مكي المغربي
بعد اطلاع عاجل على الاتفاق الثاني في جدة وجدته لا يضمن أي سلام عاجل في الخرطوم، وأعتقد أننا سنضيع الزمن والجهد إذا لم ننتبه الى تحديات تشغيل “الدولة السودانية” أكثر من أي مسار آخر.
لا يوجد عاقل يرفض السلام، ولا يمكن لاي حكومة أن ترفض فكرة أن تنال بالمفاوضات حوالي 80-90 بالمئة مما كنت تود تحقيقه بنسبة 100 بالمئة بالحرب، ولكن ما يحدث حاليا لا يساوي ولا 15 بالمئة، بل هو تقنين للحسم العسكري في أفضل الأحوال.
هنالك ثغرات كثيرة في اتفاق جدة الثاني، ومنها أنه يضغط على (الدعم السريع) ليسمح بعودة المواطنين وستكون قواته مراقبة، بينما سيكون الكثير من مسلحي الدعم محتلين للبيوت ومتحصنين بها من الجيش ولا يثقون في قيادتهم (المشكوك في وجودها) اذا طلبت منهم الالتزام بالاتفاق.
أيضا، هل تظنون أنه لن تكون اشتباكات بين مواطنين مسلحين وافراد دعم سريع بعد فقدان الدعم السريع للقيادة الموحدة والغطاء الدولي أو الاقليمي ودخولهم في وصف (قيد التصفية)؟ أنا في تجربة نزوح داخلي التقيت أكثر من شخص يسألون عن أسعار واماكن تواجد السلاح، واحدهم هاتفني أنه اشترى سلاحا هو وابنه وشقيقه ولن يغادر بيته وسينال منهم جزاء لما نهبوه منه.
تحرشات قوات الدعم السريع برموز سياسية وصلت حد الاختطاف والاعتقال مثل دكتور الجزولي واللواء أنس عمر تعني اقتراب مواجهة من نوع آخر.
من أكبر الثغرات أن هذه القوات لم تعد لديها قيادة مسيطرة ولا مركز تحكم، وهنالك رغبة كبيرة لدى أفرادها لهروب غير منتظم خوفا من الدعم السريع نفسه وليس الجيش فقط.
كيف يتم تمييز الهروب غير المنتظم من اعادة الإنتشار ومن موجات الاجرام.
وقبل كل هذه الثغرات هنالك مهلة 48 ساعة قبل سريان وقف اطلاق النار، وهي فترة للأسف اقرب إلى “خم الرماد” بل وأسوأ منه لأن بقايا الدعم السريع ستتحرك لكسب مواقع وستعزز وجودها في المرافق تحت مزاعم ضرب الجيش لها عند الخروج.
لن يكون هنالك اتفاق ناجح ما لم ينص صراحة على تجميع ما تبقى من قوات الدعم السريع في معسكر واحد بغرض الدمج والتسريح فقط وليس (اعادة الانتاج) أو خزعبلات سياسية أخرى تتمناها جماعة “قحت” والدول الآثمة المعتدية على وطنا الغالي.
ربما يكون هذا الأمر (التجميع) مقبولا الان، ولكن بعد أيام اذا استمرت انتهاكات الدعم السريع لحقوق المواطنين سيرون هذا الحل تستر من الدولة على المجرمين وسيكون هنالك غضب شعبي بسبب تحويل محتلي بيوتهم الى حماة البلد.
الجيش الآن موحد تماما على رفض وجود دعم سريع ولا حتى حركة مسلحة لديها اتفاقية في الخرطوم، ولذلك خرج مناوي بقواته لدارفور، وقبلها دمج عقار قواته في الجيش، ويقال أن العدل والمساواة في الطريق.
لم يعد مقبولا اطلاقا وجود أي (حركة – جماعة – مليشيا) مسلحة موازية للقوات المسلحة السودانية.
اتفاق جدة يؤكد أن الحسم العسكري سيستمر ومعه خسارات فادحة وأن هنالك ‘تحدي جديد” بنهاية (النسخة النظامية) للدعم السريع وبداية ظهور (النسخة المدنية) لها، وهم الفلول المنتشرون في الأحياء والذين سيواصلون الهروب وسيتحول بعضهم مجرمين مقيمين في أحشاء المدينة وقاعها وضواحيها.
اذن أمام الخرطوم مشوار طويل نحو الاستقرار.
حكومة السودان يجب أن تنتبه لملأ الفراغ في 17 ولاية بصلاحيات أوسع للولايات، بدئا من الاجراءات في تأشيرات الدخول واصدار الاواراق والوثائق وتشغيل المطارات (لدينا 15 ولاية حدودية وقد تعطل مطار الخرطوم)
بالأضافة الى اجراءات تحفيز عاجلة لتركيب وتشغيل المصانع للسلع الضرورية.
مثلا، إذا كان من الممكن استيراد مصنع قوارير بلاستيك اليوم وتشغيله في اسبوعين لأن التقانة فيه واضحة وساهلة، أليس هذا أفضل من استيراد مياه -نعم السودان يستورد مياه- معبأة من مصر أو اثيوبيا أو تشاد.
صناعات التعبئة والتغليف هي أصلا بسيطة وسهلة ويمكن أن تتم في المنازل فكيف لا نحفز الولايات للشروع فيها فورا.
نحتاج لحلول ادارية مؤقتة تشمل تفويض القائم بأمر مجلس الوزراء صلاحيات بعينها للولاة دون أي تردد ولا تسويف.
يجب على المشرف على الجهاز التنفيذي رجل الجيش القوي الفريق شمس الدين كباشي أن يشرف بصورة مباشرة على الجهاز التنفيذي في الولايات لانه هو الجهاز التنفيذي الاتحادي الان، لأن الصلاحيات الممارسة اتحادية يتم تطبيقها في الولايات، ولا صلة لها بتقسيمات اعضاء مجلس السيادة المشرفين على الولايات.
الولايات تتحمل الان فاتورة الحرب و فراغ “الخرطوم” يجب أن نساعدها في القيام بدورها.
دعوا المفاوضين السودان اللواء محجوب واللواء فقيري والسفير عمر صديق والوفد الفني المرافق لهم يقوموا بدورهم، لا تثريب عليهم، ولكن الدولة مسئولية الحكومة وليست مسئوليتهم ولا مسئولية جدة.