قراءة في أهداف الحرب الناعمة: ملامح النسوية الراديكالية في السودان نموذجا (1-4)
ظهر مصطلح الحرب الناعمة لنقل الحرب الاستعمارية من مداها المباشر على الأرض لساحة قتال أخرى غير الساحة التقليدية التي يطغى عليها العنف وقوة السلاح والتكتيكات العسكرية، فقد درس المفكرون وخبراء الاستراتيجية للفكر الاستعماري أسباب الانهزام من جهة، وبحثوا عن طريقة أخرى أكثر فاعلية وأقل كلفة مادية وبشرية، وخلصوا إلى أن ميدان الحرب التقليدي هو ميدان خسارة بالرغم من القوة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها جيوشهم، وأن استهداف العقول والمشاعر والثوابت الثقافية والتشكيك في القيم السياسية للدول المستهدفة أنجح واكسب، ومن هنا بدأ مفهوم “الحرب الناعمة” بالانتشار دوليا، وَرُوج له باستهداف الدول التي تخرج عن طوع الهيمنة الأمريكية والغربية خاصة دول الشعوب المسلمة، ومن هذه الدول السودان الذي اِسْتَهْدَفَ بعد أن فشلت محاولات إسقاط نظامه بالقوة العسكرية تارة، وبالعقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية وإلصاق تهمة الإرهاب به منذ التسعينات تارة أخرى ولكنها فشلت، لذا عَمَدَتْ بعض الإدارات الأمريكية إلى إسقاط النظام باستخدام الحرب الناعمة عبر تشجيع ودعم المظاهرات والاعتصامات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2013م للتأثير في عقول الشباب، وظهرت إرهاصات أسلوب الحرب الناعمة بمجرد
سقوط نظام الإنقاذ في عام 2019م وتبني قيادات الثورة المزعومة بعد تولي حكم الفترة الانتقالية لبعض أطروحات الحرب الناعمة المتمثلة في تفكيك مؤسسة الأسرة في السودان عبر عدة محاولات منها تغيير قانون الأحوال الشخصية والسماح للحركات النسوية المتطرفة بالتمدد في نشاطاتها المعادية لفطرة المجتمع، وتكوين استشارية النوع والسعي لتغيير المناهج التعليمية وإنشاء مراكز دراسة “الجندر” كما هو الحال في تأسيس معهد دراسات المرأة والنوع بجامعة الخرطوم في عام 2012م (بدعم من النرويج) إبان إدارة الفترة الانتقالية عندما عُينت بروفيسور فدوى عبد الرحمن مديرا لجامعة الخرطوم.
ترمي هذه المساهمة إلى إلقاء الضوء على طبيعة الصراع والحرب الحالية في السودان من منظور الحرب الناعمة، وأهدافها باستعراض محاولات استهداف مؤسسة الأسرة في السودان، إبان حكومة الفترة الانتقالية (2019-2021م) من خلال تبني أطروحات النسوية الراديكالية (Radical Feminism) التي أجهضها وعي الشعب السوداني وتمسكه بقيمه وثوابته الإسلامية الراسخة، ففشلت خطة محاولة السيطرة على السودان بالحرب الناعمة، فلجأ حلفاء أمريكا من قوى الحرية والتغيير الذين كانوا يحكمون ساعتئذ لمجلس الأمن واستصدروا قرار يضع السودان تحت البند السادس تحت قيادة المبعوث الأممي فولكر، الذي فشلت بعثته في تحقيق أهداف الغرب أيضا، ثم تحايلت أمريكا لتنشئ ما يسمى باللجنة الرباعية (أمريكا، ببريطانيا، الإمارات السعودية) ودعمت ما عُرف بالاتفاق الإطاري لتسيطر على السودان عن طريق وكلائها من قوى الحرية والتغيير ثم فشلت كذلك، ثم لجأت أخيرا إلى الحرب الدموية باستغلال الدعم السريع كرافعة للحكم لتنفيذ برامجها، فكان حصادها الفشل أيضا، ثم لجأت إلى جمع شتات عملائها من قوى الحرية والتغيير الذراع السياسي للتمرد تحت مسمى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلا أن الفشل لازمها ايضا، وها هي تأتي من الأبواب الخلفية تحت ذريعة الإغاثة الإنسانية، وفشلت فشلا ذريعا كذلك وما زالت تسعى، ولكن الشعب السوداني متيقظ ولها بالمرصاد.
تاريخ نشأة الحرب الناعمة
كلمة حرب وفقا للتعريف الكلاسيكي للموسوعات العسكرية تعني:” فن استخدام موارد القوة العسكرية في نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، الهدف منها إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية للحصول على نتائج وغايات. “كما تعرف كذلك بأنها” نزاع مسلح بين المصالح الكبرى (الحرب بالدولية) تسيل فيه الدماء، وبهذا يختلف عن النزاعات الأخرى، وهي أداة لحماية مصالح الدول وتوسيع دائرة نفوذها، فهي عمل عنيف يقصد منه إجبار الخصوم على الخضوع إلى إرادة الدول التي تقود هذه الحروب، وهي عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، وامتداد للسياسة، لكنها تقوم على وسائل مختلفة”، فلكل عصر نوعه الخاص من هذه الحروب، وظروفه الخاصة وتحيزاته المتميزة، لذا قسم خبراء الحروب -تأسيسا على ذلك- الحروب إلى خمسة أجيال من بينها جيل الحرب “الناعمة” وهو الجيل الخامس من الحروب وتناسب طبيعة التطور التقني الهائل في عصر الثورة الصناعية الخامسة التي يشهدها القرن الحادي والعشرون، وتهدف حرب هذا الجيل إلى ضرب قيم المجتمع وثوابته و وزعزعة استقرار الدول السياسي والأمني لنشر الفوضى الخلاقة.
مرت الحروب بخمسة أجيال- كما جاء في مقال للدكتور عمر حسن فتوح نشر في موقع “التحليل الآن” الإلكتروني في عام 20222م تحت عنوان “الحروب المتقدمة … الحرب التكنولوجية الباردة بين الدول العظمى نموذجـًا” – تبدأ بالجيل الأول الذي اُستخدمت فيه الأسلحة والجنود، ويهدف بالأساس إلى تحقيق الانتصارات العسكرية، ثم الجيل الثاني، الذي تميز بتطور للأسلحة (الأسلحة الآلية، والمدرعات الثقيلة) ويحمل ذات اهداف الجيل الأول، يليه حروب الجيل الثالث الذي ظهر إبان الحرب العالمية الثانية على يد الألمان (استخدمت فيه الطائرات المقاتلة، ونُظم الاتصالات اللاسلكية)، ومنذ ذلك الحين أدركت القوى العالمية أنه لا مجال للسلاح والجنود؛ فالأمر أصبح مُكلفًا؛ ثم الجيل الرابع أو الحرب الإعلامية (Media Warfare) الذي اُسْتُخْدِمْتُ فيه المعلومات لتحقيق الأهداف عبر اتخاذ المنصات الإعلامية كسلاح للتأثير في متخذي القرار في الدول المعادية، ووظفت منصات التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات السامة لتخريب العقول، وزعزعة أمن الدول واستقرارها، وجاءت حروب الجيل الخامس لتستهدف خلخلة قيم وثوابت المجتمع الدينية والعُرفية عبر استغلال الثغرات، ومراكز ضعف الدولة، والسعي لإثارة سخط الشعب نحوها، طور هذا الجيل استراتيجياته، لتشمل الحرب السيبرانية (Cyber Warfare) وهي بمنزلة هجوم عن بُعد مُتعمد لتدمير أنظمة الحاسوب، وشبكات الاتصالات والمعلومات، أو اختراقها للحصول على معلومات عسكرية، أو استخباراتية للدول المعادية، وأصبح هذا الجيل المتطور يُشكل تهديدًا للأمن القومي للدول الكبرى، وتحديدًا استهداف البُنى التحتية الحيوية، مثل: المصارف، وخطوط الطيران، ومحطات الكهرباء، والسكك الحديدية، والمحطات الفضائية، وغيرها، ثم تطورت حروب هذا الجيل لتستهدف تغيير الثقافات، والعادات، والتقاليد، والتمرد على المجتمع، والأنظمة الدينية والسياسية، من خلال التلقين الممنهج بالمعلومات الخطأ والتأثير في العقول، لم تقف الحرب المعلوماتية عند هذا الحد؛ بل طورت استراتيجياتها ليظهر نوعا جديداً من الأكاذيب يُطلق عليه سياسة ما بعد الحقيقة “Post Truth Politics” وهذه الاستراتيجية تخاطب العواطف والمشاعر وليس العقل، أي إثارة الرأي العام من خلال طرح القضايا من منظور عاطفي لينحاز إليها عدد كبير من الأشخاص ضد الدولة (استخدام منهج سايكلوجية الجماهير).
مصطلح الحرب الناعمة
ظهر مصطلح الحرب الناعمة لنقل الحرب الاستعمارية من مداها المباشر على الأرض لساحة قتال أخرى غير الساحة التقليدية التي يطغى عليها العنف وقوة السلاح والتكتيكات العسكرية، فقد درس المفكرون وخبراء الاستراتيجية للفكر الاستعماري أسباب الانهزام من جهة وخروج مناطق نفوذهم عن سيطرتهم إبان حقبة التحرر ومناهضة الاستعمار، وبحثوا عن طرق أخرى للسيطرة أكثر فاعلية وأقل كلفة مادية وبشرية، ومع مزيد من التدقيق والدراسة خلصوا الي أن ميدان الحرب التقليدي هو ميدان خسارة، بالرغم من القوة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها جيوشهم، وأن استهداف العقول والمشاعر والثوابت الثقافية والتشكيك في القيم السياسية أنجح واكسب لهم، وقد بدأ مفهوم “الحرب الناعمة” بالانتشار دوليا، وَاِسْتَهْدَفَ بها بعض دول العالم خاصة بعض دول المعسكر الشرقي سابقا والدول الإسلامية.