عادل الباز
1
المتابع لرسائل القادة العسكريين في هذه الأيام يلاحظ أنها أكثر نضجاً وثقة وأكثر وحدة من أي وقت مضى فما هي طبيعة تلك الرسائل السياسية والعسكرية التي يرسلها أولئك القادة وما الهدف؟.
2
خلال المخاطبات المتواصلة للقادة العسكريين في المعسكرات التي يطوفون بها تدفقت رسائل متعددة في بريد عدد من الجهات مختارة بعناية من حيث المضمون والتوقيت ووحدة الرسالة. مثلاً في مخاطبات ياسر العطا في أكثر من موقع كان التركيز على ثلاثة رسائل لجهات مختلفة، الأولى وتكررت بكثافة تؤكد أن الحرب ستستمر حتى دحر التمرد ولا تفاوض ولا هدنة. جاءت هذه الرسائل بعد دعوة مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في رمضان وهي الدعوة التي لم تجد آذانا صاغية من الطرفين لعدم واقعيتها ثم هي تأتي في وقت تتسرب فيه أنباء عن قرب استئناف منبر جدة في أبريل القادم. وهذه الرسالة تطلق في وقت تتصاعد فيه الدعوات للحوار، وتأتي في زمن تتراجع فيه المليشيا وتتقهقر من كل سوح المعارك داخل العاصمة وخارجها، ومثل هذه الرسائل تشحذ همم الجنود ولا تجعل أيديهم تتراخى في حمل السلاح تحت تأثير تلك الدعوات التي يرفضها غالبية المقاتلين الذين يعبرون عن رأيهم بصراحة في كل الفيديوهات التي يبثونها مما يستحيل معه فرض رأي من اعلى بالتفاوض أو الهدن. ولذا فرسالة الفريق ياسر العطا في زمانها ومكانها الصحيحين ولذا وجدت تفاعلاً وتقديراً من الجمهور بشكل غير مسبوق وتكاد وسائل التواصل الاجتماعي تجمع على دعم موقف الفريق ياسر بل وتتويجه بطلاً من أبطال هذه الحرب.
3
هناك رسالة ثانية لياسر العطا وهي رسالة ذكية تسعى لوحدة المقاتلين الذين تستهدفهم القوى المعادية للجيش بزرع الفتن بينهم بتقسيمهم لفلول مستنفرين وجنود جيش ومجاهدين، فخطاب الفريق ياسر عالج الموضوع من زاوية أن كل المدافعين عن الوطن هم أبناءه ولافرق بين المصطفين للدفاع عنه من اية جهة أتوا وإلى أي معسكر ينتمون، إذ يجمعهم هدف واحد وهو دحر التمرد. حين تنظر في وجوه الجنود المستنفرين والمجاهدين وجنود الجيش تشهد تلك اللوحة المتنوعة من السحنات والإثنيات المختلفة وتجدهم كلهم فرحين بما يقومون به من دور كبير في حسم تمرد مليشيا الدعم السريع.
4
الرسالة الثالثة للعطا أُرسلت للخارج، ففي الوقت الذي نشهد فيه تحركات أمريكية وإماراتية وافريقية فى دول الإقليم لفرض تسوية تنقذ الجنجويد من مصيرهم المحتوم والقريب، كانت رسائل القادة العسكريين واضحة بالهجوم المباشر على الامارات والغير مباشر على الموقف الدولي والأمريكي على وجه الخصوص والذي كان يبشر بهدنة لمدة ستة أشهر بغرض أن يتسلح فيها الجنجويد مرة أخرى لمواصلة حربهم القميئة.
5
ماقاله الفريق ياسر العطا كرره وأكده الفريق إبراهيم جابر في مخاطباته الأسبوع الماضي حين أكد أن القوات المسلحة لن تتحالف مع أي فصيل سياسي ولن تسلم السلطة إلا لممثلين للشعب منتخبين. وتلك رسالة للداخل والخارج، فالذين يحلمون بأن التحالفات التي يدشنونها الآن بغرض حصد حصة من كيكة السلطة واهمون فليس ممكناً أن يصعدوا لسدة الحكم عبر تحالف ما ولو كان داعماً للجيش. تضمنت خطابات الفريق جابر رسالة أخرى للتحالفات الخارجية المهرولة نحو السلطة بروافع أمريكية إقليمية أو تتوهم أنها تمثل الشعب أو الثورة، مضمون تلك الرسالة باختصار هي أن هناك طريق وحيد للسلطة لا يمر عبر محاولات التحالف مع الجيش ولا بالضغوط الخارجية إنما عبر صندوق الانتخابات وهي الرسالة الحاسمة التي لطالما طالب بها كل العقلاء من أن الفترة الانتقالية تدار بحكومة كفاءات مستقلة بلا انتماءات حزبية. بدا واضحاً أن الرسائل التي يرسلها القادة في الآوانة الأخيرة تتسم برؤية واضحة تشير إلى الطريق إلى المستقبل سواء في الموقف من التمرد أو من العالم الخارجي أو من إدارة الفترة الانتقالية.