د. ابراهيم الصديق
(1)
تقرير قناة سكاى نيوز أكبر من مجرد تقرير عابر على قناة تلفزيونية ، إنه منطلق ومؤشر لسياسات وتوجهات وظفت لها الكثير من الأدوات الخبيثة والقبيحة.. القضية اكبر من مذيعة ، ربما الصدفة وحدها وضعت الزميلة تسابيح مبارك هناك ، وربما بتدببر متعمد لإكمال المشهد ، ولكن ذلك ليس لب الموضوع وإنما السؤال الأهم: (كيف سقطت قناة كبيرة فى اسمها ودورها فى هذا المستنقع من الكذب والتضليل والتزييف ، بل وتصالحت معه دون ان تعتذر أو تصحح ؟) وهذا جوهر القضية وليس وجود مذيعة فى المشهد ، بينما العشرات من السياسيين والناشطين يلوكون ذات الأقوال ويقومون بذات الادوار ليل ونهار ، دون ان يرجف لهم جفن ، لقد تربصوا انتظارا لما يوؤل له الحال فى مسيد الشيخ الأمين وحين خاب فألهم أختبأوا خلف ما اسموه نبش القبور فى مسجد قريب الله ، ولا يغلبهم الإرجاف فهم من طينة المرجفين حديثما حلوا.. ولذلك اظن الذين دبروا قضية تقرير قناة سكاى نيوز يشعرون بالارتياح لانصراف الانتقادات عنهم ومهاجمة الزميلة تسابيح وهذا جزء من حملة التوظيف لضمان التهديف خارج المرمى وبعيدا عن المجرم الحقيقي .. كيف جاز لهم استجلاب فيلم قديم دون حتى تغيير يذكر لتوجيه اتهام خطير لوطن وشعب دون ان يرجف لهم جفن؟ هل بلغ العداء والاستهداف للسودان هذه الدرجة من البؤس ؟.. هذا هو السؤال الجوهري الذي ينبغي أن ننظر إليه ونتعامل معه ؟ هل تذكرون ما ورد على لسان نائب مندوب السودان بالأمم المتحدة حينها الحارث إدريس حين أشار إلى تداول الفيديو المنتزع عن الاسير محمد الجزولى وتبين أن من يتولى كبر ذلك هو فولكر بيريتس ، وما زالوا يلوكون ذات الإتهامات الفجة ؟ هل تتذكرون أن حصارا تم وبوادر حرب على دولة قطر وبناءا على تصريحات منسوبة لوكالة قطر بعد أن تم تهكيرها ؟.. وهذا ما يجري الترتيب له والعمل عليه دون كلل ، فلا تتركوا الفيل والقضية الأساسية وتنشغلوا بالمذيعة السودانية..
(2)
ثلاث دروس لابد من الانتباه لها فى هذا التقرير وما سبقه و ما تلاه: أولا: إن العداء للسودان اتخذ مسارات متعددة واحدة منها الحرب الجارية الآن وقد تم توظيف مقدرات كثيرة لها ، واخري على جانب سياسي ودبلوماسي فى منابر دولية واممية ، وقد تصاعدت بعد افصاح السودان وتقديمه شكوى ضد دولة الإمارات العربية المتحدة وهذه النقطة الأساسية التى ينبغي أن نصوب لها جهدنا وقدراتنا .. وهذا التقرير وغيره سيتم تسريبه لمطابخ صناعة قرار ومراكز ضغط للعمل عليه ، لن يجتهدوا فى الإستقصاء ، ولذلك علينا فضح هذا الأمر ، من إدارة المعركة اعلاميا وقانونيا ودبلوماسيا ومن خلال قنوات رسمية أو شعبية.. وثانيا: هذه الحساسية الكبيرة لدى السودانيين لكل ما يمس وطنهم ، مع عدم وجود توظيف واضح لهذا الوعى مما يشتت الجهد ويهدر الطاقة فيما لا يفيد ، وجهوا اقلامكم وقدراتكم للقضية الأساسية ، وكل ذلك مع غياب القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة فى التنوير وادارة الوعى.. وثالثا: العقل الآحادي وحالة الإنكار ، فالقوى السياسية ونخص هنا قحت ، والتى استخدمت كل الوسائل الصدئة والردئية فى مهاجمة الآخرين طيلة معارضتها للانقاذ ، هي اليوم من تتحدث وتبحث عن القيم والمعايير والابتعاد عن هذا وذاك ؟ ذات القوى التى تبيح النكت فى حياة الناس وانشأت لذلك مجموعات شهيرة ، هى ذاتها اليوم من تعاني من لظى الجمر ولذلك تظل دعوتنا جهيرة ، لا تؤسسوا مواقفكم على مبدأ (استباحة الآخرين فى حقهم وحياتهم الخاصة) ، وإلا فإن الدائرة ستدور عليكم ، وهذه مناسبة لندعو للابتعاد عن الحديث عن حياة المذيعة الشخصية وأي شخص آخر مخالف ، ذلك شأن ينبغي أن لا نخوض فيه.. ركزوا على الفيل وليس الظلال والحواش .. حفظ الله البلاد والعباد
ابريل 2024م