ليمانيات / د. إدريس ليمان

عبر ( الأسير ) ..!!


بتأريخ ١٩ أبريل ٢٠١٩م والثورة السودانية لاتزال غَضَّة طَرِيَّة كتبتُ مقالاً والأزمة على أشُدَّها جاء فيه : ( الحقيقة التى لا مِرية فيها الآن أنَّ هناك أزمة حقيقية فى السودان ، وأنَّ المشهد العام تتسارع فيه أنفاس المجلس العسكرى الإنتقالى وأنفاس تجمع المهنيين ، وكلاهما يأخذُ نَفَساً عميقاً ويلتفتان يُمنَةً ويُسرة ليَريَا أين يضعان أقدامهما فى مُقبل الأيام .
إنَّ إصرار الشباب على إعتصامهم يأتى من زاوية الأمل فى المجلس العسكرى الإنتقالى ، ومن زاوية الضغط عليه للإستجابة لمطالبهم ، وقد عاشوا سنواتٍ طويلة يجدون الحياة من حولهم فاترة ساكنة الظلال ، وهاهُم يُؤملون أن تَلُمَّ ثورتهم ما تشَّعث من حياتهم ليستقبلوا حياةً جديدة بعد أن إنقضّوا على أوثان المظالم التى نُصِبَت فَعبَدها من عَبَد ، وحين يُصاب هذا الأمل فى جُزء منه ولو كان يسيراً ، فخليقٌ بهم هذا العناد وهذا الإصرار بحثاً عمَّا يُعيد الثقة والأمل من جديد ، فأمام المجلس العسكرى الباب واسعاً لإتخاذ الخُطوة التى يجب أن تُتَخذ ،فقوة المجلس تكمن فى قدرته على التعامل مع مطالب المعتصمين بالحوار والحكمة والنظر ببصيرة إلى مآلات الأمور ، وليس بالتجاهل أو العنف ، ولنا فى التأريخ عبرة ومنهاج .
فالخروج من هذه الأزمة مرهونٌ بالثقة المتبادلة وتجاوز حظوظ النفس فى الترفع والكبرياء لا سيما من المجلس العسكرى ، فإن المسئولية أمام الله وأمام التاريخ ستقع على عاتقه حين يُسَجَّل عليه أنه أفلت من يده فرصة عظيمة تستحق منه الإهتمام لا الإغتنام ، وعلى التجمع الإهتمام بحاضر ومستقبل السودان وأن تكون القضايا المصيرية ذات الأثر العميق هى أولى إهتماماته ، وإن إستعصت صفحة الماضى على النسيان يجب الاَّ تستعصى على التناسى .
سادتى فى المجلس العسكرى والحكومة المرتقبة التى طال إنتظارها فى ظل الأزمة ، إنَّ أىِّ حكم طال أوقَصُر سوف ينتهى ويبقى الوطن ، فلننظر جميعاً على أىِّ حالٍ نٌريدَه أن يكون ، فليس من غالبٍ بالقوة اليوم إلاَّ وهو مغلوبٌ بها فى الغد كما قال أديبنا الراحل العقاد ، وهب أنَّ القوة إنتهت إلى أحدكم وإجتمع له الحول والحِيلة فهل أعطاه الدهر أماناً على نفسه الاَّ تقهره الكثرة والمكيدة يوماً فلا ترعى فيه عهداً لإحسان ولا ذماماً لحق ؟ وتَذره ينادى العدل فلا يجده ، ويُناشِد قاهريه الذِمة فلا تُنجِده ؟ وهذه عِظات التاريخ التى لايعتبر بها إلاَّ من إعتبر ، ودونكم الربيع العربى ودونكم السادس من أبريل .
إنَّ الأمانة والعدل والواجب سيدى [ البرهان ] تقضِى بالإنصاف ورفع الحرج عن هذا الشباب الذى قضى السنوات الطِوال من عمره ليجدَ فى وطنه حقَّاً فى العمل والعيش الكريم ، وإلاَّ سيُقيم عليكم الحجة والإدانة ب [ البرهان ] ) .
وهاهى السنوات تمضى عاماً بعد عام والمشهد فى بلادنا يزداد تعقيداً فى ظل إنعدام الرؤية وإتسَّاع دائرة إنسداد الأُفُق وغياب الحلول وحالة الإحباط الشعبى حيث حمل التتار والمغول الجُدُدْ أوزاراً على أوزارهم وباءوا بإثمهم وإثم من أهلكوا أرواحهم وهتكوا أعراضهم ونهبوا أموالهم وإستباحوا دورهم من أهل السودان ، وكأنَّ مَرَدَة الجن وشياطين الصحارى والواحات التى قَدِموا منها سيطروا على قلوبهم وعقولهم فحشدوا الدعم لإفكهم الدقلوقراطى وأسفروا عن وجههم القبيح فتفتقت أذهانهم العفنة عن هذا العدوان البائس البغيض الذى يَنضحُ شَرَّاً على هذا الشعب المسكين فدخلوا عاصمتنا على حَرفٍ وعلى صهوات الخِيانة وفوهات البنادق ورصاصها الغادر وهم ليسوا سوى أُمةٌ من المرتزقة قد خلت من قبلهم أُمم فساروا فى نفس الدروب الشائكة ( وكل الخطاوي الممكنة ) كما تُحدثنا وقائع التأريخ الحديث فما أغنى عنهم جمعهم ولا إرتزاقهم فآذوا ثم قتلوا ثم نهبوا ثم آذوا ثم سكنوا الدور بعد أن أخرجوا منها أهلها .. وليس هذا فحسب بل لاتزال دعاياتهم وإدعاءاتهم تتردد ذبذباتها عبر ( الأثير ) على موجة الكذب القصيرة ، وعبر ( الأسير ) بالإملاءات تحت التهديد .. وولاة أمورنا عفى الله عنهم منحوا أولئك البُغاة بغفلتهم صلاحية ذبح المواطنين وإختيار أُضحياتهم وهاهم يفعلون ويُفسِدون فى الأرض ينهبون الأموال ويدمرون الأعيان ، والناس مغلوبون على أمرهم وهم يرون الحِيرَة فى وجوه قادتنا وهم يحفرون مجرى قراراتهم ( بالإبرة ) ولايدرون إلى أىِّ مخرج ستُفضِى إليه وأىِّ مآل ..!! ، وعلى الرغم من تلك المتاهة والتيه إلاَّ أنهم لايملكون إلاَّ الوقوف معهم ومناصرتهم ومآزرتهم وتأييدهم رغم كل اللاءات التى ليست هى بنافية ولا ناهية بل هى لاءات الخَيبَة ( لا رؤية ، لا حسم ، لا أمل ..!! ) رغم آمالهم المُعلَّقة فى الفراغ العريض حتى لايكونوا عبيداً أرِقَّاء لعصابات الشؤم والبلاء ..
فمن يُبلِّغ صاحب السيادة ورئيس مجلسها أن الهوان والذِّلة لايصنعان سلاماً ولا أمناً ولا هيبة ولا دولة بعد أن داس أولئك التتار على كرامتها وإستباحوا أرومتها ، وأبانت لنا الحرب سفاهة وعمالة بعض بنى جلدتنا فالسفيه للعميل قرين .. ومن يُخبره أن السيادة لاتكون إلاَّ بالتضحية من أجل الوطن وأمنه لا بالتضحية به .. !! ومن لا يعمل على إخراج السودان من هذا الوضع المأساوي وحمايته من جرائم المتمرد التى تكاد تنشقّ منها الأرض وتَخِّرُ الجبال هَدَّاً .. تلك تلك الفئة المعتدية ( الغازية ) التى عَمَتْ قلوبها قبل أبصارها فتاهت مراكبها فى بحر العنصرية فأفرغت أحقادها فساداً وإفساداً وحِقداً وتآمراً .. سيجد هذا الشعب الأبِّى العَصِّى القوى العظيم المنكوب الذّى ظَلَّ يدعم قواته المسلحة أكثر شراسةً فى مواجهتها من أعدائه وأعدائها .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كيد الكائدين وتفاهات المُرجِفين ، وأدام أمنها ووحدتها وإستقرارها ، وأحاط قواتنا المسلحة الباسلة وشرطتنا الفتيَّة بالرعاية والحفظ والنصر والتوفيق وسدد خطاها على طريق الخير والنماء والأمن والأمان .

اترك رد

error: Content is protected !!