الرأي في الفكر والسياسة / عثمان جلال

عثمان جلال يكتب : في ذكرى مولده(صلى الله عليه وسلم) … وفي التاريخ فكرة وثورة ومنهاج


 زاحمنا بني عبد مناف في الشرف اطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، واعطوا فأعطينا حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نؤمن به حتى يوحى إلينا كما يوحى اليه) ،هكذا كان يتفاعل ابوجهل مع الرسالة المحمدية اي محض تمكين اقتصادي وسياسي وثقافي لبيت بني عبد مناف الأكثر عمقا في مكة، ولكن عندها كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين) وبنو المغيرة البيت المنافس لبني عبد مناف على زعامة مكة اي توظيف طاقات ابوجهل الثورية الهائلة في حركة الدين الجديد،والغاية النهائية ليست تمكينا سياسيا أو اقتصاديا بل جنة عرضها السماوات والأرض. 

وبنو عبد مناف ليسوا سواء وكتلة واحدة فالزعامة السياسية والاقتصادية كانت عند بني عبد شمس،من لدن أمية وربيعة وحرب وأبوسفيان، والزعامة الروحية والثقافية كانت عند بني هاشم، وهاشم الذي كان يهشم الثريد ويقف أمام الكعبة متلفحا بعمامته السوداء ويطعم الحجيج حتى قال اليهودي القادم من بلاد الشام (هذا هو نبي آخر الزمان وعندما علم أنه هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب استدرك قائلا: هذا هو الكرم والوفادة والجود وليس مثل كرم أهل الشام أهل الجفنة

 وكان اذا اشتد الاذى من تيار بني عبد مناف المناهض للرسالة الجديد بزعامة عمه ابي لهب يزيحه النبي (صلى الله عليه وسلم)، في تلطف وتجمل ويردد (اي جوار هذا يابني عبد مناف )، فهدف الثورة النبوية تحرير العقول من البنية الثقافية الموروثة التي كرست لاحتكار الزعامة السياسية والاقتصادية والروحية في بيوتات فوقية وعلاقات اقطاعية مع الآخر، وعلاقة ارفع من الاقطاع تسمى تلطفا بالجوار، ولذلك عندما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وطلب الدخول في جوار سهيل بن عمرو رد سهيل (أن بني عامر لا تجير على بني كعب)، وجبن أيضا خاله الاخنس بن شريق، عندها وظف النبي (صلى الله عليه وسلم) ذات الموروث القديم في تراتبية العلاقات ودخل في جوار المطعم ابن عدي بن نوفل المتحدر من ذات شجرة بني عبد مناف الأكثر عمقا في مكة. 

كانت المقاصد الثورية للنبي إنهاء علاقات الاقطاع والاحتكار المتوارثة في نادي النخبة المكي وحفز كل المجتمع سواء بسواء في حركة الدين الجديد، وعندما تحقق شعار قوامة المجتمع في الحكم والاقتصاد والثقافة، تصدى سهيل ابن عمرو لتثبيت الطليعة المكية عند الزلزلة التي أصابت المجتمع الإسلامي بعد وفاة النبي الكريم. وعندما تمكنت قوامة المجتمع في الحكم والسياسة والاقتصاد والثقافة، وتلازمت عملية بناء الدولة والأمة وتماهت قوة الخلافة مع قوة المجتمع، تمكن المسلمون من إسقاط أعتى الإمبراطوريات الفارسية والرومانية، وقد عد علماء الاجتماع السياسي هذه المرحلة بمرحلة الزهو الحضاري للمسلمين، والتي يحرص الغرب والحركة الصهيونية العالمية لعدم إعادة إنتاجها من جديد في المنطقة العربية بدعمه للأنظمة الاستبدادية والملكيات الاقطاعية. 

عودا على بدء فقد تجسدت قيم الاشعاع الثوري النبوي بعد فتح مكة، فكان الشعار الثوري للفتح (اذهبوا فأنتم الطلقاء )، شعارا عميقا يستبطن قيمة الحرية،وحوار الذات ، وعندما أدركت العصبة القرشية أن القضية نبؤة وليست ملكا، امتدت أفواج الهجرة لقيم الثورة الإسلامية،ولأن الثورة تغيير في المفاهيم والأفكار والسلوك، لم ينزع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تغيير معادلة السلطات القديمة في مكة والمدينة بعملية (ابدال وإحلال واستبدال تمكين بتمكين جديد) فكانت راية المسلمين عند مصعب ابن عمير العبدري. وبنو عبد الدار هم حملة الراية في مكة منذ توزيع السلطات بعد وفاة الأب المؤسس قصي ابن كلاب، وظلت زعامة الاوس والخزرج في المدينة عند السعدين وعندما نزع النبي (صلى الله عليه وسلم) الراية يوم فتح مكة من سعد ابن عبادة سلمها لابنه قيس، وعندما أراد علي ابن أبي طالب استلام مفاتيح الكعبة نادى النبي صلى الله عليه وسلم عثمان ابن أبي طلحة وأعطاه له خالدا مخلدا لا ينزعه الا ظالم، وقد اعتلى بلال الحبشي أعلى الكعبة مناديا بإنهاء العلاقات الاقطاعية القديمة، بهذا الوهج الثوري العميق خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى الطائف وترك في مكة احد ابناء البيت الاموي (أميرا) عليها وهو ابن العشرين عاما، كما أسند من بعد لواء جيش مؤتة لأسامة ابن زيد، وهذه إشارات تنم عن اثر الثورة النبوية في تغيير المفاهيم والأفكار البالية. 

تجسد إشعاع القيم الثورية عند توزيع غنائم هوازن فخص ذات البيوتات المكية وزعامات القبائل العربية والتي كانت تتوهم أن النبؤة تكريس للهيمنة الهاشمية حيث بذل لهم الغنائم دفاعا ودفاقا، وكان عكرمة ابن أبي جهل لا يزال في حزب الطلقاء واستأجر المسلمون سلاحه، فشاهد قطيعا من الغنائم سال لعابه له فقال له النبي(صلى الله عليه وسلم): أعجبك ياعكرمة؟ فقال نعم، فقال له النبي كله لك، وعندها أدرك عكرمة حقيقة الثورة النبوية وارتسم الإيمان في محياه، ومن التناطح والتزاحم باسم الشرف الزائف لحكم مكة، غدت مكة كتلة واحدة منافحة عن شرف وقيم الثورة الجديدة والذي مات دونه سيدنا عكرمة في تخوم الإمبراطورية الرومانية. 

 وحقا في التاريخ فكرة وثورة ومنهاج

اترك رد

error: Content is protected !!