الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

في قصة الرصاصة الأولى

د. ياسر يوسف إبراهيم



كان آخر ما قاله حميدتي لمناوي عند منتصف يوم 15 أبريل وقد إندلعت الحرب بساعات ، بعد أن إستفسره مناوي عن إمكانية وقف الإشتباكات ( الآن أوضاعنا العسكرية لا بأس بها ، المطار في يدنا ، القصر الحمهوري في يدنا ، وتحصلنا علي عدد كبير من العربات والدبابات ، ومطار مروي في يدنا ، والقيادة العامة محاصرة ،ولم يبق سوي إستسلام البرهان ، أنت أقنعه ليستسلم والحرب ستنتهي تلقائيا ) ..

قبل هذه المكالمة التي جرت تحت أصوات الرصاص والدماء كان حميدتي وأخوه عبدالرحيم قد تخلفوا عن إجتماع هيئة القيادة الذي بحث أمر وقف التصعيد ونزع فتيل الأزمة ، في محاولة لذلك يسارع مناوي وجبريل لملاقاة عبدالرحيم ، بينما هما في الإنتظار يقول مناوي ( إن حجم القوات أمام منزل عبدالرحيم مبالغ فيها وكانت معززة بالراجمات ومضادات الطيران والدروع ، وبعد طول إنتظار وصل عبدالرحيم يمتطي حافلة كان علي متنها خالد عمر يوسف ، الواثق البربر ، وياسر عرمان وطه عثمان وصفه يوسف عزت بمسؤول ملف الحرية والتغيير التابع لقائد ثاني الدعم السريع عبدالرحيم دقلو ) ..
قبل مشهد الرصاص هذا وتحديدا في يوليو 2022 ، يعلن البرهان نية المكون العسكري الخروج من العملية السياسية وتكوين مجلس أعلي للقوات المسلحة كحل أخير الشلل السياسي الذي لازم المشهد بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر ، يسافر حميدتي إلي الجنينة مغاضبا يرافقه الطاهر حجر والهادي إدريس ، معلنا أنه سيمكث في دارفور ثلاثة أشهر ، وفي العاصمة الخرطوم التي تعرف الأسرار تقول الصحف إن حميدتي ( غادر بسبب تشكيلة المجلس الأعلي للقوات المسلحة المرتقبة والتي سيتم تمثيل الدعم السريع بممثل واحد فيها ، وهو ما يعني عدم إستيعاب شقيقه عبدالرحيم ) وهي مشكلة سبق وأن تم حلها بإنشاء مجلس الشركاء ..
نقابة المحامين ( المحلولة ) تناقش دستورا أعدته جهات خارجية ، وهو ما دعي الأمين العام لحزب البعث السوداني يحي الحسين عضو نفس النقابة وصف تلك الوثيقة ب ( اللقيطة ) إذ أن لجنة نقابة المحامين لا علاقة لها بذلك المشروع الذي أعد من مؤسسة خارجية وأنها تهدف ( إلي تقسيم السودان لدويلات) واتهم نقابة المحامين بإرتكاب جريمة التزوير ، وإستلام أموال لتمرير هذه الوثيقة ، موضحا أن المؤسسة التي صاغت وثيقة الدستور هي نفسها المؤسسة التي صاغت إتفاق جوبا بمساراته المعلومة ، وأن الدستور تتبناه البعثة الدولية برئاسة فولكر ..
ورفضا لتلك الوثيقة تظاهر العشرات من المحامين أمام دار النقابة مما جعل أعضاء من الحرية والتغيير يشتبكون معهم ،فيسارع فولكر لإدانة تظاهر المحامين ضد تلك الوثيقة ، ويغرد خالد عمر يوسف مؤكدا رؤية فولكر ومتهما ( الفلول ) بالهجوم على ورشة ( الإطار الدستوري ) ..
وبينما كانت ورشة مناقشة الدستور تختتم أعمالها تنطلق حملة مكثفة ضد الجيش شعارها ( معليش ما عندنا جيش ) ، وتخرج المظاهرات المنظمة تهتف بشعارات مسيئة للجيش وتطالب بحله ، وتتحول ألسنة قادة الحرية وكأنها كورال منسق تهتف كلها بضرورة حل شركات الجيش والإبقاء علي شركات الدعم السريع ، وهو ما نص عليه الإتفاق الإطاري ، ويؤكد إبراهيم الشيخ أن الحرية والتغيير تريد أن تكون شركات الجيش كتابا مفتوحا وشفافا ، أما جعفر حسن فيؤكد أن شركات الجيش ستؤول لوزارة المالية ، ويتهم صلاح مناع الجيش بتسجيل شركات وفقا لإجراءات مزورة ، وأن شركة الصناعات الدفاعية إستولت علي أموال عامة ، في ظل تلك الأجواء يتأبط المبعوث الأممي فولكر وثيقة الإتفاق ليطير بها إلي الجنينة ويعقد إجتماعا مغلقا مع حميدتي وذلك بعد أن أفشل مبادرة الحوار السوداني السوداني التي عقدت أولي جلساتها في فندق السلام روتانا بحضور فولكر نفسه ومقاطعة قوي الحرية والتغيير ..
عاد حميدتي إلي الخرطوم بمعنويات عالية ، ومن المطار أعلن دعمه اللامحدود لوثيقة الإتفاق الإطاري ، كيف لا وقد أعطاه الإتفاق إستقلالية كاملة عن الجيش وفترة زمنية مفتوحة لدمج قواته في القوات المسلحة السودانية ، والفترة المناسبة التي يراها فولكر هي خمس سنوات ، أما قائد الدعم السريع فيحددها بخمسة عشر سنة ، وخرج عبدالرحيم في لقاء جماهيري يهدد قائد الجيش ويطالبه بتسليم السلطة للمدنيين فورا ، وبينما كانت الورش تنعقد كانت تصريحات قادة الحرية والتغيير تقول صراحة ( إما الإتفاق الإطاري وإما الحرب ) ، ويقول القيادي في حزب التجمع الإتحادي قريب الله محمد الحسن إن بابكر فيصل إتصل عليهم ونورهم بأن هناك إتفاق سياسي وتحالفا مع الدعم السريع سيتم بموجبه تسليم السلطة لتحالف الحرية والتغيير وذلك للقضاء علي ( الإسلاميين ) داخل الجيش ، وأن هذا التحالف مدعم إقليميا ودوليا..
في الأثتاء واصل الدعم السريع تحريك قواته إلي الخرطوم دون تنسيق مع الجيش ، وبلغ عدد القوات 100 ألف بينما كانت 30 ألف قبل بدء النقاشات حول الإتفاق الإطاري ، وفي الأيام القليلة التي سبقت الحرب حرك الدعم السريع قواته نحو مطار مروي ، في الثاني عشر من أبريل أصدر الجيش بيانا إتهم فيه الدعم السريع بتهديد الأمن الوطني وجدد في الوقت نفسه تمسكه بما تم التوافق عليه في دعم الإنتقال السياسي دون مزايدة …
يقول مناوي إن الفريق كباشي طلب منهم التوسط بين الفريق البرهان وحميدتي ، وأنهم باشروا تحركهم فورا ، وبعد لقائهم قائد الدعم السريع أكد لهم إستجابته للمبادرة ووقف التصعيد وسحب قواته من مروي ، وبعد ذلك يضيف مناوي ( وصلنا مقر البرهان حيث وجدنا كباشي في إنتظارنا ، اللافت أنه كان ممتعضا للغاية قبل أن يبلغنا أن قائد الدعم السريع واصل التصعيد وعزز قواته ب 54 عربة قتالية ) ..
في الخامس عشر من أبريل إندلعت الحرب ، وعلي الرغم من رئيس البعثة الدولية صرح قائلا ( إن البرهان تفاجأ بالهجوم علي منزله ) إلا أنه نفي معرفته بمن أطلق الرصاصة الأولى..

اترك رد

error: Content is protected !!