✍️ محمد شريف ابو داؤود
أبدع الشاعر جلال عمر في خلط الخيال بالواقع فكانت قصيدة (إنكي تامن سكري ⲓⲛⲕⲉ ⲧⲁ̄Mⲉⲛ ⲥⲓⲕⲕⲣⲓ) إحدى تجلياته العظيمة وما أكثرها ،حكى فيها قصته مع فتاة جميلة ,وجد نفسه وجهاً لوجه معها دون سابق موعد ودونما قصد ,واصفاً ويلاته ومعاناته كفنان, حيث كان يعتقد أنه هجر الشعر وتعاطيه ولكن هيهات !! فقد حركت فيه فتاتنا اشجانا دفينه فتركته نهباً لصراع مرير بينه وبين قلبه فهو يريد الانعتاق من هيمنة الحب والشعر وقلبه يهفو لذلك ويشده إليها, ترى لمن ستكون الغلبة؟!!
ⲇⲉⲥⲥⲉ ⲙⲁⲥⲥⲟ̄ⲇ ⲙⲁⲥⲥⲓⲧⲟ̄ⲇ ** ⲧⲓⲣϩⲁ̄ⲅⲁ ⲁⲛⲛ ⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲁⲥⲥⲓ ⲧⲟ̄ⲇ
ⲱⲟ̄ ⳝⲉⲗⲁ̄ⲗⲛ ⲃⲁ̄ⲥⲓⲣ ⲕⲟⲩⳝⲁ̄ⲅⲓⲗ ** ⲇⲟⲩⲗⲗⲟ ⳝⲟⲃⲃⲉⲗ ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲧⲟ̄ⲇ
ⲱⲟ̄ ⲓⲛⲁⲃ ⲱⲟ̄ ⲕⲁⲣⳝⲓ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ ** ⲧⲟⲗⲗⲉ ϣⲉ̄ⲣⲧⲟ̅ⲩ̅ⲙ ⲥⲟⲗⲗⲓ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ
ⲱⲟ̄ ⳝⲁⲅⲁ̄ⲇⲉⲗ ⲇⲓⲗⲗⲓ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ ** ϩⲉ̄ ⲃⲁ̄ⲗⲕⲟ ⲉⲣ ⲁⲇⲇⲟ ⲃⲓ ⲛⲁⲣⲕⲓ ⲧⲟ̄ⲛ
ϩⲉ̄ ⳝⲁ̄ⲛⲓⲛ ⲁ̄ ⲧⲉ̄ⲃ ⲁⲓ̈ⲅⲓ ⲃⲉ̄ⲗ ** ⲇⲟⲗⲧⲓⲅⲓ ⲟⲗⲅⲟⲛ ⲅⲟⲛ ⲧⲉⲃⲉ̄ⲗ
ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲃⲓ ⲱⲁ̄ⲛⲇⲓⲕⲟⲛ ⲓⲛⲇⲟ ⲕⲉ̄ⲗ ** ⲃⲉⲥ ⲕⲉⲫⲉ̄ⲛ ⲧⲉ̄ⲃ ⲓⲛⲇⲟ ⲧⲟ̄ⲛ
ⲙⲓⲛⲉ ⲇⲟⲗⲧⲓ ⲕⲓⳡⳡⲓⲣ ⲁⲓ̈ ⲓⲥⲕⲓⲣⲓ ** ⲇⲓ̄ ⲇⲁⲃⲣⲓ ⲧⲉⲛⲛⲉⲛ ⲙⲟⲅⲕⲓⲣⲓ
ϩⲉ̄ ⲓⲛⲕⲉ ⲧⲁ̄ⲙⲉⲛ ⲁⲓ̈ ⲥⲓⲕⲕⲓⲣⲓ ** ⲃⲓⲗⲗⲉ ⲉⲕⲕⲓ ⲛⲓ̄ⲅⲉⲣⲁⲛ ⲁⲛⲇⲓ ⲧⲟ̄ⲇ
ⲟⲩⲛⲁⲧⲧⲓ ⲧⲁⲛⲁⲛ ⲁⲓ̈ ⲛⲟⲃⲣⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ
ϩⲟⲩⲙⲣⲁ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ⲁⲓ̈ ⲃⲟⲕⲣⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ
ⲁⲓ̈ ϩⲁⲣⲓⲣⲛ ⲟ̅ⲩ̅ⲗ ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲁ̄ⲣⲕⲁⲧⲧⲓⲙⲟⲩⲛ ⲅⲓⲣ ⲱⲉ̄ⲇⲟ ⲧⲟ̄ⲛ
ⲁⲓ̈ ⲃⲁⲅⲟ̄ⲛ ⲱⲉⲗⲱⲁⲧⲧⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲉ̄ⲥ ⲟⲩⲗⲗⲓⲕⲓⲛ ⲅⲟⲛ ⲛⲓϭϭⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ
ⲁⲓ̈ ⲁⲥⲗⲓ ⲇⲟⲗⲧⲓⲛ ⲙⲁⲗⲧⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲙⲁⲗⲗⲉ ⲛⲓ̄ⲙⲟⲩⲛⲁⲛ ⲁⲇⲇⲟ ⲧⲟ̄ⲛ
ⲉⲕⲕⲓ ϩⲉ̄ ⲃⲟⲩⲣⲟⲩ ⲥⲉⲗⲗⲓⲙⲉ̄ⲣⲉⲛ ** ⲉⲇⲇⲟ ⲧⲟⲛ ⲛⲓ̄ⲗⲅⲉⲇ ⲛⲉⲫⲉ̄ⲣⲉⲛ
ⲉⲛ ⲃⲓⲧⲁ̄ⲛⲓⲅⲉⲇ ⲓⲥⲗⲁϩⲉ̄ⲣⲉⲛ ** ϩⲉ̄ⲣⲟ ⲧⲉ̄ⲅ ⲱⲟ̄ ⲇⲉⲥⲥⲉ ⲧⲟ̄ⲇ
تقوده الأقدار إلى موقف دنقلا بالسجانة الخرطوم وبينما هو شارد بفكره سارح بخياله يفكر في ذلك المشوار المحبب والشاق والذي رغم عنائه دائما ما يتوج بلقاء الأهل والأحبة، و وسط هذا الضجيج الهائل والحركة الدؤوبة والأتربة المتصاعدة وبعد أن اعتلى الباص (جلال باص) فإذا به يبصر فتاة نوبية بارعة الحسن والجمال متدثرة بالعفة والدلال أسرته من الداخل وتغلغلت في سويداء فؤاده فهفت روحه إليها . فلا غَرو , فهو ذلك الشاعر رقيق الحواشي مرهف الإحساس فطفق قلبه يناجيها عندما رأى تردُدُ شاعرنا فى اتخاذ القرار مبتدئاَ القصيدة بعبارة ساحرة جميلة خفيفة الظل بطلاقته المعهودة وعفويته المحببة معبراً عن انبهاره ودهشته .
دسي مسود مسي تود ** تهراقا أنّو نسي تود
وو جلال باصر كوجاقل ** دولي جوبل كنتود
ⲇⲉⲥⲥⲉ ⲙⲁⲥⲥⲟ̄ⲇ ⲙⲁⲥⲥⲓⲧⲟ̄ ** ⲧⲓⲣϩⲁ̄ⲅⲁ ⲁⲛⲛ ⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲁⲥⲥⲓ ⲧⲟ̄ⲇ
ⲱⲟ̄ ⳝⲉⲗⲁ̄ⲗⲛ ⲃⲁ̄ⲥⲓⲣ ⲕⲟⲩⳝ ⲁ̄ⲅⲓⲗ ** ⲇⲟⲩⲗⲗⲟ ⳝⲟⲃⲃⲉⲗ ⲕⲓⲛⲛⲁ ⲧⲟ̄ⲇ
و يالفراسة هذا الشاعر المخضرم ؛ إذ تمكن من أول نظرة من تحديد هويتها (النوبية المحسية) ووصفها بـ(دسيⲇⲉⲥⲥⲉ-) علماً بأن هذا اللون أصبح نادراً في دنيانا ولا يكثر إلا في الرجال بعد انتشار المساحيق و مبيضات البشرة,, و وصفها أيضا بمفردة جميلة (جوبّلⳝⲟⲃⲃⲉⲗ-) والتي تقابلها في عاميتنا السودانية (الرايقة) أوليست هذه الصفة ملازمة ومتأصلة في كل النوبيات ؟
ووعنب وو كرجي بول ** تولي شيرتوم سولي بول
ووجقادل دلي بول ** هي بالكو ار ادو بنركي تو
ⲱⲟ̄ ⲓⲛⲁⲃ ⲱⲟ̄ ⲕⲁⲣⳝⲓⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ ** ⲧⲟⲗⲗⲉ ϣⲉ̄ⲣⲧⲟ̅ⲩ̅ⲙ ⲥⲟⲗⲗⲓⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ
ⲱⲟ̄ ⳝⲁⲅⲁ̄ⲇⲉⲗ ⲇⲓⲗⲗⲓⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ ** ϩⲉ̄ ⲃⲁ̄ⲗⲕⲟ ⲉⲣ ⲁⲇⲇⲟ ⲃⲓ ⲛⲁⲣⲕⲓⲧⲟ̄ⲛ
فشبهها بالعنب الناضج والمتدلي على شكل عنقود ,ولعله استوحى هذه العبارة عندما وجدها ممسكة بـ(سبت) الباص من الداخل و بأسلوبه المميز أضفى حدثاً خارقا للعادة؛ حيث جُبل شعراؤنا على وصف المحبوبة بأفخر أنواع التمور (قنديلاⲅⲟⲩⲛⲇⲉ̄ⲗⲁ-) و(كولمهⲕⲟⲩⲗⲙⲁ-) فوصفها بالعنب , تلك الثمرة الناضجة التي تقطر شهداً , قائلاً لها ومخاطباً إياها بأنها لامست شغاف قلبه طالباً منها الرأفة,, فانظروا معي مرة وأعيدوا النظر مرات لجمال هذه المفردة (نركي ⲛⲁⲣⲕⲓ) . ولم يقل ( دتي ⲇⲁⲧⲧⲉ-) أو (سيلⲥⲓ̄ⲗ-) فـ)نركي( أبلغ:
هي جانين آ تيب أيقي بيل ** دولقي القون قون تبيل
دوبي واندون اندو كيل ** بس كفين تيب اندتو
ϩⲉ̄ ⳝⲁ̄ⲛⲓⲛ ⲁ̄ ⲧⲉ̄ⲃ ⲁⲓ̈ⲅⲓ ⲃⲉ̄ⲗ ** ⲇⲟⲗⲧⲓⲅⲓ ⲟⲗⲅⲟⲛⲅⲟⲛ ⲧⲉⲃⲉ̄ⲗ
ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲃⲓ ⲱⲁ̄ⲛⲇⲓⲕⲟⲛ ⲓⲛⲇⲟ ⲕⲉ̄ⲗ ** ⲃⲉⲥ ⲕⲉⲫⲉ̄ⲛ ⲧⲉ̄ⲃ ⲓⲛⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
وفجأة يمسك شاعرنا, و يفيق من سكرته ونشوته تلك ,وفي بادرة غير مسبوقة علي الإطلاق يبدأ مناجياً قلبه و يدخل معه في صراع مرير موجهاً عتاباً رقيقاً له , و يقول إلى متى و أنت تخفق كلما شاهدت حسناً وجمالاً محذراً إياه من أنه سيورده المهالك, وكأنما يريد شاعرنا أن يقول لقد اكتفيت من تعاطي الحب فليست لدي رغبة بعد اليوم في مثل هذه الأمور فلكل بداية نهاية , وعبّر عن ذلك بهذا البيت الرائع :
دوبي واندون اندو كيل ** بس كفين تيب اندتو
ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲃⲓ ⲱⲁ̄ⲛⲇⲓⲕⲟⲛ ⲓⲛⲇⲟ ⲕⲉ̄ⲗ ** ⲃⲉⲥ ⲕⲉⲫⲉ̄ⲛ ⲧⲉ̄ⲃ ⲓⲛⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
و حَسب شاعرنا أنه أقنع قلبه الطامح إلى الحب بذلك ,, ولكن يأتيه الرد الرادع من قلبه:
مني دولتي كنجر أي اسكري ** دي دبري تنن موقكري
هي انكي تامن سكري ** اكي نيقرن أندتو
ⲙⲓⲛⲉ ⲇⲟⲗⲧⲓ ⲕⲓⳡⳡⲓⲣ ⲁⲓ̈ ⲓⲥⲕⲓⲣⲓ ** ⲇⲓ̄ ⲇⲁⲃⲣⲓ ⲧⲉⲛⲛⲉⲛ ⲙⲟⲅⲕⲓⲣⲓ
ϩⲉ̄ ⲓⲛⲕⲉ ⲧⲁ̄ⲙⲉⲛ ⲁⲓ̈ ⲥⲓⲕⲕⲓⲣⲓ ** ⲃⲓⲗⲗⲉ ⲉⲕⲕⲓ ⲛⲓ̄ⲅⲉⲣⲁⲛ ⲁⲛⲇⲓ ⲧⲟⲇ
كيف لي أن أعيش بدون حب فهو الموت إذاً, ويردف قائلاً متخطياً الشاعرموجهاً حديثه للفتاة راجياً و متوسلاً إياها وليس آمراً متعالياً:
هي انكي تامن سكري ** اكي نيقرن أندتو
ϩⲉ̄ ⲓⲛⲕⲉ ⲧⲁ̄ⲙⲉⲛ ⲁⲓ̈ ⲥⲓⲕⲕⲓⲣⲓ ** ⲃⲓⲗⲗⲉ ⲉⲕⲕⲓ ⲛⲓ̄ⲅⲉⲣⲁⲛ ⲁⲛⲇⲓ ⲧⲟⲇ
فلشاعرنا قدرة عجيبة على تطويع هذه اللغة كيفما شاء بطريقة فريدة ,فهاهو ذا يبتدرها وعلى لسان قلبه بهذه العبارة الساحرة :
هي انكي تامن سكري ** اكي نيقرن أندتو
ϩⲉ̄ ⲓⲛⲕⲉ ⲧⲁ̄ⲙⲉⲛ ⲁⲓ̈ ⲥⲓⲕⲕⲓⲣⲓ ** ⲃⲓⲗⲗⲉ ⲉⲕⲕⲓ ⲛⲓ̄ⲅⲉⲣⲁⲛ ⲁⲛⲇⲓ ⲧⲟⲇ
وأجزم بأنه لا يريد بسؤاله عن اسمها سوى رسالة بأنه أحبها ، و يُــفهم أيضاً بأن قلب الشاعر وليس هو من بادر موجهاً سؤاله للفتاة مباشرة متجاهلاً الشاعر.
وقد مر الشاعر العذرى قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلى بذات الموقف حين عقد بينه وبين قلبه اتفاقا وعهدا ان يكف اذا ما كف هو عن حب ليلى، لكن يبدو ان قلبه نكص عن الاتفاق وصار يخفق كلما راى ليلى فما كان منه الا ان خاطبه قائلا :
ألستَ وعدتني يا قلبُ أني
إذا ما تُبتُ عن ليلى تتوبُ؟
فها أنا تائبٌ عن حبِّ ليلى
فما لكَ كلَّما ذُكرت تذوبُ؟
وما لكَ قد حننتَ لوصلِ ليلى
وكنتَ حلفتَ أنك لا تؤوبُ؟
بلى قد عُدتَ يا قلبي إليها
فهذا الدمعُ منسكبٌ صَبيبُ
يخَبِّرُ أنَّما الأشواقُ نارٌ
وتحت النارِ أضلاعٌ تذوبُ
إلى كم تنحني شوقاً إليها
وأحناءُ الفؤادِ بها نُدوبُ؟
جروحٌ سائلاتٌ أنهَرَتْها
يدُ السيَّافِ، أنت لها طبيبُ
تضمِّدها وتبكي من جَواها
أما، يا قلبُ، يتعبُك النحيبُ
هنا يبدو جليا ان قلب الشاعر قيس بن الملوح لم يرد على صاحبه بل اكتفى بسماع عتابه وتوبيخه وان اضمر على الاستمرار فى فعلته وكان على النقيض منه قلب شاعرنا جلال الذى تجرأ بالرد عليه موضحا استحاله الاقلاع عن هذا الامر واذا كان الاتفاق بين بن الملوح وقلبه مقتصرا فقط على حب ليلى، فلم يكن بين شاعرنا جلال وقلبه اتفاق مسبق ولكنه كان صابرا على نزقات قلبه الى ان فاض به الكيل وبلغ السيل الزبى فانشد قائلا :
دوبن وانديكون اندو كيل
بس كفين تيب اندوتون
Ⲇⲟⲩⲃⲓⲛ ⲱⲁ̅ⲛⲇⲓⲕⲟⲛ ⲓⲛⲇⲟ ⲕⲉ̄ⲗ
Ⲃⲉⲥ ⲕⲉⲫⲉ̄ⲛ ⲧⲉ̄ⲃ ⲓⲛⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
اى ابداع واى حوار لله درك ولنر لمن ستكون الكلمه الاخيره له ام لقلبه.
على لسان المحبوب:
فعلى كل حال فأنت في حضرة الشاعر جلال الذي يغرقك في بحر من الآهات والأشجان منتزعاً منك الإعجاب انتزاعاً ممسكاً بناصية الإبداع محلقا بك فوق هامات السحب. وإلى هنا لقد تصالح الشاعر مع قلبه فاقتنع بمواصلة المشوار …وماذا في ذلك!! ولكن أليس للطرف الآخر رأي في هذا؟ مؤكد أن له رأياً ولكن من نوع آخر إذ تقول الحسناء :
أونتي تنن أي نوبري تنن ** خمرة تنن أي بوكري تنن
أي حرير نول جودي تنن ** آركتمون قر ويدوتون
أي بقون ولوتي تنن ** ايس اولي كنقون نجي تنن
أي اصلقي دولتن ملتي تنن ** ملي نيمونن أدو تون
ⲟⲩⲛⲁⲧⲧⲓ ⲧⲁⲛⲁⲛ ⲁⲓ̈ ⲛⲟⲃⲣⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ***ϩⲟⲩⲙⲣⲁ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ⲁⲓ̈ ⲃⲟⲕⲣⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ
ⲁⲓ̈ ϩⲁⲣⲓⲣⲛ ⲟ̅ⲩ̅ⲗ ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲁ̄ⲣⲕⲁⲧⲧⲓⲙⲟⲩⲛ ⲅⲓⲣ ⲱⲉ̄ⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
ⲁⲓ̈ ⲃⲁⲅⲟ̄ⲛ ⲱⲉⲗⲱⲁⲧⲧⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲉ̄ⲥ ⲟⲩⲗⲗⲓⲕⲓⲛⲅⲟⲛ ⲛⲓϭϭⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ
ⲁⲓ̈ ⲁⲥⲗⲓ ⲇⲟⲗⲧⲓⲛ ⲙⲁⲗⲧⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲙⲁⲗⲗⲉ ⲛⲓ̄ⲙⲟⲩⲛⲁⲛ ⲁⲇⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
تقول فتاتنا وبعد أن سمعت كل هذه المناجاة وهذا الغزل العفيف وهذا الصراع المرير بين الشاعر و قلبه : أنا القمر في علوه وكبريائه وصفائه وجماله والذهب في بريق لمعانه ، والخُــمرة في رائحتها الزكية والأخاذة والحنة في لونها الجميل ونقوشها البديعة وأنا الحرير في نعومته ولين ملمسه وأنّى لك بمسك خيط من حرير من أول مرة,, تخيلوا معي جمال هذه العبارة :
أي حرير نول جودي تنن ** آركتمون قر ويدوتون
ⲁⲓ̈ ϩⲁⲣⲓ̄ⲣⲛ ⲟ̅ⲩ̅ⲗ ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇⲉ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲁ̄ⲣⲕⲁⲧⲧⲓⲙⲟⲩⲛ ⲅⲓⲣ ⲱⲉ̄ⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
والله أكاد أجزم بأنه أشعر و أبلغ بيت سمعت به,,
{جلال ار أرقي أودي قروسو} { ⲅⲓⲣⲟ̄ⲥⲟ ⲟⲇⲇⲓ ⲁⲣⲅⲓ ⳝⲁⲗⲁ̄ⲗ ⲉⲣ }
و الله لقد ارهقتنا يا جلال ,,,
فتقول فتاتنا بأنها في رقة النسيم ,وهي كالغيمة التي تقيك شر الهواجر, عجبا!! ما كل هذا الصفاء والنقاء والدلال, وبعد أن مدحت فتاتنا نفسها بكل هذه الصفات الجميلة فهاهي ترمي شاعرنا بسهم لا أرى له منه نجاة إذ تقول :
أي اصلقي دولتن ملتي تنن ** ملي نيمونن أدو تون
ⲁⲓ̈ ⲁⲥⲗⲓ ⲇⲟⲗⲧⲓⲛ ⲙⲁⲗⲧⲓ ⲧⲁⲛⲛⲁⲛ ** ⲙⲁⲗⲗⲉ ⲛⲓ̄ⲙⲟⲩⲛⲁⲛ ⲁⲇⲇⲟⲧⲟ̄ⲛ
فهي تقول بأنها نبع المحبة والحنان , ولكن ليس في مقدور الجميع أن ينهلوا من هذا النبع الصافي !!! أي بمعنى آخر أنها متزوجة . فيا للهول!! فهذه الشامخة مرتبطة بشامخ ,, فيا لعفتها وأصالة معدنها!! ، تُرى هل قنع شاعرنا من الغنيمة بالإياب ؟ أقولها بكل تأكيدٍ نعم فيالعفة وطهر ونبل وعذرية هذا النوبي العملاق!
اكي وو برو سلميرين ** إدوتون نيلقيد نفيرين
ان بتآني قد اصلحيرين ** هيرو تيق وو دسي تود
ⲉⲕⲕⲓ ϩⲉ̄ ⲃⲟⲩⲣⲟⲩ ⲥⲉⲗⲗⲓⲙⲉ̄ⲣⲉⲛ ** ⲉⲇⲇⲟ ⲧⲟⲛ ⲛⲓ̄ⲗⲅⲉⲇ ⲛⲉⲫⲉ̄ⲣⲉⲛ
ⲉⲛ ⲃⲓⲧⲁ̄ⲛⲓⲅⲉⲇ ⲓⲥⲗⲁϩⲉ̄ⲣⲉⲛ ** ϩⲉ̄ⲣⲟ ⲧⲉ̄ⲅ ⲱⲟ̄ ⲇⲉⲥⲥⲉ ⲧⲟ̄ⲇ.
وما كان منه إلا أن رد لها التحية بأحسن منها . فمن في مقدوره أن يفعل مافعله, حيث دعا من كل قلبه لها ولزوجها وأبنائها , فأي نبل هذا !
من كتاب قراءه في التاريخ والادب النوبي قصائد من دنقلا (محمد شريف احمد ) 2017