دهاليز / علي مهدي

سبعينية المشخصاتي ترانيم التنوير القديمة.. وسعي الفتوحات الجديدة

في العقد السابع، بها تزهى التصاوير في المشاهد، فرجة بعد فرجة بوتقة وأخرى

علي مهدي

عدت يا سادتي لها سنواتي الأولى، وساعات بحثي عنها فرص الحضور في مشهد التشخيص الوطني،والبقعة المدنية المباركة يومها تحظى بالبهجة  والسعادة تحيط بأطرافها المعلومة،قبل أن تتسع وتمشي في كل الاتجاهات،لا يحدها إلا البحر ونهر النيل، فيه اتحاد النهرين أبيض وأسود، كما نقول عنهما، ونذهب للظاهر في لونهما، الأزرق الشاب القوي المندفع يمشي على عجل، يلحق ماذا؟ لكن عند عَدوه يغسل الشطان بقوة، وفيه رمز الشباب . وكنت أعشق الآخر الهادي المتسع، يأتي من جنوب البلد الكبير، يوم كان يتسع للكل،نعم هادئ يتهادى،أقرب لكونه يتمايل. وأنظر فيه لمعة، تلمحها أوقات الأصيل .والشعر عندك حرف وآخر،والنهار طويل . ولا الأغنام تشبع، ولا تنهك من عدوها (السخلان) .  وأنت جالس تحاكي التواريخ القديمة، تستعيد من مشاهد عرفتها لمحتها رسمتها مرة وأخرى، تمل الانتظار،تسبح، ولا تذهب نحو العمق أكثر،فتلك مهلكة،حُذرت منها مراراً وتكرارًا  . وتجلس من جديد، تحسب الوقت وتنتهي الفترة،الظهيرة أحياناً ما أطولها، ولا عندك ما تحزن عليه، والصيف طويل،وفي مجلسك ذاك،تحضر الشخوص ترسم لك طرق جديدة نحو خيارت ما ظننتها ممكنة . وذاك الظل ظلك يمشي خلفك أين ما تكون  .  والصورة أوضح الآن،تقف في انتظار أن تسدل ستارة المسرح القومي – أم درمان غير بعيدة عن معشوقك نهر النيل، ثم  أنك منتظر انتهاء  تحية الجمهور لعرضك الأول،أنت بعد العشرين بقليل،والجمهور واقفاً والفرح يتطاير  والبهجة تعم،هذا هو اليوم الأول لعرض مسرحية ( أحلام جبرة) كتبها الراحل عبدالرحيم الشبلي عليه الرحمة،واختارك من بين الكثيرين من شباب المشخصاتية وقتها،الراحل المخرج عثمان قمر الأنبياء،وهو عمله الأول،كلنا كنا في أول الدرب،لكنني كنت الأقرب يومها في الفكرة وقليلاً منها السياسة للراحل الممثل والمخرج يحيى الحاج،نمشي كنا كل الأمسيات نحوها (خرطوم الجن)كنت طالبًا بمعهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية، يسبقني، هو دخل الدفعة الأولى مطلع عام 1969،وغبت عنها لاعتبارات،لكني لحقت بهم في العام التالي، 

ومشيت معه تلك الأيام،أبحث عنها الأبواب الممكنة . وكانت أكتوبر في الخاطر حاضرة، تكبرني هي الثوره،لكن أطياف التغيير لمستني،وشاهداً عليها رياح الفن الجديد كنت . 

والآباء المؤسسين لحركة الفنون التمثيلية الوطنية حاضرين، فتحوا لنا الأبواب فدخلنا . (أبادماك ) وجمعيات أخرى، واتجاهات مغايرة،لكنها روابط الإبداع أقوى،فكانت تلك العروض لمسرحية (أحلام جبرة ) من بين تلك الاتجاهات الأحدث، وسعيد بعملي الأول مع واحد من أهم نجوم الكوميديا النمطية، كان حاضر ومؤثر، الراحل عثمان أحمد حمد (أبو دليبة)، قلنا يومها بعد ذاك العرض الكبير،نحن نصنع الكوميديا الجديدة،تيار جديد،لا يذهب مع كوميديا النمط،وما أبعدنا عنها الفكرة، بعدها بسنوات وفي المراجعات،كتبت عنها وتراجعت عنها الفكرة،لا كوميديا جديدة ولا تشخيص يمكن أن يكون أكثر من ذاك الجهد الكبير في التأسيس من عندهم،وقد تعلمت أول مرة لما عدوت خلفه رائد الكوميديا النمطية الراحل الفضل سعيد،وعشقت الشخوص عنده،واحتفى يوم أكتب الدهليز هذا بمولدي الواحد والسبعين،وهو في خاطري دوماً . جئت بعدها لمدينة المسرح (بورسودان)، هو من حبَّب الناس فيها،قدَّم عروضاً كثيرة  هناك، لأيام وأسابيع وأشهر . جئتها أقدَّم مسرحية (هو وهي) قصة محجوب برير محمد نور تأليف وإخراج العميد أحمد عاطف،بعد أن أضحت علامة،واستمر عرضها لسنوات . هو كان فيها المدينة يرتاح،دخلت عليه فرح أن التقيه هنا، لم يعطني فرصة،ذكرني بأن الوقت لي. 

(هذا أوان مسرحك يا حبيب،نعم أتابع عروضك في قاعة الصداقة،الخرطوم المدينة تحتاج لهكذا روايات،لا تتوقف،لا تتعب،أعلم أن بعض الأحباب غادروا العرض لأسبابهم،وعرضك لم يتوقف،استمر،وأفهم الجمهور هنا في بورتسودان يحب المسرح ويعشق الكومديا،وأثق أن عرضك سيستمر نعم، مبروك،وتعال بكره الصباح  بدري)

ولأنني أعشق فيه صدق الفن تذكرت  بعدها بسنوات وأنا أقف على منصات التكريم أتقبل  الجوائز والتكريمات،كانت كلماته هي التي أخذتني مرارًا وتكرارًا بصدقها إلى أبعد ما تكون المسارح في مدن العالم الوسيع . 

لم أنسى أبداً يوم رجعت منها (القاهرة) التي نحب ونعشق،أحمل معي جائزة (حرية الإبداع) . والأحباب من أهل الفن رتبوا استقبالاً بسيطاً في مطار الخرطوم،والجمهور من المستقبلين مندهش،لا يحدث هذا إلا للفرق الرياضية  يوم تعود بالكؤوس أو الميداليات،وكانت جائزة (حرية الإبداع ) منحت لمسرح البقعة لإسهامه في إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات أثناء النزاعات المسلحة، ولإسهامه في إعادة البناء والتغيير عبر الفنون واتصالاً  لأدواره  في تعمير المدارس،أو الإسهام في تشييد  عيادات  خاصة للأطفال. 

تلك اللحظة كانت لكلمات رواد فنون الأداء التمثيلي أثراً مباشراً . 

ظللت بعدها لسنوات خاصة بعد العقد الثالث انتقل بين عواصم العالم أتابع ما حققتة مشاركتي في فيلم (عرس الزين) لسيدي الطيب صالح وخالد الصديق عليهما الرحمة، يجلسوني  ولأكثر من  مرة في  مقاعد  ما حلمت بها أيامي الأولى،امشي إليها دار الإذاعة حافي حالق أحياناً،  أحلم بمشاركة تتيح لي فرص الحضور إلى جوار أعلام فن التمثيل تلك السنوات الأولى .

وبعدها بسنوات يوم وقفت على منبر مكتبة (الكونغرس الأمريكي ) في (واشنطن)، وقد عرفتها عن بعد،وتابعت جهودها في الحفاظ على الحياة والشراكة العلمية،وجهودها في الحفاظ على الإرث الإبداعي الإنساني .

ساعتها راجعت رسالتهم ودعوتهم لإلقاء المحاضرة والأوقات عصيبة وعصية والعلاقات بين السودان وأمريكا ليست كما ينبغي لها،ونحن في البقعة المباركة نشطنا في هذا الجانب،ابتكرنا (الدبلوماسية الثقافية) قالوا عنها هكذا بعدنا،وأضحت مشروع رسائل علمية .

أعدت لذاك الصباح جيِّداً أوراقي تصاويري ثم حكاياتي عنها الاسم والفكرة فيه

( أثر التصوُّف على المسرح المعاصر)

ثم عدتها واشنطن مرة أخرى، أجدد محاضراتي،وحوارات أخرى مع أكثر من جامعة فيها،ومؤسسات رسمية،ومنظمات فنون.كان ذاك الفتح من تلك الأيام الماضيات، في السبعة عقود مشيت معها ومشت بي إلى آفاق أرحب

الدهليز لها تلك الأيام،لأحبابها،

من مشينا معاً بين المدن حول العالم . ومسارح المعمورة شهدت (الفرجة الثلاثية) وكلها من سنار .

والدهاليز تشهد لها،وتسجلها بفرح غامر

الفرجة (سلمان الزغراد سبيد سنار ) 

عليهم الرحمة والمغفرة البروفيسور عثمان جمال الدين والشاعر الدكتور محمد عبد الحي،هما أطراف الشراكة التي أفضت بعرض (باريس ) الأول في معهد العالم العربي،ثم بعدها في القاهرة التي نحب ونعشق

والفرجة ( بين سنار وعيذاب) ولسيدي الشاعر الدكتور يوسف عايدابي الموحي ومؤسس الفرجة الأهم (حصان البياحة)

والفرجة الأهم (بوتقة سنار )

كلها التجارب هي الأصل في الاحتفاء سبعينية المشخصاتي قبل الكاتب المكوِّن

ودامت الأيام بالسعادة.  

كلها

وكل عام وأنتم بخير

التصاوير اليوم من عندي

وهي هدية الأحباب في (الصيحة)

وللحبيب المصمم الشريك ياسر الفنان

وكل عام ورمضان كريم

اترك رد

error: Content is protected !!