رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

خفايا محاولات تجسير الهوة :تنازع الأجندة الأجنبية والوطنية

د.ابراهيم الصديق


(1)
انتهي تدخل المجتمع الدولي في السودان إلى خلق اربع مواقف سياسية، متباعدة، ومتنافرة:

  • مجموعة حوار الآلية الثلاثية (مبعوث الأمم المتحدة (يونتاميس) و الإتحاد الأفريقي والإيغاد)، وهي تيارات سياسية، أرتضت الجلوس إلى مائدة حوار وبدأت جلساتها المباشرة يوم الثلاثاء ٧ حزيران / يونيو ٢٠٢٢م وتم تأجيل الجلسات المقررة الأحد ١٢ حزيران يونيو..
  • مسار قوي الحرية والتغيير وما تلي لقاءات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في بالخرطوم (٨-٩حزيران/ يونيو) وموافقة هذه القوى الممانعة الجلوس مع المكون العسكري ومن مطالبهم إيقاف حوار الآلية الثلاثية ومخاوفهم من تشكيل حاضنة سياسية جديدة وتهدئة المواجهة بين المكون العسكري والمجتمع الدولي، وهذه محاولة لقطع الطريق لذلك..
  • مجموعة مقاطعة لكل هذه الحوارات ومتمسكة بإنهاء ما اسموه الإنقلاب (قرارات البرهان في ٢٥ تشرين الأول أكتوبر ٢٠٢١م) وتسليم السلطة للمدنيين والسلوك التظاهرات الشعبية ورفع شعار (لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية)، وهو ذات شعار قوي الحرية قبل الموافقة على الحوار، ويمثل هذه القوى الحزب الشيوعي ولجان المقاومة وتجمع المهنيين.
  • مسار (الإستثناء) و(الإقصاء)، والمستثني الوحيد المعلن هو حزب المؤتمر الوطني، لكن الإقصاء شمل قوي وأحزاب سياسية كثيرة وجماعات وكتل ذات وزن جهوي وإجتماعي، وبعضها يعارض الحل والتدخل الأجنبي من أساسه..
    هذا الراهن السياسي، خلق تعقيدات أكثر وإرتباك في المشهد، وهذه سمة المجتمع الدولي، والتجاذبات الإقليمية والمصالح المتقاطعة، وهو ذاته الذي انتج أكثر من حكومة في ليبيا واليمن، والدور قادم على السودان..

(2)
أستغرقت زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشوؤن الأفريقية مولي للسودان ساعات محدودة أنجزت خلالها مهمة أستنزفت جهود شهور من المجتمع الدولي ممثلاً في اليونتاميس والمجموعة الأفريقية ممثلة في مبعوثها ود لبات والإيغاد اي (الآلية الثلاثية)..
لقد زارت مولي الخرطوم صبيحة ٨ يونيو ٢٠٢٢م، وألتقت مجموعة الحرية والتغيير، وانتهى اللقاء بإعادة جسور الحوار مع المكون العسكري، بعد أن تعالت منذ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م أصوات تنادي (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية لإنقلاب)، وبعد أن أقسم قادة في المكون العسكري بأنهم ان يجلسوا مرة أخرى مع الإنقلابيين.. هذه إشارة لحقائق مهمة :

  • تأثير وفاعلية المحاور الخارجية في الراهن السودان، فرغم كل جهود المجتمع الدولي والضغط الداخلى، لم تسفر عن زحزحة موقف قوي الحرية عن لاءاتها، ولكنها رضيت بالحوار بعد لقاء سريع مع الوافدة الأمريكية، والتي لم يقتصر دورها على السياسيين، بل التقت وحاورت لساعات طويلة مجموعات من لجان المقاومة، ولكن المريب في الأمر أن هذه التحركات الأمريكية وبعض الأطراف الغربية ادت إلى خلق مسار مواز لما تم خلال الشهور الماضية..
  • غياب المبدئية في المواقف السياسية، و عبثية الشعارات، والمواقف، وكلها تدلل على هشاشة المنظور والمنطق.. لدرجة ان قوي الحرية قالت في بيانها إنها (ساعية لإبعاد الداعمين للإنقلاب والمساندين له) من خلال التفاوض مع (الإنقلابي)..
  • حجم الإختراق للقرار الوطني السوداني، ورغم إبتدار جلسات حوار الآلية الثلاثية صبيحة الثلاثاء ٨ حزيران يونيو، فإن مساراً جديداً بدأ بمعطيات جديدة وشروط من بينها (نسف كل ما جري)..
    (3)
    وأخطر ما جري في الساحة السياسية السودانية، هو :
  • رهن مطالب الشارع السوداني ومصالحه بمجموعة سياسية، محدودة، وهذه كانت خلاصة تصريحات المتحدث بإسم الآلية الثلاثية (إن عدم مشاركة هذه القوى يجعل الحوار بلا جدوي) وهو ذات منطق مبعوث الإتحاد الأفريقي ود لبات، فهذه المجموعة محظية برعاية دولية وأجندة إقليمية..
  • رهن المواقف الدولية في (الإدارة الامريكية) و تحكمها في المشهد السوداني وتأثيرها على المجتمع الدولي، فقد تم تجاهل كل الجهود السابقة واللقاءات أملاً في تدبر مخارج سياسية لقوى سياسية بعينها.. وقد اوضحت ذلك قوي الحرية دون مواربة وقالت (انها استصحبت رأي الضغط الدولي) مع العلم انها لم تستجب لتلك النداءات الدولية قبل إجتماعهم مع المبعوثة الأمريكية.. كما أن الرضا تأخر ٧ شهور..
    (4)
    ومع ان الوضع يبدو قاتماً، فإن المؤشرات تؤكد :
  • حرص الولايات المتحدة الأمريكية على وجود قوي الحرية (تحديداً) في سدة الحكم، بغض النظر عن مواقف بقية التيارات السياسية، فهذه حليفة ونتاج السياسات الأمريكية..
  • حرص دول عربية وافريقية على وجود تأثير للمكون العسكري، بما يحفظ وحدة السودان وإستقراره ومصالح الإقليم..
  • تغييب كلي للمواطن وقضاياه وإهتماماته، و لأغراض ذلك تم توظيف آليات الضغط الإقتصادي والمعيشي رغم تأثيرها المباشر على المواطن..
    وتبقى الخيارات الواقعية محدودة، متمثلة في إستمرار المكون العسكري رفض العودة للحوار الثنائي وضرورة إدارة الشأن الوطني من خلال جميع الفاعلين، فلا احد صاحب مصلحة أكثر من آخر..
    و إعتماد المضي قدماً في تمليك السلطة للشعب، فهو صاحب الخيار والقرار، وعدم الركون إلى محاولات إختطاف السلطة والعربدة السياسية..
    ومرة أخرى، إعادة قراءة عبثية تدخلات المجتمع الدولي (جملة أو مجموعات)، و الإستثمار في الإرادة الوطنية السودانية..

اترك رد

error: Content is protected !!