رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

ذهاب فولكر: أبعاد ووقائع

د. إبراهيم الصديق
(1)
ثلاث نقاط مهمة لابد من الوقوف حول استقالة فولكر بيريتس من رئاسة بعثة اليونتاميس في السودان ، وأولها: إن الإرادة الوطنية حين تتوحد فإنها قادرة على إحداث تغيير ، ومع قوة تصميم السودان وتمسكه بموقفه لم يكن أمام فولكر سوى الذهاب ولم يكن أمام الامين العام غير الموافقة على الاستقالة ولم يكن بيد بعض الدول والقوى التى اعلنت مساندتها له شيء غير التمنيات والحسرة ، أمام الخيبة الكبيرة فإنها حصاد قحت المركزية والتى جعلت فولكر منصة اسناد ومرجعية تؤسس عليها مواقف وبناء التوجهات وحبك المخططات ، ولا أدري اليوم كيف سيكون حال الذين صفقوا وقوفا ولمدة دقائق مع هتافات داوية للسيد فولكر فى نهاية الورش الخمس 2023م .. ذلك مشهد محزن ، المهم فإن السودان بواقعه الذي يعانيه (ابعد احد اركان الازمة وأحد اطرافها)..
وثانيا: فإن ذهاب فولكر يكشف هشاشة وضبابية رؤية القوى الدولية والإقليمية للقضية السودانية ، والتخلى عنه بهذه الطريقة يشير لإنسداد الأفق الدولي في القضية وربما النظر في خيارات أخري ، ولكن المؤكد ان فولكر وجد نفسه معزولا وعاجزا عن القيام بأي دور ، ذات الفولكر الذي كانت بعثته تعقد مؤتمراتها داخل القصر الجمهوري وتحدد من يأت ومن يذهب ، ذات فولكر الذي جمد مؤتمر يونيو 2021م ، ومع اسناد دولي واقليمي ولكنه اليوم في ذمة التاريخ..
وثالثا: قلة حيلة بعض القوى السياسية والمجتمعية السودانية حين وظفت كل قدراتها لإشباع تطلعاتها السلطوية مستعينة بإرادة اجنبية ، اليوم سقطت اوراق التوت وانقشع غبار الوهم.. لم يعد هناك اسناد ، ذهب فولكر مع امكانية تقاعد مريح في مزرعة بالمانيا وبعض ذكريات وكتاب سيرة ذاتية ، وقد اورث السودان حربا.. وترك قوى الحرية والتغيير (قحت) تلوك مرارة الواقع ولعنة التاريخ..
(2)
لم يكن فولكر بيريتس مجرد مبعوث أممي ، بل أنخرط في صناعة وتشكيل رؤية جديدة لسودان جديد ، كان مشاركا في كثير من الوصفات ومنها تمثيلية مشروع دستور تنسيقية المحامين ومنها الاتفاق الاطاري وقد أنتهي بالحرب.. ولذلك فإن ذهابه يعنى سقوط كل ذلك ..
لقد جاء فولكر لمهام أربع ، مساعدة في الإنتقال الديمقراطي وتحقيق السلام والاستقرار ، ودعم السودان في اقتصاده وتنمية موارده ودعم النازحين واللاجئين في دارفور ، وخرج من البلاد وقد تشرد الملايين وقتل الالآف وهجرت البيوت وانعدم الأمن ذلك حصاد الوهم الدولي ..
ولذلك لم يعد ثمة خيار سوى حوار السودانيين فقط ، بلا تغبيش وبلا تضليل وبلا مؤامرات ودسائس..
(3)
متغيرات كثيرة ما بين مبعوث الامم المتحدة في 2020م ومبعوثها اليوم في 2023م ، الاول في ظرف سياسي مختلف ومناخ مختلف ، والان واقع مختلف ، لم يعد هناك إمكانية لتسليم البلاد والعباد لمبعوث أممى مهما كان شأنه وقدرته وداعميه ، ويمكن القول أن صفحة جديدة فتحت مع المجتمع الدولي..
وهذا لا يكفي ، فمن الضروري لتحديد مهام ومساحة ادوار لأي مبعوث ولأي سفير.. هذا مدخل مهم ، وفوق ذلك تذكير الامم المتحدة بان ما جرى في بلادنا فانها تتحمل بعض اوزاره ، كما أن بعض القوى السياسية والمجتمعية عليها دين صعب سداده ، فقد باعت الوطن ارضه واهله وتسامحه وموارده وامنه ولم تكسب سوى اللعنة والشتات..

اترك رد

error: Content is protected !!