قضايا وتقارير وحوارات

بيان مجلس حكماء السودان

متابعات الرواية الاولي

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلنت الآلية الثلاثية ( المبعوث الأممي ومبعوث الاتحاد الإفريقي والإيقاد ) في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي عن انطلاق الحوار السوداني خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو الجاري. وفي هذا البيان يعمل مجلس حكماء السودان على توضيح المسار الوطني لحل الأزمة السودانية وموقفه من المؤتمر الذي دعت إليه الآلية الثلاثية.
أولاً: الجهد الوطني لتجاوز الأزمة منذ بداية الانتقال

  1. إن الأصل في حل المشكلات الوطنية هو إستنفاذ أطراف المشكلة لكل الفرص والوسائل المناسبة قبل اللجوء إلى أي وسيط أو مسهل.
  2. إن من إهم شروط الوساطة أن تحظى باحترام وقبول الأطراف المختلفة.
  3. إن الوساطات والمبادرات الوطنية عقب المفاوضات التي جرت بعد إسقاط نظام الإنقاذ تم أهمالها، وجرى القفز فوقها إلى الحلول الخارجية دون مبرر. وبدلاً من أن يرجع طرفي التفاوض في ذلك الحين وأثناء حالات الإنسداد إلى أصحاب الشأن والثوار والشعب السوداني جرى العكس، فاستقوى كل طرف بأحلاف خارجية في ضربة موجعة للثورة. وما نعيشه اليوم له صلة وثيقة بذلك.
  4. كانت نتيجة ذلك المسعى وثيقة دستورية فيها كثير من نقاط الضعف، وفشل المكونين العسكري والمدني في تشكيل البرلمان وفي تشكيل أغلب المفوضيات، وفشلا كذلك في تشكيل المحكمة الدستورية. وكل ذلك له صله بتجاوز الجهد الوطني والقفز إلى الوساطات الخارجية.
  5. إن الطريقة التي دخلت بها البعثة الأممية إلى السودان يمكن أن توصف بكثير من الأوصاف لكن ليس من بينها الشفافية. وقد أثار تأسيس البعثة الارتباك ليس فقط بين مكونات الشعب السوداني وإنما بين شركاء الحكم. لذلك فإن البعثة الأممية لا تحظى بالقبول الكافي الذي يجب أن يحظى به الوسيط.
  6. الأطراف الأخرى للآلية عليها احترام الإرادة الوطنية.
    ثانياً: مجلس حكماء السودان وتوحيد الجهد الوطني
    في يناير 2021 عقد مجلس حكماء السودان الذي يضم عدداً كبيراً من علماء السودان مؤتمراً صحفياً قدم فيه رؤيته للخروج من الأزمة والتأسيس لمستقيل السودان.
    أجرى مجلس حكماء السودان مشاورات واسعة مع أطراف كثيرة ومهمة في المجتمع لتوحيد وتنظيم الجهد الوطني، كان أهمها توحيد المبادرات والمواثيق الوطنية من خلال تطبيق منهج ومصفوفات محددة عبر ورشة شارك فيها خبراء وسياسيين من عدد من الأحزاب وعدد من الثوار، انتهت لخلاصة توضح الأفكار المشتركة بينها، مما يجعل من المبادرة وعاءً يعبر عن إرادة كثير من المؤسسات الوطنية. وتأسيساً على ذلك صاغ مجلس حكماء السودان مسودة الوثيقة الدستورية 2022 وميثاق السودان.
    جاءت مبادرة مجلس حكماء السودان ( المبادرة الوطنية الشاملة ) وفق رؤية استراتيجية شاملة تتعامل مع المشهد الكلي ولا تتوقف خلف نقل السلطة فقط كما هو الحال في كثير من المبادرات، ومن ثم، وبهذا الترتيب تتحول فترة ما قبل الانتخابات إلى فترة تأسيسية وإنتقالية.
    ثالثاً: الأليات الأساسية لمبادرةحكماء السودان:
  7. مؤتمر التلاقي الوطني:
    ويعني فقط بالترتيبات الانتقالية. والتي تشمل مهام الفترة الانتقالية وأجهزة الحكم وتهيئة وضبط المسرح الوطني للانتقال الديمقراطي، بجانب الترتيبات المتعلقة بالأزمة الاقتصادية ومعاش الناس والخدمات وما إلى ذلك.
  8. مؤتمر الحوار السوداني:
    ويُعنى بترتيبات التأسيس لصناعة المستقبل السوداني الذي يعبر عن إرادة كل السودانين بتنوعهم، وكسر الحلقة الخبيثة التي ظلت تدور منذ الاستقلال، وذلك من خلال إنتاج الرؤية الاستراتيجية الوطنية التي تشمل الفلسفة والمصالح والغايات ومنظومة القيم الوطنية ونظام الحكم، وهذا ترتيب يتجاوز المسار التقليدي الذي تطرحه الآلية الثلاثية.
  9. مؤتمر التسامح والمصالح الوطنية والإنصاف:
    وُيعنى بتحقيق المصالحة الوطنية. فمن المعروف أن السودان كشأن كثير من الدول التي عانت من إشكالات ما بعدالاستقلال مثل جنوب إفريقيا ورواند، يحتاج في إنطلاقه نحو المستقبل إلى فتح صفحة جديدة توجه الاهتمام نحو المستقبل وما يتعلق بذلك من حكم راشد مبني على التخطيط والمعرفة والأخلاق والإبداع والمؤسسية، بدلاً عن النظر إلى الماضي وما يتعلق به من مرارات وأخطاء وانتقام وكراهية، فعدم استيفاء هذا الترتيب من شأنه إعادة إنتاج الأزمة.
  10. المؤتمر القومي الدستوري:
    ويعنى بإنتاج مسودة الدستور الذي يؤسس ويحمي الرؤية الوطنية التي يتوصل إليها عبر مؤتمر الحوار السوداني، ويؤسس المسار الوطني نحو المستقبل .
    رابعاً: مسار تنفيذ مبادرة مجلس حكماء السودان
    بعد مشاورات مكثفة مع كثير من الثوار وأصحاب المبادرات الوطنية، وبعد ورشة توحيد المبادرات والمواثيق الوطنية التي شاركت فيها العديد من الأحزاب والكيانات الثورية طرح مجلس حكماء السودان وثيقة السودان الإنتقالية لسنة 2022م ، وميثاق السودان. وهما خلاصة الجهد الوطني لحل الأزمة.
    إنطلق يوم الإثنين 25 أبريل 2022 مؤتمر التلاقي الوطني الأول على مستوى الثوار وأسر الشهداء والجرحى والنازحين، بمشاركة حوالى ثمانمائة عضو، قاموا بالتوقيع على وثيقة السودان الانتقالية 2022 وميثاق السودان، كما قام المؤتمر بانتخاب ممثليه في المؤتمر العام للتلاقي الوطني ومؤتمر الحوار السوداني ومؤتمر المصالحة والتسامح والإنصاف.
    تجري حالياً حملة لجمع توقيعات حول الوثيقتين كترتيب لتأمين حلول تعبر عن إرادة شعبية حقيقية.
    سينطلق المؤتمر العام الثاني للتلاقي الوطني يوم 18 مايو بقاعة الصداقة.
    خامساً: سمات وميزات مبادرة مجلس حكماء السودان
    المبادرة الوطنية الشاملة التي طرحها حكماء السودان تمت وفق رؤية استراتيجية شاملة ( ثقافية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية، أمنية ) اهتمت بجذور المشكلة واستصحبت المشهد الكلي حول السودان، وطرحت حلولاً على مستوى آني ومستقبلي، وهو ترتيب يتجاوز المسار التقليدي الذي تطرحه الآلية الثلاثية.
    مبادرة الحكماء بُنيت على تحليل استراتيجي قومي شامل شارك فيه عدد ضخم من المختصين، اشتمل على تحليل الوضع الراهن وتحليل الأوضاع القومية ( SIMPEST) والتحليل الجيوبوليتيكي وتحليل جذور المشكلات ( Root Causes ) وتحليل التوقع والتحليل الرباعي ( SWOT )، إنتهى إلى معرفة ذات عمق استراتيجي، وهذا ترتيب يتجاوز المسار التقليدي الذي تطرحه الآلية الثلاثية.
    حتى نتوصل لحلول تعبر عن الوجدان وعن تطلعات الشعب السودان وإرادته، فقد اهتمت مبادرة حكماء السودان بعمل دراسة ميدانية هي الأضخم من نوعها في السودان شملت كل السودان، ولايات ومحليات، ريف وحضر، مدن وقرى وفرقان، وهذا ترتيب يتجاوز المسار التقليدي الذي تطرحه الآلية الثلاثية.
    اهتمت مبادرة الحكماء بتوحيد المبادرات ومقترحات المواثيق الوطنية من خلال تطبيق منهج ومصفوفات محددة عبر ورشة شارك فيها خبراء وسياسيين من عدد من الأحزاب وعدد من الثوار، انتهت لخلاصة توضح الأفكار المشتركة بينها,، مما يجعل من المبادرة وعاءً يعبر عن إرادة كثير من المؤسسات الوطنية في السودان.
    مبادرة حكماء السودان مسنودة بعددٍ كبيرٍ من العلماء والخبراء ولا تعتمد على شخصية ومعرفة الوسيط فحسب.
    اهتمت مبادرة حكماء السودان بترتيبات تشكيل العقل الجمعي الذي يشكل معضلة وطنية، وذلك بإنتاج مسودة رؤية وطنية شاملة ومتكاملة، تم إعدادها وفق مبدأ ديمقراطية المعرفة، ليتم طرحها في مؤتمر الحوار السوداني جنباً إلى جنب مع الرؤى الأخرى، إلا أن نضجها وشمولها وعلمية منهجها، والسند المعرفي الكبير خلفها والمشورة الشعبية التي وقفت خلفها، من شأنه أن يقلل من زمن الحوار ويساعد في تحقيق التوافق الوطني، وهذا ترتيب يتجاوز المسار التقليدي الذي تطرحه الآلية الثلاثية.
    اهتمت المبادرة الوطنية (مبادرة حكماء السودان ) بالتأسيس لمشروعية الفترة الانتقالية التأسيسية وسد الفراغ الدستوري، بعد تعطيل العمل بدستور 2005، والتي ( بحسب أهل القانون الدستوري ) استندت على شراكة طرفي المعادلة التي تشكلت نتيجة استجابة القوات المسلحة ( للثوار ولأهداف الثورة )، حيث نشأت بعض التساؤلات، أهمها: من هم الثوار ؟ وما هي أهداف الثورة؟.
    وهو ما دعا مبادرة حكماء السودان لاستيفاء الترتيبات المطلوبة لضمان استيعاب كل من شارك في الثورة لتحصين الفترة الانتقالية التأسيسية من الصراع الناجم عن إقصاء أطراف أصيلة في الثورة، مع ضمان الإشارة المباشرة للثوار في الدستور الانتقالي والبرلمان الانتقالي، ومنع أي وصاية عليهم لعدم وجود تفويض من الثوار لأي جهة وفق أسس علمية يؤسس لذلك.
    كما أن بيت الحكمة قام بعمل دراسة ميدانية في ساحة الاعتصام وتحليل لشعارات الثورة، استطاع من خلالها استنباط الأهداف التي يجب أن تحكم الفترة الانتقالية التأسيسية ومن ثم قفل الباب أمام أي محاولات لفرض أجندات ضيقة، سواء داخلية أو خارجية لا تعبر عن الثورة.
    اهتمت مبادرة حكماء السودان بترتيبات نجاح الفترة الانتقالية التأسيسية، حيث لا يكفي فقط الاهتمام بتعيين المسئولين دون اهتمام لما بعد التعيين ( أي بالخطط والأفكار )، خاصة وأننا نعيش ظروف معقدة قد تفضي لابتزاز السودان إذا لم يتم التعامل معها، وذلك ما دعا بيت الحكمة لإعداد مقترح خطة عاجلة لفترة ثلاثة سنوات تتضمن البرامج والمشروعات والسياسات والآليات التي تضمن اللخروج من الأزمة، وهذا ما لا يتوفر للمبادرات الأخرى.
    يقود مبادرة حكماء السودان قيادات ورموز وطنية، منها من كان ضمن مؤسسي الاتحاد الإفريقي ( منظمة الوحدة الإفريقية ) ومنها ما كان من مؤسسي اليوناميد بالأمم المتحدة، ومنها ما كان مديراً لجامعة الخرطوم، ومنهم من طرح في ساحات المعرفة مراجعاً قيمة في علوم إدارة النزاعات والأزمات،وبعضهم تشكل مؤلفاته مراجعاً أساسية في العشرات من الجامعات في الساحة الإقليمية، ومنهم قدامى السفراء والمحاربين الأفذاذ، وهذا ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
    اهتمت الوساطة الإفريقية الأولى في العام 2019 بترتيبات الانتقال وأجهزة الحكم وصولاً للسلطة عبر صندوق الانتخابات، وهو ذات الخطأ الذي حدث في 1956 و1964 و1985 باستلام السلطة فقط دون استيفاء الترتيبات الأخرى المطلوبة لاستدامة الديمقراطية، والتي تشمل:
    التوافق على رؤية وطنية تحدد المصالح والغايات والأهداف ومنظومة القيم الوطنية والترتيبات الاستراتيجية للتعامل مع تعقيدات البيئة الداخلية والخارجية، فضلاً عن الصيغة السياسية التي تبين كيف تحكم الدولة.
    تعزيز ثقافة الديمقراطية.
    بناء أحزاب وفق أسس علمية وعصرية سليمة.
    وجود سلطة قضائية مستقلة.
    تهيئة المناخ الملائم المتمثل في وحدة المشاعر الوطنية وقبول الآخر ومنع خطاب الكراهية.
    وهكذا، وكما خرجت الرؤية البريطانية في 19 ديسمبر 1955 ولم تحل محلها الرؤية السودانية، تكرر الأمر عقب الثورات السابقة بما في ذلك ثورة ديسمبر 2019، لتستمر البلاد في الدائرة الخبيثة، حكم مدني، ثم عسكري ، ثم انتقالي عبره تنتقل السلطة فقط، لتبدأ دورة جديدة مكررة.
    إن بناء وتشكيل المستقبل لا يتوقف على تغيير الأنظمة والأفراد فحسب، وإنمــا على ماهية النظــام البديـل والرؤية البديلة، ليبرز التساؤل المهم: من يفعل ذلك ؟ وكيف يفعله ؟ والآلية المطلوبة للتنفيذ؟ وجميعها ترتيبات أغفلتها الحلول الوطنية والخارجية التي تمت عقب الثورات السودانية، لذلك جاءت مبادرة حكماء السودان وفق رؤية تتعامل مع المشهد الكلي بجميع أبعاده .
    إن السلام لا يتحقق عبر التسويات السياسية والمحاصصات والاتفاقيات الفوقية. لذلك اهتمت مبادرة مجلس حكماء السودان بالتأسيس للسلام المستدام عبر منهج وفلسفة تقوم على النظر خلف البندقية لا أمامها، وخلف الحدود.. خلف البندقية حيث إنسان يفتقد العدل والكرامة الإنسانية وأبسط حقوق الإنسان في الصحة والتعليم والعيش الكريم ومياه الشرب والخدمات وفرص العمل. وعلاج ذلك يكون عبر تحقيق التنمية المستدامة المتوازنة التي تؤسس لكرامة الإنسان وعزته وأمنه، وتؤسس للعدالة والحرية، وفق أسس المواطنة، تشمل الهندسة الإنسانية التي تؤسس للبناء النفسي والوجداني والتشكيل الثقافي للمواطن الذي يعزز الهوية السودانية والانتماء الوطني دون إغفال الإنتماء الإنساني، ويؤسس لثقافة الحكم الراشد والممارسة الديمقراطية والسلام والتسامح وقبول الآخر والعقل الجمعي، وثقافة الإنتاج ، ولمهارات التفكير الإبداعي والبناء المعرفي المناسب للتحديات العصرية، كما يؤسس لتحقيق التنمية الشاملة التي تحقق للعدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإدارة تعاون دولي يحقق المصالح الوطنية ويسهم في أمن الوطن والعالم والمستقبل.
    إن مفهوم الاستقلال يعني ( قدرتنا الذاتية كسودانيين ) في تحديد مستقبلنا، مصالحنا وغاياتنا وكيف نحكم ( بإرادتنا ) لا بإرادة جهات داخلية أو خارجية، ولعله من البديهي أن ندرك بأن السودان بمزاياه الجغرافية وموارده الطبيعية الضخمة، يقع في دائرة التنافس الدولي والصراع الاستراتيجي، ولذلك من الأبجديات أن تحديد المستقبل الوطني وما يواجهه من تعقيدات ذلكم التنافس، تجعل منه أمراً بالغ الحساسية بحيث لا يتحمل أي محاولات لإملاءات أو فرض شروط قد تتناقض مع مصالحنا الاستراتيجية ومستقبل أجيالنا القادمة، وهذا ما يعزز من ضرورة امتلاك السودانيون لزمام المبادرة حتى ينطلق الحل بإرادة سودانية.
    سادساً: الواجب الوطني
    إننا نمر بظرف بالغ الخطورة نشهد فيه أعلى درجات التهديد لأمننا القومي، في ظل متغيرات دولية زادت من وتيرة الصراع الدولي حول السودان، في ظل هشاشة سياسية وثقافية وتدهور اقتصادي، تعزز من احتمالات حدوث الإنزلاق الأمني، وتزيد من محاولات ابتزاز الدولة، وربما تتطور هذه الأوضاع إلى مستوى التهديد الوجودي للدولة، وهذا وضع لا يحتمل خلافات القوى المدنية والعسكرية، ولا خلافات القوى المدنية فيما بينها، ولا يحتمل استمرار حالة التشظي والتخوين والكراهية، ولا التمترس في المواقف والصراع على الكراسي والمكاسب خلال فترة هي بالأساس فترة تأسيس وانتقال لا مكان فيها لصراعات الرؤى السياسية والأيدلوجية، لا سيما وأنه لا توجد جهة مفوضة من الشعب للتحدث باسمه.. كما أنه لا معنى للاستمرار في طرح المزيد من المبادرات التي تزيد الساحة إرباكاً، فالمطلوب بلورة الإرادة لتحويل الأفكار التي وردت في المبادرات الوطنية إلى واقع.
    الحاجة لموقف وطني جاد وأصيل دون مراوغة:
    نحن أمام لحظة تاريخية تفرض علينا التصرف بمسئولية وتجرد والتوقف عن العراك السياسي من أجل الوطن، علينا قبول التحدي لحسم المعضلة الوطنية وتصحيح مسار التاريخ السوداني، وإدارة عملية واسعة من التنازل في سبيل الوطن وأمنه ومستقبله من خلال المشاركة في المنصة الوطنية التي يوفرها مؤتمر التلاقي الوطني.
    بعد ثلاثة سنوات من الإحباط المتواصل، سبقتها عقود طويلة من الحلول الترقيعية، وتطواف مذل في عواصم الدنيا بحثاً عن حلول لمشكلات داخلية وبلا جدوى، فإن الشعب ينتظر من القوى المدنية من أحزاب وثوار، ومن القوى العسكرية موقف جاد وأصيل لا تشوبه المراوغة السياسية ولعبة الخيارات، موقف مسئول ووطني خالص يماثل في الأهمية والرمزية لحظة تقرير استقلال السودان. موقف يقدر معاناة هذا الشعب وصبره ويعيد الثقة ويولد الأمل ويبلور التحدي من أجل إعادة إنتاج نموذج سوداني مشرف، موقف يستشعر خطر الطريق الحالي الذي تسير فيه الدولة والذي في نهايته مجتمع محطم وأشلاء دولة، علينا جميعاً السير في خط الحل السوداني للأزمة، وعلينا جميعا المشاركة في مؤتمر التلاقي الوطني لنقرر معا ونتفق على كيفية إدارة الفترة الانتقالية كخطوة أولى في مسار الحل الوطني للأزمة.
    سابعاً: عرقلة الجهد الوطني لتجاوز الأزمة
    بعد كل هذا الجهد الوطني العلمي، ( رؤية شاملة، سند واسع من العلماء والخبراء، تحليل استراتيجي، دراسة ميدانية ضخمة، دراسة لساحة الاعتصام، تحليل توحيد المبادرات، خطة عاجلة، رؤية استراتيجية مستقبلية شاملة، مقترح وثيقة دستورية، مقترح ميثاق سوداني، مشاورات واسعة مع المجتمع، مؤتمرات ، مئات من الدورات التدريبية لترقية الوعي الوطني والسياسي)، تبرز الشكوك حول مصداقية توجه المبادرة الثلاثية لدعم الحل السوداني، كما تطرح تساؤلات عن جدوى طرح مزيداً من المبادرات الوطنية.
    أكد المتحدثون عن أطراف الآلية الثلاثية في مناسبات كثيرة بأنهم مع الحل الذي يأتي من السودانيين أنفسهم، ولعل هذا الرأي يمثل عين الحكمة، وهو رأي مكان تقدير واحترام، إلا أن الوقائع والأحداث تشير إلى عدم دقة هذا الحديث، بدليل إغفالهم الواضح لأكبر المبادرات الوطنية على الساحة وأكثرها شمولاً ونضجاً، ألا وهي مبادرة مجلس حكماء السودان، وفي هذا تجاوز للجهد الوطني الذي يشكل الأصل في حل الأزمة.
    في إطار التعريف بالمبادرة، تم عقد اجتماع امتد لقرابة الساعتين بين وفد من مجلس حكماء السودان وسعادة مبعوث الاتحاد الإفريقي السيد ود لبات بحضور سعادة سفير الاتحاد الإفريقي في الخرطوم، تم خلاله تنويرهما بجهود مجلس حكماء السودان ببيت الحكمة، الذي يتبنى مبدأ أن الحل يجب أن يكون سودانياً وعلمياً وشاملاً، ولعله من المهم الإشادة والإشارة لإجابة السيد ود لبات على سؤال كان قد وجهه مجلس حكماء السودان حول موقفه حال قيام بيت الحكمة بتنظيم مؤتمر التلاقي الوطني، حيث أجاب بأننا نبارك.
    إن الثروة القومية الأولى للسودان هي حكمائه وعلمائه وخبرائه، ولم يكن ينقص السودانيين الحكمة ولا المعرفة، وإنما كان ينقصنا المنصة التي تجمع أولئك الحكماء والخبراء ليتم عبرها إنتاج وإدارة المعرفة وتوجيهها لصالح الأجندة الوطنية، وهذا ما وفرته منصة بيت الحكمة التي تضم مجلس حكماء السودان ومجلس خبراء السودان الذي يتشكل من 84 دائرة علمية متخصصة، وبالتالي لن يكون مقبولاً تخطي أهل المعرفة من أهل البلد وهم أدرى بشئون بلادهم.
    نحن إذ نقدر الجهود الأممية إلا أن نضج الحل السوداني ومصلحة السودان الاستراتيجية وأمنه القومي يكمن في دعم المسار الوطني.
    عليه وحتى لا تصبح الجهود الأممية المبذولة حالياً وسيلة لشق الصف الوطني بدلاً عن تنظيمه وتوحيده، واحتراماً للإرادة السودانية، فإننا ندعو المبادرة الثلاثية لدعم ومباركة هذا الجهد الوطني.

وكل عام وأنتم بخير
5/5/2022

اترك رد

error: Content is protected !!