إستنارة / العبيد أحمد مروح

عن الواقعية السياسية وازدواجية المعايير!!

العبيد احمد مروح
العبيد أحمد مروح

 


يبرر قادة مجموعة المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير الإنقلاب الذي حدث في مواقفهم، من “اللاءات الثلاث” إلى الانخراط في حوارات سرية وعلنية مع “قادة الإنقلاب” أو ما عادوا لتسميته بالمكون العسكري، يبررون ذلك بأنه “واقعية سياسية” كون الانقلابيين أو المكون العسكري يمتلكون الشوكة ويمثلون القوة الصلبة؛ وأن الدخول في مواجهة مباشرة معهم قد يقود إلى ما لا تحمد عقباه.
وبغض النظر عن دواعي وخلفية هذا الموقف، وعن انتهازيته من عدمها، فلا خلاف في كونه موقف يُعلي من شأن العقلانية في العمل السياسي ويستجيب بالقدر المطلوب للواقع الذي يفرض نفسه، إذ ليس من الحكمة الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى العسكرية لما يشكله ذلك من خطر على استقرار المجتمع والدولة وما يقدمه من حيثيات يمكن أن يستند عليها الجانب العسكري لتبرير إمساكه بالسلطة، وتعطيل التحول الديمقراطي، مع أني أشك في أن أحداً يعبأُ بموضوع التحول الديمقراطي هذا !!
  غير أن مجموعة المجلس المركزي التي تَسُوق لهذا المنطق الذي يمكن أن نصفه بالعقلاني، تَسُوق منطقاً آخر عندما تتحدث عن علاقتها مع القوى السياسية المدنية، إذ تُصر على إعمال منطق مؤداه أن أوزان الآخرين صفرية، وأن إقصاءهم وعزلهم لن يكون له أثر على الاستقرار السياسي المطلوب بشدة خلال الفترة الإنتقالية، فضلاً عن كونهم غير معنيين بالتحول الديمقراطي !!
 بأي مقياس تختاره مجموعة المجلس المركزي، سنجد أنه ليس من مصلحة الاستقرار السياسي في الفترة الإنتقالية السعي المستميت من قبلها لعزل وإقصاء كتلٍ سياسية وأحزاب يشهد القاصي والداني بشعبيتها وقدرتها على التأثير ، ولا يختلف عاقلان في قدرتها على إعاقة الاستقرار السياسي والتحول الديمقراطي إن هي وجدت أنه لا خيار أمامها سوى أن تفعل ذلك.
 ليس من المنطق مثلاً، أن تعتبر مجموعة المجلس المركزي أن الكتلة الديمقراطية في قوى الحرية والتغيير هي كتلة لا تستحق أكثر من أن تكون رديفة، تُمنح ما تجود به مجموعةُ الثلاثة من الفتات السياسي، ثم تأتي هذه المجموعة لتحدثنا عن الواقعية السياسية وعن الحرص على استقرار الفترة الإنتقالية!!
 وليس من الواقعية السياسية أن تتجاهل كل المجموعات الممسكة بزمام السلطة، من العسكريين والمدنيين، كل القوى السياسية التي تَشكل منها النظام السابق، وعلى رأسها المؤتمر الوطني، واعتبارها كأنها لم تكن، في حين أن جميعهم يدرك أنه – أو هكذا يُفترض – أن بوسع المؤتمر الوطني وحلفائه أن يربكوا حسابات الجميع، ويحيلوا الفترة الإنتقالية إلى حالة من عدم الإستقرار، إن هم عزموا على ذلك، في ضوء الإصرار على ممارسة العزل والإقصاء بحقهم.
  ليس من مصلحة أحد، ولا من مصلحة الاستقرار والتحول الديمقراطي ، أن تُمارس مجموعة المجلس المركزي معايير مزدوجة، تلوي بها عنق المنطق فتمارس العقلانية مع القوى العسكرية حين ترى أن ذلك يستجيب لمصالحها الضيقة وتمارس العزل والإقصاء بحق الآخرين من القوى السياسية حين ترى أن حضورهم يقلل من فرص استفرادها بالسلطة التي تريد أن تهيمن عليها من دون تفويض شعبي!!
والحال هكذا، فإن تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية يقتضي بالفعل واقعية سياسية بمنطق متسق، لا يقلل من قدرة أحد على التأثير، وفي نفس الوقت، لا يعطي أحداً وزناً أكبر من وزنه، وما لم تعي القوى السياسية المدنية هذا، فإن حكم العسكر الذي يدعون مناهضته سيفرض نفسه بحكم الواقع، وسيقبل به الشعب السوداني الذي ضاق بصراعات السياسيين وساءت أحواله عشرات الأضعاف مما كان عليه أيام النظام السابق وزعم هؤلاء أنهم جاءوا لتخليصه منه، وفتح آفاق المستقبل أمامه.           

اترك رد

error: Content is protected !!