح جمعية لا واعية مهيبة تغلب علي تصرفها العام عاطفة حاشدة يهيمن عليها سيكولوجيا الجماهير المتجيش…في هذه المرحلة بالذات تسعيد الذاكرة الشعبية وتستجمع كل متخيل من الروافد المحركة بادب تراثها المقدس باخر فصول علاقته المبجلة بدراما الموت وامجاد البطولة… وفي هذة اللحظة الفارقة بالذات يستوفي شرط ميلاد النقلة النوعية الحاسم المفاجئ للدفع الثوري، لافاضة هادرة عن مواعينه المفاهيمية النضالية واطره النظامية الحركية، بعد تمام شروط تخلقه الذاتية والموضوعية… وقد بلغت الشهادة النبيلة و الاضرار البالغ المقيت بلاءا لم يستثني احدا، وابتلاءا هذة المرة اصاب خواصر المدن ونخبها ميسورة الحال وبطون العوائل الاشهر وثمرات شبابها و زهراتها الاينع، الذي لم يكن يضرهم من شئ ان بقوا موصلين بالخارج ميلادا وتعليما وبعض ثقافة… هذة المرة لم يكن الاستبداد السياسي والتهميش الثقافي والاجتماعي والتظالم الاقتصادي ومقطع الابادة الجماعية حكاية تروي لما يرتكب من اهوال وفظائع بالاطراف الاقصي، او راوية تتناقل فلا تصدق بحثا عن سياج امان زائف لتخاذل يتكاسل عن النهوض بعبء واجب الجهر بالحق و الانتصار للصدح بالحقيقة، بلادة وجبنا عن عظيم التضحيات، بزعم ان سكوته عنها سيجنبه الشرور ويبعد عنه اثاره، وبدعوي نظرية المؤامرة الكونية التي تستهدف وجود الهوية (الحضارية) ومقدرات وخيرات الوطن والاقليم…او تصدق تحت شعار المبالغة، طالما ان الماساة تقع بالابعدين، جغرافية ونسبا، فهم العالة، علي ماتصوره اوهام التعالي العرقي و النقاء الثقافي المستعرب (المتاسلم) لديهم من تهديد لنماذج تعايشهم وانساق تواعيهم وتفكرهم (المزيف) المترف السهل…>>>يتبع.
( انتهي في السادس من أبريل 2021. )
•كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية.
•عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية .