قضايا وتقارير وحوارات

تبقى أسبوع من القمة الأفريقية : •استمرار تجميد أنشطة السودان بالاتحاد الأفريقي إلى متى؟ • ضعف التواصل مع الاتحاد الأفريقي.. والمواقف غير الودية تجاه المفوضبة.. وضعف الدبلوماسية تعرقل عودة السودان

قمة الاتحاد الأفريقي رقم (34)

كتب : المحرر الدبلوماسي ل “الرواية الأولى”
تبقى أسبوع من قمة الاتحاد الأفريقي رقم 35 التي تستضيفها أديس أبابا. ومن المرجح ألا يشارك السودان في هذه القمة بسبب أن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي في 28 أكتوبر 2021 بتجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ما يزال ساريا، على الرغم من ترحيب الاتحاد الأفريقي بالاتفاق السياسي الذي وقعه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مع رئيس مجلس الوزراء المستقيل د. عبد الله حمدوك. حيث اعتبر ذلك بمثابة خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية الراهنة في البلاد.
وكان مفوض السلم والأمن الأفريقي ادوي بانكولي زار السودان قبل أسبوعين وعقد لقاءات مع رئيس مجلس السيادة وأطراف سياسية في البلاد، قدم خلالها رؤيته لتجاوز الأزمة وأبدى استعداد الاتحاد الأفريقي لدعم التوافق السياسي بين الأطراف المختلفة في السودان. كما دعا مجلس السيادة الإنتقالي إلى إشراك الاتحاد الأفريقي في المبادرة التي قدمها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان رئيس بعثة يونيتامس فولكر برتس في العاشر من هذا الشهر.
وتتطلب مشاركة السودان في القمة الأفريقية انعقاد أجتماع لمجلس السلم والأمن الأفريقي لبحث الموضوع واتخاذ قرار برفع تجميد أنشطة السودان في الاتحاد الأفريقي.

إزدواج المعايير :

ويرى خبراء قانونيون أن استمرار تجميد أنشطة السودان في الاتحاد الأفريقي يعكس من ناحية ازدواج المعايير لدى المنظمة القارية، وعدم بذل الدبلوماسية السودانية ما يكفي من جهود لرفع التجميد، من ناحية أخرى.
فالمادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي تنص بالا يسمح للحكومات التي تصل للسلطة بطريقة غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الإتحاد. وهذا لا ينطبق على الوضع في السودان. إذ أن الفريق أول البرهان يتولى رئاسة مجلس السيادة بموجب الوثيقة الدستورية التي وقعت بوساطة من الاتحاد الأفريقي نفسه في 27 أغسطس 2019، تم التأكيد على ذلك في الاتفاق السياسي يوم 21 نوفمبر 2021. أما رئيس الوزراء السابق، فلم تتم إقالته، وإنما استقال برغبته في الثاني من هذا الشهر بعد 6 أسابيع من توقيعه علي الاتفاق السياسي، الذي رحب به الاتحاد الأفريقي، والذي لا يزال يمثل أطارا قانونيا صالحا للحل السياسي.

تعاطي سياسي ام قانوني؟ :

ومما يوضح حقيقة التعاطي السياسي لا القانوني للاتحاد الافريقي مع الأوضاع في السودان أنه لم يجمد أنشطة السودان في 11ابريل 2019 بعد بيان الفريق أول عوض ابن عوف، والذي خلع بموجبه المشير عمر البشير من رئاسة الجمهورية وجمد العمل بدستور 2005 و نصب نفسه رئيسا للمجلس العسكري الإنتقالي، قبل أن يتنازل عن الرئاسة للفريق أول عبد الفتاح البرهان. وبموجب المادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي فهذا نموذج واضح للاستيلاء على السلطة بوسيلة غير دستورية. إلا أن الاتحاد الأفريقي جمد عضوية السودان في السادس من يونيو 2019، بعد أحداث فض اعتصام القيادة العامة قبل ثلاثة أيام من ذلك التاريخ. وعلى الرغم من حجم حدث فض الاعتصام وما أسفر عنه من خسائر فادحة في الأرواح، إلا أنه لم يمثل بحد ذاته استيلاء على السلطة بوسيلة غير دستورية.


نموذجا تشاد ومصر:

الجنرال محمد ديبي

كما أن الإتحاد الأفريقي لم يجمد عضوية تشاد بعد أن سمي محمد ديبي نفسه رئيسا ل”المجلس العسكري الإنتقالي” في أبريل 2021، عقب مقتل والده الرئيس إدريس ديبي، مع ان الدستور التشادي ينص في حالة وفاة رئيس الجمهورية على أن يتولى رئيس البرلمان رئاسة البلاد لفترة مؤقتة لحين إجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد للجمهورية. ولا وجود لمجلس عسكري انتقالي في الدستور التشادي. وبالتالي فإن هذا يعتبر حالة واضحة للاستيلاء على السلطة بوسيلة غير دستورية.
وأعاد الاتحاد الأفريقي عضوية مصر في يونيو2014 التي جمدها في يوليو 2013، عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي الذي أمضى عاما واحدا من فترته الرئاسية. حدث ذلك بعد أن أجريت انتخابات رئاسية في مايو 2014، بلغت نسبة التصويت فيها 47% صوت حوالي 97% للسيسي ، واعتبرها الاتحاد الأفريقي كافية لفك تجميد عضوية مصر.

الأزمات الدستورية في تونس وإثيوبيا والصومال:

أبي أحمد أجل انتخبات أغسطس 2020

كذلك لم يتدخل الاتحاد الأفريقي في الأزمات السياسية والدستورية التي شهدتها عدة دول أفريقية، مثل الأزمة في أثيوبيا بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أغسطس 2020، وانتهاء التفويض الانتخابي لحكومة ابيي أحمد في سبتمبر من ذات السنة مما حدا بأقليم تقراي اعتبار أن الحكومة الإثيوبية الاتحادية فقدت شرعيتها وطلب من الاتحاد الأفريقي التدخل، ونظم انتخابات إقليمية منفردة في سبتمبر 2020، مما أدي لنشوب حرب داخلية في نوفمبر 2020 تجددت في يونيو 2022 واستمرت حتى ديسمبر الماضي لم يتدخل فيها الإتحاد الأفريقي ولا مجلس السلم والأمن التابع له، رغم أنها مثلت ولا تزال احد أكبر التهديدات للأمن الإقليمي وشهدت فظائع عديدة، أدت لاتهام أطرافها بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي.
ولم يتدخل الاتحاد الأفريقي في الأزمة الدستورية والسياسية في تونس بعد ما يصفه البعض بانقلاب الرئيس قيس سعيد على الدستور بتجميد البرلمان المنتخب وإعلانه حالة الطوارئ وتعليق العديد من الحريات الأساسية.
أيضا لم يتدخل الاتحاد الأفريقي في الأزمة بين الرئيس الصومالي على مدى الأشهر الماضية والتي شهدت تجميد الرئيس لصلاحيات رئيس الوزراء غير ما مرة، وتهدد بعودة البلاد للحرب الأهلية وعرقلة الانتخابات المقررة.
إذن لماذا يتشدد الاتحاد الأفريقي في موقفه من تطورات الأزمة الدستورية والسياسية في السودان؟ ربما يجيب البعض أن السبب هو وقوع عدد كبير من الضحايا (ضحايا فض الاعتصام، وضحايا المظاهرات منذ 25 أكتوبر 2021). لكن حتى بهذا المقياس فإن ضحايا الاحتجاجات التي شهدتها أثيوبيا حتى قبل انفجار الحرب الأخيرة مماثل أو يفوق عدد الضحايا في السودان، دعك من ضحايا الحرب الذين يقدرون بعدة آلاف ونزوح ولجوء بضعة ملايين إلى جانب تهديد المجاعة لعدة ملايين من السكان جراء المواجهات والأزمة السياسية.

أخطاء سياسية ودبلوماسية :

جزء من الإجابة هو ضعف تواصل الحكومة الانتقالية في السابق وحاليا مع الاتحاد الأفريقي، بل واستعدائها له في بعض الأحيان. فمثلا عندما طلب رئيس الوزراء السابق في ديسمبر 2019 استقدام بعثة سياسية من الأمم المتحدة للبلاد، والتي لم يكن قد تشاور حولها حتى مع مجلس وزرائه أو في مجلس السيادة، لم تعلم مفوضية الاتحاد الأفريقي بالأمر إلا من الإعلام، في وقت كان لا يزال الاتحاد الأفريقي يتحمل المسؤولية الكبرى في بعثة يوناميد، فضلا عن دوره في الوصول للاتفاق السياسي حول الفترة الانتقالية وتوقيع الوثيقة الدستورية في أغسظس 2019. ولم تقبل قيادة الاتحاد الأفريقي أن تكون آخر من يعلم بطلب السودان إرسال بعتة جديدة من الأمم المتحدة، لا دور للاتحاد فيها.حتي ولو من باب اختيار شخصية أفريقية لقيادته، بدلا من المرشحين الفرنسي والألماني اللذين كانت الحكومة السودانية تفاضل بينهما.
أيضا كان لموقف السودان من وساطة الآتحاد الأفريقي في قضية سد النهضة والانتقادات العلنية لوزير الري السابق لدور الاتحاد في القضية، وسعى السودان لنقل الملف لمجلس الأمن الدولي، تأثيره السلبي على العلاقة مع مفوضية الاتحاد الأفريقي. وقد نجحت الدبلوماسية الأثيوبية في تصوير السودان ومصر بأنهما يرفضان مبدأ الحلول الأفريقية للقضايا الأفريقية.
كما أن الضغوط التي مارستها الحكومة السودانية بقيادة د. حمدوك على مفوضية الاتحاد الأفريقي لإقالة مفوضة الشؤون الاجتماعية السابقة، أميرة الفاضل، بما يخالف نظم الاتحاد، وتعرض المفوضة لمضايقات ومحاولة منعها من السفر بعد زيارتها السودان في مهمة خاصة بالاتحاد الأفريقي رغم الحصانة التي تحظى بها بحكم منصبها ، أثارت استياء كبار المسؤولين بالمنظمة القارية، ورأوا فيها مساسا بمكانة المفوضية التي هي بمثابة نواة لحكومة لكل القارة. هذا مع العلم بأن المفوضة أميرة الفاضل تحظى باحترام كبير في أوساط الاتحاد الأفريقي وكان هناك استعداد وسط الدول الأعضاء للتمديد لها في منصبها. لدورة ثانية كما جرى العرف، لولا رفض الحكومة السودانية، والتي قدمت مرشحة بديلة لها لم تتجاز مرحلة الفحص الأولى لمؤهلات الترشيح، مما أضطر الدول الأعضاء للتمديد لاميرة الفاضل في منصبها لمدة 6 شهور لحين انتخاب مفوضة جديدة من بوركينا فاسو. وتعتبر السيدة أميرة الفاضل اول سوداني ينتخب لموقع رفيع في الاتحاد الأفريقي أو سابقته منظمة الوحدة الأفريقية منذ تأسيسها في 1964.

بين مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن والأفريقي :

ومن المهم هنا ملاحظة الدور الكبير الذي تلعبه بيروقراطية الاتحاد الأفريقي، خاصة مفوضية السلم والشؤون السياسية بالاتحاد، في بلورة وصياغة قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي. فخلافا لما يجري في مجلس الأمن الدولي، حيث أن مشروعات القرارات تطرح للتداول بين الأعضاء وتستطيع الدول المعنية التأثير فيها حتى ولو لم تكن أعضاء بالمجلس عن طريق أصدقائها وحلفائها، فإن قرارات مجلس السلم والأمن تحاط بقدر من السرية ولا يمكن للدول المتأثرة في كثير من الأحيان معرفة اتجاهات قرارات مجلس السلم والأمن قبل صدورها.
لكل هذه الأسباب فإن رفع تجميد أنشطة السودان في الاتحاد الأفريقي قبل انعقاد القمة الأفريقية القادمة سيكون صعبا، ما لم تحدث تحولات درامية ومفاجئة فيما تبقى من أيام. إلا أن ذلك لا يقلل من جدوى إرسال وفد سياسي ودبلوماسية رفيع لاديس أبابا، أثناء القمة الأفريقية، لإجراء اتصالات مع الاعضاء المؤثرين في الأتحاد الأفريقي والمفوضية نحو استعادة العضوية الكاملة السودان بالمنظمة القارية.

اترك رد

error: Content is protected !!