رأيتُ فيما يرى النائم أن الحرب قد إنتهت وأننى أَتجول راجلاً وراكباً فى رُوَاقٍ عاصمتنا التى بدت لى كالمريض الذى تعافى من البُرجُمْ وآثار البثور والدمامل المُطفأة لاتزالُ باديةً على مُحياه .. !! أَطْلَقت العِنان للبصر فى كل زوايا الأمكنة التى تَبَدَّلت كما يَتَبَدَّل الزمان .. فرأيتُ حُسنَاً لم أعهده فى مدينتنا التى كانت حتى قُبيل الحرب مَكَبَّاً للنفايات التى كانت تَزكُم أُنوفَ زائريها وتؤذى عيونهم بمناظرها القبيحة أمَّا نحن ساكنيها فكُنا وكأننا قد وقعَّنا إتفاقاً للتعايش السلمى مع نفاياتنا وقاذوراتنا ، نُلقى بها فى الطُرقات وندوسها بالأرجل وإطارات السيارات وإعتدنا على القُبح المُشَاهَد بدلاً عن الحُسن المأمول .. رأيتُ أشجاراً ضخمة تُظَّلِلْ شوارعنا التى تَطَهَّرَتْ من دنس الغُزاة ، ووروداً وأزهاراً فى كُلِّ مكان ، وأُناساً من بنى وطنى كأنهم بِيضُ الحمائم من جلابيبهم كلامهم أنغام ولونهم بسَّام وحين يتقابلون ينطقون بالسلام .. ولم أرى تلك الأزياء صارِخَةَ الألوان والشكل الغريب التى كانت حتى الأمس القريب تَتَراءى للمُشاة فى أَزِقَّتنا وحوارينا من الجوار القريب والبعيد ممن أطمعهم حِلمِنا ووسوس لهم شيطانهم بأنه يمكنهم إكتساح وطننا وعاصمتنا ، وتغيير ديموغرافيتها بما تطرحه أرحام نسائهم كُّلَ دقيقةٍ وثانية ، فصَحوتُ من نومى وليتنى لم أُفِقْ وعُدتُ لواقعنا الفوضوي الذى لا ذِمامَ له ولا خِطامْ ، ولا قانونٍ صارمٍ يُراعى المصلحة العامة ويضبط الوجود الأجنبى الذى لا ضابط له .. وصنعتُ لنفسى فنجاناً من القهوة التى أعشقها مُتلذِذَاً بالكافيين وصِنوه وكيف لا أعشق جمالك وإنت مُغرى .. حفظ الله كُلّ العقول المُثخَنَة بالجِراح وهواجس الوطن .. وحفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .