صباح موسى
انشغل المجتمع الدولي وحتى السودانين أنفسهم بما يحدث في غزة الآن، صحيح أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعا، لكن لا ينبغي أبدا أن ننسى السودان وقضيته، لا ينبغي أن نتعايش مع الحرب وتشريد الشعب السوداني بهذه الطريقة.
(1)
المجتمع الغربي بمجرد ما حدث لاسرائيل، وقف بجانبها بكل وضوح وصراحة ومباشرة، لم يأخذ موقفا رماديا كما حدث في السودان، لم يقف مع الجيش والدولة السودانية، وراح يتحدث عن طرفين ومفاوضات، ونسى أو تناسى أن الحرب في السودان قامت بين جيش وقوات تمردت عليه، راح يتوهنا في معضلة من أطلق الرصاصة الأولى، رغم أن كل الشواهد تؤكد أن الدعم السريع هو من بدأ الحرب وخطط لها، وكأن الحرب قامت في الخرطوم في الخامس عشر من أبريل الماضي، وكأن الدعم السريع كان في نزهة عندما ذهب بقواته إلى مروي قبلها بيومين، حتى وان بدأها الجيش السوداني، فهو تحرك لقوات تمردت عليه ورفضت الدمج فيه، واشترطت عشر سنوات لذلك!!، وتجاوزت قيادات الدعم السريع قياداتها الأعلى في القوات المسحلة، بتصريحات لحميدتي وأخيه عبد الرحيم كانت مشهودة، وكأن ذلك كان طبيعيا في مؤسسة عسكرية بها تراتبية.
(2)
عندما خرج البرهان من الخرطوم استبشرنا خيرا، وقلنا أنه خرج ليبحث عن حل، ولكنه للاسف الشديد بعد جولات خارجية وداخلية مهمة، عاد لتردده وبطئه كما عودنا، واكتفى باشراف أعضاء مجلس السيادة المشغولون أصلا في الحرب على أعمال الحكومة التنفيذية، بعدها راح في صمت مريب، فماذا يحدث في الكواليس، هل وقع البرهان مرة أخرى تحث الضغط الخارجي بالحلوس للتفاوض وعودة الدعم السريع للمعادلة من جديد، هل وضع الرجل بين هذا الضغط الخارجي وبين الرفض الداخلي لهذه المفاوضات والتي ستعيد إليه قوات شردت وسرقت ونهبت وقتلت الناس واغتصبت الحرائر، أم أن هذه هي طبيعة الرجل بالتردد الدائم في المواقف المفصلية والعصيبة بالبلاد؟ تقديري أن المجتمع الدولي منشغل الآن بقضية أهم بكثير في نظره عن السودان، وأن الأزمة السودانية لن تحل إلا بأيدي السودانيين أنفسهم. (3)
المشكلة الآن ليست في وقف الحرب، بل في كيفية انهائها، ولابد أن يكون للشعب السوداني المتضرر الأول دور في كيفية صياغة المرحلة الجديدة، فمن حقه أن يقول كلمته في قياداته التي أجرمت كثيرا في حقه، ولتتحرك المفاوضات في جده من منطلق خروج الدعم السريع من الأعيان المدنية أولا، ووضع خطة لكيفية دمج هذه القوات ( من يصلح للدمج- ومن ينبغي تسريحه)، ثم يأتي بعد ذلك المرحلة السياسية بجلوس كل القوى السياسية السودانية دون استثناء على طاولة واحدة لوضع خارطة طريق لكيفية ادارة مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات حرة وانتقال سليم، بالتوازي مع تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة كل البعد عن الحزبية، مهمتها تكون محددة تضمن على الأقل حد أدنى من استقرار الناس وعودتهم بعد تشرديهم، وتهيئة البيئة والمناخ لانتخابات حرة نزيهة. (4)
تقديري أن المرحلة السياسية لا تستثني أحد، لكن ينبغي أن تسثني كل القيادات السياسية والعسكرية وباقي العقد البغيض، والتي تسببت في هذا الوضع المأساوي، وإن كان في رأيي خطأ، فلنترك المجال للشعب السوداني ليقرر بنفسه من هي القيادات التي يوافق أن تمثله في هذه المرحلة، يمكن أن يتم ذلك في استفتاء توضع فيه كل القيادات السياسية والعسكرية، وأخذ رأي الشعب في من يرغب في استمراره.
(5)
أما التعايش الملحوظ مع الحرب سواء من الجانب العسكري الذي لا يوجد به أي حسم، بفكرة الأمر الواقع بحرب دائرة في الخرطوم ودارفور وبعض الأماكن، وادارة باقي ولايات الدولة، مثلما حدث في السابق حرب في دارفور ودولة مستقرة في باقي الولايات، هذه المرة مختلفة تماما، ولن تستقيم الأمور بهذه الطريقة أبدا، خصوصا مع تعايش الذي هجروا من منازلهم إلى داخل السودان أو إلى خارجه مع فكرة الحرب والتفكير في استقرار بديل خارج الخرطوم والوطن، وكأننا نساعد في توطين جديد. (6)
الخلاصة أنه يجب التحرك الفوري من كل الفئات والاتجاهات في السودان، لوضع حد لهذه الحرب، لكن بأصول، فلا يمكن أن نتغاضى عن الأسباب التي قامت من أجلها، يجب عدم الاستكانة للمجتمع الدولي في الحل، فالمجتمع الغربي الذي يدعي البحث عن حقوق الإنسان والمهنية، يكيل بمكيالين في القضية الفلسطنية، لدرجة أن الإعلام الغربي يعاقب العاملين به لمجرد رأي في بوست على وسائل التواصل الإجتماعي يساند الفلسطنين، أي حل وأي عدل ننتظره من مجتمع يبحث عن مصالحه فقط حتى لو كانت على دماء أبنائنا؟!!. ويبقى أن الشعب السوداني هو الوحيد السيد وصاحب القرار في الحل، وأن كل الشخصيات السياسية والعسكرية ينبغي أن تتوارى بعد فشل ذريع، وأن تدع الفرصة لشخصيات وطنية أخرى حريصة على مصلحة هذا الوطن العزيز.