منذ أن قامت هذه الحرب اللعينة أول ما أفعله بعد إستيقاظى من النوم وقبل التهيؤ لصلاة الفجر هو تصفح مواقع التواصل الإجتماعى ومجوعات الواتساب التى تضم نـخَبَاً من مختلف الطيف السياسى والإعلامى والأمنى لعلى أجُد فيها خَبَرَاً طيِّبَاً عن الوطن والأهل أو أجِدُ على النَّارِ هُدىً ..!! فكم هى مريرة أنباء الدمار وخراب الأوطان .. وكلمَّا مَرَّ علىَّ يومٌ وأنا على هذه الحال تزدادُ خشيتى على هذا السودان الذى كان عَلَمَاً بين الأمم من الزوال لا قَدَّر الله .. فلا يزال قاموس مواقع التواصل الإجتماعى مشحوناً بالمآسى والأهوال وبمفردات القتل والنهب والإغتصاب والتجويع والتهجير والإذلال .. !! ولاتزال غيوم اليأس تَتَلَبَّد فى سماء بلادنا تحكى قصصاً مؤلمة فى الوقت الذى لم تتجاوز فيه تصريحات المجتمع الدولى ومجلس الأمن محطة الشجب والإستنكار التى يَضٌّنُ بها علينا فى كثيرٍ من الأحيان وكأنَّ المنظمة الدولية لم تُنشأ إلاَّ لمعايرة المواقف وتوصيف الحال وليس لضبط الأمن والسلم الدوليين وحماية الإنسان .
وإذا كانت حرب الفُجَّار هذه قد نَكَتَتْ نُكتَةً سوداء فى قلب وجبين المجتمع السودانى إلاَّ أنها بعثَتْ بالمقابل بصيصاً من الأمل فى كسر الجمود المجتمعى وفى توحيد الجبهة الداخلية وإصطفافها خلف قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية التى تقاتل من أجل إنقاذ البلاد من الضياع الذى أُريد لها ، وإنبعثت أقلامٌ يسيل مدادها فكراً ويُسَطِّر وعياً وطنياً لم نشهد له مثيل تسعى لإيجاد الحلول لهذه الأزمة التى كادت أن تخنق بلادنا بحبال الأخطاء السياسية وحبائلها ، ولايزال الهَمَّ الوطنى هو الحاضر والأبرز والأجمل .. فقد أبانت لنا حرب الكرامة أن أدوات النصر ومفاتحه لم تَعُد مقصورةً على رجالات السلطة والحـكم ، أوبين يدى ثُلًَةٌ من الأبطال الأوفياء الذين يُقاتلون فى جبهات القتال يدافعون عن هذا السودان ويدفعون عنه الأذى والخَبَث ويقدمون أرواحهم رخيصةً فى سبيل أمنه وأهله .. بل أصبحت متناثرة فى كل موقع ومتاحة لكل من يُستوعبها ويَحسِنْ إستغلالها ، فمهما كانت حـلكَة واقعنا فإنه يوجد سُلمَّاً للصعود منه إلى مراقى النصر ، وقد قالها من قبل شاعر أغانى الحياة : ( من يتهيب صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحُفَر ..!! ) .. وحُفَرَ المليشيا التى أرادت أن تدفننا فيها كما فعلت بالأبرياء من أهل الجنينة كُلها أجادب لا تُمسٌكُ ماءًا ولا تُنبِتُ كلأً وفيها الموت الزؤام ..!! فمتى تُزيح القوى السياسية البائسة والداعمة لمليشيا آل دقلو الإرهابية كّل الغرابيل التى تتخفى وراءها لتوارى سوءاتها وتواجه أهلها الذين لم تَرعَ فيهم إلاًّ ولا ذِمَّة بوجهٍ مكشوف وتتصالح معهم وتعتذر لهم عن علاقتها الآثمة ومتعة المصاهرة الحرام مع المليشيا وتَكُفَّ عن التماهى معها ومداهنتها ومشاركتها فى تلك الجرائم التى لن تنقضى بالتقادم قطعاً فالتأريخ يسجل المواقف كلها حَسَنُها وقبيحها .!!؟
ومتى يعترف المجتمع الدولى المنافق أنّ المدنيين الأبرياء فى قرى شرق الجزيرة ومختلف بقاع السودان يواجهون أوضاعاً مأساوية من العنف والإبادة الجماعية نتيجة أفعال المليشيا وفظائعها للدرجة التى لايجدون فيها ما يسترون به قتلاهم من ضحايا المليشيا وما يُكَفنوهم به إلاّ ( شجر العُشر ) ..!!؟ وإلى متى هذا الصمت المُخزى من الأسرة الدولية التى لا ترى بأساً فى ما يحدث لأهل السودان ..!!؟ هذا الصمت المعيب الذى سيؤثر سلباً على مدى إحترام الشعوب المستضعفة لقواعد القانون الدولى الإنسانى مستقبلاً ..!!
فإن أردنا القضاء على هذه الآفة والتحرر من هذا العدوان الدولى فعلينا بصناعة رموزٍ نضالية يلتف حولها الجميع لتوظيف الأزمة الإنسانية التى يعانيها أهل السودان وتحويلها إلى طاقةٍ بناءة ووقود ٍشعبى هائل للقضاء على الجراد الصحراوى القادم من عمق الصحراء الإفريقية وقطع رأس الأفعى التى مجَّتْ سُمها فى مدننا وقرانا ومن ثمّ بناء ما دمره العدوان وإعادة إعماره .. وإن لم نفعل فسنباعُ رقيقاً فى أسواق النُخاسة الدولية ونعيش أبد الدهر بين الحُفَر .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الأحد ١٠ نوفمبر ٢٠٢٤م