أكفان الموت والفناء التى تُنسَجْ لبلادنا تستوجب الإنتباهة من الغفلة ، والإفاقة من الغيبوبة ، فالذى يُرادُ بالسودان أكبر مما يتصوره الإنسان ، وقد يُحَوِّلَ أرضَ الخير إلى دمارٍ لا يُمكِنْ تحديد مداه ، وإلى حالٍ يتجاوز فى سوءه حال إخوتنا فى العروبة وفى الإسلام .. فها هى سوريا أضحت دولة منقوصة السيادة تحميها روسيا وإيران ، وتلك بلاد الرافدين قد إرتمت فى أحضان عدوتها التأريخية وجارتها الشرقية ، وفى ذات الوقت تستجدي الحماية من سيَّدة العالم ، والجماهيرية العُظمى لم تَعُد كذلك بل أضحت دولتان وحكومتان .. فهذه الحرب التى تطاول أمدها بالطبع ليست من أجل عيون الديموقراطية .. !! بل هى حربٌ عدوانية ظالمة مدفوعة بإطماع إستعمارية واضحة عبر الأذناب الإقليميين والمحليين .. ومهما تكون نهايتها ونتيجتها فإنَّ بلادنا تواجه مصيراً مجهولاً ، وظَنى أنها لن تعود خالصةً لأهلها يُمارسون على أرضها حقهم فى السيادة كاملاً .. فالذى يتراءى لى أن المؤامرات التى تُحاك ضدها تدفعها دفعاً نحو الهاوية ، وليس أدَّل على ذلك من تسليط المليشيا المدعومة بالمال والسلاح والغطاء السياسى لتسلب مِنَّا بلادنا وتحويلها لمنطقة نفوذ إقليمى ودولى لما تتمتع به من موقع جغرافى وثراء فى الموارد .. !! ولكن هذه الأرض كعهدنا بها دوماً عصيَّة على العدوان وعلى المكر الكُبَّار ولايليق بها إلاَّ النصر فى معركة الكرامة الوطنية التى تُقاتِل من أجلها ، وقطعاً ستُحافِظ على جُغرافيتها وحدودها من التآكل وعلى سيادتها من الإنتقاص بعون الله وتوفيقه .. !! نعم تجرأت المليشيا وتطاولت على بلادنا وأهلها وهى التى عندهم أهونَ مِنْ شِسعِ نَعلِ أحدهم .. ( وما كان لها أن تفعل لولا التآمر الإقليمى والدولى والخيانة من بعض بنى جلدتنا ) .. ولكنها فشلت كحال كُلّ المرتزقة فى التأريخ الذين يقاتلون تحت راية الظلم والعدوان ، ولا قضِيّة لهم ولا عقيدة غير السلب والنهب وإنتهاك الحُرُمات ..!! وما هذه الإدعاءات بالإنتصارات المزعومة وكسبها للمعركة أمام أهل السودان وأبطاله إلاَّ ضربٌ من الوهم .. !! فقد كان إنتصارها الوحيد هو نهب المواطنين وطردهم من منازلهم وإيذائهم .. وها هى الآن تُجرِى عمليات تجميل وترقيع لسوءاتها ومخازيها تتسول شرعيةً لا تستحقها من البسطاء من أهل القرى والفرقان ومن مشائخ السجادات الصوفية تَحمِلُ إليهم بعض المأكولات وتَحمِلَهُمْ حَمْلاً على قبولها أمام الكاميرا لتظهر أمام الرأى العام العالمى بإنها من دُعاةَ السلام ( وهل يُصلحُ الزادُ ما أفسدهُ الزِنَادْ .. !!؟ خابوا وخسروا ..!! ) .. والذى عَمَّقَ مِنْ إحساسنا بالقهر هو الزيف والإنتهازية والعمالة التى رأيناها من البعض بالترويج لما يقوم به أولئك المرتزقة الأوغاد من فظائع ووصفه بأنه فعلٌ سياسى وعملٌ وطنى بل نِضالٌ وإنتصارٌ على دولة ٥٦ التى يتوهمونها وتلوكها ألسنتهم ترديداً ولا يَعونَها .. !! فمن يُخبر أولئك الحمقى القادمون من حيث كانوا بإننا كسودانيين قد نتفق أو نختلف فى المواقف السياسية وفى الفِكر ، وفى الثقافات الفرعية والتقاليد المحلية ، وقد نتقاتل طمعاً فى السلطة والحُكم ولكننا نظَّل إخوةٌ فى الوطن ، يجمعنا رمضان ومائدة الإفطار فى الدُورِ وفى الطُرقات ، ( ونشيل الفاتحة مع بعض على موتانا ، ونقسم اللقمة بيناتنا ) ، وجميعنا يَدٌ على من سِوانا ويسعى بِذِمَّتنا أدنانا .. فنحن حقاً جُندُ الله جُندُ الوطن إن دعا داعى الفداء لن نَخُنْ ، وليس مجرد كلماتٍ نَقِفُ لها إجلالاً وإحتراماً ، وتقشعر منها جُلودنا وجُلودَ كُلُّ من يؤمنُ بهذا الوطن المنكوب حين ترديدها ..!! فبأيِّ حقٍّ وبأىِّ منطق يَهبِطُ أولئك الأوغاد بلادنا ويعبثوا بأمننا المجتمعى ويُدَمِّروا مؤسساتنا حتى كادوا أن يسلبوا مِنَّا هذا الوطن العزيز ..!!؟ اللَّهم إلاَّ بالميكافيلية الإنقاذية ، وبالغفلة على الطريقة البرهانية ..!! وبالنظر المتأمل لهذه الحرب العجيبةً التى لم نُفِقْ مِنْ صدمتها بَعدْ لم يَكُنْ يُقلِقُنى سلوك المليشيا وظهورهم فى المشهد وكأنهم حقيقةٌ مطلقة ، ولكن الذى كان يُقلِقُنى هو أنَّ أهل بلادى كادوا أن يُسَلِّموا بها ويَستَسلِموا لها وكأنَّهم بلا بصيرة ولا بَصَر ..!! إلاَّ أنهم قد إستفاقوا من غفلتهم وعرفوا كيف يرسِمون الحدّ بين الحق والباطل بالمقاومة المشروعة لينتصر الحق لأنه حق ، وليزهق الباطل لأنه باطل .. وتَعلَّموا أن الذى يَبيع شَعَرَةً واحدة من حَقِّه ضُعفَاً وجُبنَاً وهَواناً يمكن أن يبيع رأسه فى آخر المطاف ..!! وهنالك أمرٌ زاد من حِيرتى فى أمر هذه المليشيا وهو تكبيرهم وصلاتهم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقِبَ كل عملية وسيوفهم لم تزل بحرارتها تقطر دماً من ضحاياهم .. !! ودخان بنادقهم لايزال يتراقص فى الفضاء .. !! ويُحدِّثنا التأريخ القريب أنَّ عبدالحميد بن باديس كان يقول لحفظ المسافة بين الحق والباطل : ( والله لو قال الفرنسيون لا إله إلاَّ الله محمدٌ رسول الله ورفعوا راية التوحيد فى عدوانهم علينا لما قلتها ) ..!! وهو رجل الدين المجاهد الذى أمضى عمره يُردِّد لا إله إلاّ الله محمدٌ رسول الله .. ليُرِيَنَا كم هى عزيزةٌ وغالية تلك الكلمات .. فمهما ردد أولئك الأوغاد التكبير والتهليل بألسنتهم وأفواههم النتِنَة التى تفوح منها رائحة الموت فسيظلون قتلة ومغتصبون ولصوصاً مُحارِبون .. !! وسَيَظَّلَ تكبيرهم سمسرةً وتسويقاً للباطل فى أسواق أم دورور .. وستنتصر الخرطوم وسيندحرَ أعداؤها لأنها لا تقبل منطِق الدُخلاء .. وسَيُعلَن النَصر العسكرى بإذن الله وإن تأخر شُهوراً وشُهوراً ، وسنجعل من ذلك اليوم عيداً وطنياً تُقامُ فيه الإحتفالات وتُنصب السُرادقات وتُذبح الذبائح حمداً وشكراً لله أن أذهب عنَّا الأذى وعافانا .. نسأل الله أن يربط على قلوب أهل السودان وأن يُقيِّض لهم من ينتصر للحق ولا يُساوم عليه ، ومن يقودهم لبّرِ الأمان ويُقدِّم لهم المِثال .. ونذكرهم بقول شاعرنا الجميل عوض جبريل عليه رحمة الله : مصيرو الزول يا ما فى حياتو يشوف وفى دنيانا بنلاقى الفرح والخوف ظروف بتعدى ما تهتمو للأيام . وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠٢٤م