(1)
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن من أكبر أخطاء القوى السياسية السودانية فى العقود الأخيرة خطوة (تقدم) بتوقيع إعلان مبادىء مع مليشيا الدعم السريع ، واعتبار الحرب فى السودان محاولة قطع الطريق على (ثورة ديسمبر 2018م) ، وهو موقف أصبح جزءاً من خطاب (تقدم) وقادتها ، وكانت تلك محاولة لاعطاء تمرد المليشيا مشروعية سياسية واخلاقية ، وكانت تلك قراءة خاطئة كلياً وتوصيف خاطىء ، وسنأتي على نتائجه ودلالاته بإذن الله ، وبذات القدر فإن من الخطل مسايرة ذات التفكير الفطير واعتبار (تغيير ديسمبر 2018م ) معادل لحرب وتمرد مليشيا آل دقلو الارهابية ، ووضع التمرد على الدولة السودانية ومحاولة تفتيتها وتفكيكها والحديث عن المسار السياسي والمدني فى ثلة واحدة.. هذا خلط للاوراق تم التخطيط له بدقة وتعامل معه البعض دون وعى..
صحيح أن البيئة السياسية ما بعد 2018م مهدت للكثير من الاجندة والأطماع الأجنبية ، ووفرت ظروف تحقيق احلام السيطرة على موارد السودان من بعض القوى ذات (الأفق الساذج والثروة اللامحدودة) وربما وربما فاعلين آخرين وكل المخطط (تفكيك السودان واعادة البناء وفق معايير وشروط جديدة) ، وليس من بين ذلك اشاعة الديمقراطية أو المسار السياسي والمدني ، وإنما فرض الاجندة مهما كان الأمر ولذلك استعانوا ببندقية البلهاء والرعاع ، وتلاقت اجندة الخبث فى (فولكر ومن وراءه) و (أوهام دولة العطاوة).. ولا مكان هنا للمسار المدني أو الديمقراطي..
(2)
فى 13 ابريل2019م ، سلمني الأخ الدكتور عبدالرحمن الخضر ، مسودة أول بيان للحزب بعد التغيير أول شطر فيه (نتفهم دواعي ومبررات ما حدث) ، وكان ذلك منظور متقدم ، وعززه مقترح بروفيسور ابراهيم غندور حين اقترح مفهوم (المعارضة المساندة) ، وكلها توجهات فى إتجاه التعامل مع الواقع وظرفياته وليس نصب العداء له أو مواجهته..
من حق التيار الاسلامي والوطني اخضاع تجربته للمراجعة والتقييم ، والخروج بالخلاصات ، ولكن ليس من بينها معاداة تغيير 2019م ، وإنما التعامل مع نتائجه ، لقد ذهبت الإنقاذ لأنها استنفدت اسباب الاستمرارية ، وكل ما فعلته تطورات 2018م – 2019م هو هز الشجرة التى أكل السوس جذورها..
ودون أن نخوض فى بقية التفاصيل ، فهذه حقيقة الأمر..
وكون ذلك الظرف استغله طرف أو أطراف أخرى ، فهذا مربط الفرس والتحدي الأكبر ، وقد واجهه كل أهل السودان فى خندق واحد ، عنوانه الأهم (معركة الكرامة).. وهو ما ينبغي أن نبني عليه.. هنا صفحة جديدة..
(3)
وما ينبغي ادراكه أن واقعاً جديداً بدأ يتشكل ، وابرزه وعى المجتمع بتحدياته ، وإهتماماته ، أكثر من التحيزات السياسية أو الارتباط التنظيمي ، وهذا فى العرف السياسي والاجتماعي يعنى (عقد اجتماعي) جديد ، مؤسس على مصالح متحكمة فيها ومدركة وليس مجرد اوهام أو إدعاءات ساذجة..
أول ملامح المرحلة القادمة هو موقعك ودورك فى المرحلة الصعبة والامتحان العسير ، حين كان الوطن فى المحك والقلوب قد بلغت الحناجر.. هذا مدخل مهم وعلى رأسه المؤسسة العسكرية ووصولاً حتى للتشكيلات ولجان المقاومة والمدافعة فى القرى والحلال ، هنا الأمر مختلف كلياً عن ضجيج الميديا ومبررات الاجندة المتلاعب بها..
وثانيها: أن الحلول والخيارات محلية كلياً ، فقد عبثت الاجندة والأطماع الأجنبية بالوطن ، وخلال الفترة ما بين 2018م – 2023م كانت مهامها ووظائفها اشعال الحرائق وتوظيف بعض المغامرين من النشطاء والبؤساء فى اداء مهام كورالية..
وثالثها: أن المعارك الكبيرة (تصنع) أبطالها ، كما (تبرز) قادتها ، لا يمكن تجاوز ذلك سواء فى المجتمعات الصغيرة وعلى المستوى العام ، وهذا يعني بالضرورة إطفاء (نجومية) بعض الانتهازيين والمتسلقين.
(4)
ولهذا السبب فإن بعض القوى السياسية المنبوذة شعبياً حاولت الزج بقضية تغيير سبتمبر 2019م ، فى هذه الحرب ، وفى مقدمة إعلان اديس ابابا يناير 2024م بين تقدم ومليشيا آل دقلو ما يلي (اﯾﻤﺎﻧًﺎ ﻣﻨﺎ ﺑﺄن ﺣﺮب اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸــﺮ ﻣﻦ أﺑﺮﯾﻞ ھﻲ آﺧﺮ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ﺳــﻠﺴــﻠﺔ اﻟﻤﺤﺎوﻻت اﻟﻔﺎﺷــﻠﺔ ﻟﻘﻄﻊ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴــﺎر ﺛﻮرة دﯾﺴــﻤﺒﺮ اﻟﻤﺠﯿﺪة) ، وهكذا وضعوا مبرراً للحرب وشرعية زائفة للمليشيا وشعاراتها ، وهذا موقف مخزي فى السياسة السودانية وأحد أكثر الوقائع التاريخية عاراً ..
وعلى القوى الوطنية والاسلامية التجافي عن هذا (الكمين) ، هذه الحرب كانت غزو أجنبي ومؤامرة بأبعاد دولية واقليمية ، ومواجهتها للحفاظ على الوطن واهله وارضه وموارده وليس للكسب السياسي أو البحث عن عودة هذا أو ذاك.. تلك قضية سياسية لها وسائلها ومساراتها.. فلا تخلطوا الاوراق..
معركة الكرامة معركة وطن وشعب.. من شارك فيها بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الجهة ، فقد استحق معني الوطنية والشرف ومن ناصر مليشيا آل دقلو الارهابية يكون قد فقد اهليته السياسية واصبح فى دائرة (خائن) للوطن.. ويتبع