تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علي مؤسسات التنشئة الاجتماعية في السودان: جماعة الأقران (الرفاق) أنموذجا 3-3
تعرضت الحلقة الأولي للحديث بصورة مختصرة عن مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة بالتركيز علي جماعة الأقران (الرفاق) لأهميتها في التنشئة خاصة في ظل في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علي هذه الفئة العمرية، في الحلقة الثانية دار الحديث عن نسبة الفئات العمرية في السودان ونسبة استخدام الانترنت و تأثير وسائل التواصل علي جماعة الأقران التقليدية بصورة عامة، نستعرض في هذه الحلقة الأخيرة بشئ من التفصيل التغيرات التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي علي جماعة الأقران (الرفاق) و مقترحات للتعاطي مع تلك التغيرات.
التغيرات التي طرأت علي علي جماعة الأقران أو الرفاق التقليدية بسبب تأثير وسائل الاجتماعي -حسب دراسة د. للدكتور ماجد محمد الزيودي تحت عنوان: ” تطور جماعة الرفاق في المجتمعات العربية المعاصرة ودلالاتها التربوية:رؤية معاصرة”- أخذت أشكالا متعددة و يمكن إسقاطها علي واقع التغيرات التي ربما طرأت أو ستطرأ علي جماعة الأقران التقليدية في السودان من عدة أطر علي النحو التالي:
• تحول الأطر الثقافية المرجعية الحاكمة لجماعة الأقران أو الرفاق الحديثة من المحلية إلي مرجعيات ثقافية عالمية أو (معولمة) وبالتالي يصعب التحكم في نوعية التواصل وأطره ومرجعيته مما يجعل تأثير عوامل خارجية ذات توجهات معينة وارد، بمعني أنه في السابق كانت المرجعية هي أعراف وتقاليد الأسرة (خاصة الوالدين)، المناهج المدرسية، الا أن هذا تغير بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي هنالك فرص كبيرة جدة للتعرض لتيارات فكرية، تربوية، دينية مما يجعل لها ربما دور سالب ومناهض لقيم أو حتي دين المجتمع لذلك يكثر الحديث في السودان حاليا عن عن وجود الإلحاد و الراستات الخ…..
• تلاشي الحيز المكاني: إذا كانت نشاطات جماعة الرفاق التقليدية في السابق تتم عبر الحيز المكاني المحدد (المحلي) في إطار جغرافي محدد (الحي، المدرسة أو اللقاءات الأسرية، فإنه توسع ليصبح سياق عالمي (أو سياق اللامكان) بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بالفضاء الإفتراضي.
• تلاشي الحيز الزماني: السياق الزماني أو الحدود الحاكمة للقاء وتفاعلات جماعة الأقران تغير من المحدد زمنيا إلي سياق مفتوح زمنيا (أو سياق اللازمان)، ففي السابق تتحكم الأسرة في الزمن الذي يقضيه الأقران في التواصل الذي يتم أثناء زمن المدرسة أو اللعب أو التواصل بين الأقران أثناء فترات العصريات و وفقا للقيود التي تضعها الأسرة مثل تحديد موعد محدد للعب و بزمن محدد وكذلك زمن محدد للنوم، إلا أن ذلك تغير بسبب وسائل التواصل فيكفي للتواصل وجود هاتف ذكي أو خدمة نت ليتم التواصل دون قيود زمنية ما لم لم يكن للأسرة قيود صارمة علي إمتلاك أو استخدام هذه الأجهزة.
• الفئة العمرية: التحول من شرط التوافق العمري في عضوية هذه الجماعات الي اعمار متفاوتة مقارنة بما كان في السابق حيث يتم حسم مسألة التوافق العمري في التواصل واللعب مع الأقران أو الرفاق المتناسبين عمريا بواسطة تدخل الأهل عن طريق تحديد الفئة العمرية التي يتعامل معها أبنائهم، وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت بما يعرف بالصداقة الإلكترونية التي يصعب فيها التحقق من الفئة العمرية أو صِديقة من يتعاملون مع بعضها بعضا،حيث يصعب التحقق من العمر أو الهوية أو الجندر ويكثر استخدام الأسماء أو الشخصيات المستعارة مما يسهل امكانية الوقوع في مشكلات تخالف مورث التنشئة الاجتماعية في المجتمع.
• تغير العلاقات الجندرية: في السابق هنالك جماعة أقران للذكور وأخري للإناث ولكل منهم اهتماماته وطرق تعامله المناسبة مع نوعه و ارثه ولكنها تغيرت في جماعة الأقران الإفتراضية و أصبحت مشتركة بين الاناث والذكور، بالنسبة لهذه الجماعات الافتراضية فإنه ليس هنالك ثمة مشكلة أو قيود في التواصل أو نوعية موضوعات التواصل طالما أن اللقاء والتفاعل لن يتم حضوريا بل عبر الفضاء الإفتراضي الذي يتيح إمكانية تبادل الصور والفديوهات وفي كثير من الأحيان المحادثات المباشرة بالصوت والصورة. مثل هذا النوع من التواصل غالبا ما يتم بعيدا عن رقابة الأهل مع ملاحظة مقدرة الأقران علي إخفائه أو التحكم فيه مما قد يؤدي إلي مشكلات تربوية واجتماعية خطيرة جدا تغير العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة وخارجها.
مهما قيل مما ذكر اعلاه، فإن تأثير تلك الوسائل اضحي ملموسا للعيان، ربما لا ينطبق ذلك التأثير علي كل جماعة الأقران أو الرفاق في كل إنحاء السودان المترامي الأطراف في ظل وجود تفاوت في توفر البني التحتية للإنترنت و المقدرة المالية لكل المجتمع في السودان علي إقتناء الأجهزة الذكية، لكن التحدي لا يزال قائما، وسيظل التأثير المباشر وغير المباشر لوسائل التواصل الاجتماعي ممكنا و ربما يطال نسبة كبيرة من جماعة الأقران أو الرفاق في السودان حتي في الأطراف النائية.
من أكبر تحديات التنشئة الاجتماعية في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، ان هذه الوسائل حدت من السلطة الرقابية الأسرية أو الوالدية علي جماعات الأقران. مثلا الجماعة التقليدية تتيح رقابة عينية حسية صارمة من حيث زمن اللقاء ومكانه وعضويته وجنسه ونوعية التواصل الذي يتم بين الرفاق الا ان ذلك تغير بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، و علي الرغم من امكانية فرض رقابة إلكترونية تقنية عبر استخدام برامج الرقابة الالكترونية أو تحديد مستوي المادة التي تمكن من الرقابة، إلا أنه من احدي اشكالات الرقابة الالكترونية أنه يصعب تطبيقها في أحايين كثيرة عندما تكون الأسرة في حالة عجز تقني إلكتروني او في حالة عدم إلمام الأهل أو الأسر بطريقة وكيفية عمل و فرض هذه الرقابة الإلكترونية التقنية.
في ظل الظروف المذكورة آنفا و مع وجود التطور التقني المتسارع الذي أصبح سمت العصر، فإنه يصعب فرض عزلة أو حرمان الأقران أو الرفاق من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بل ينبغي تشجيعهم علي استخدامها مع العمل علي التوعية والتنشئة السليمة التي تجعل من المجتمع السوداني مواطنيين صالحين، قادرين على مواجهة أعاصير التغيّر العالمية بحيث يتم ذلك عبر عدة طربق منها:
• علي صانعي السياسات في السودان إعداد مؤسسات وقطاعات المجتمع المختلفة للعمل علي صون المجتمع من الشقاق وحماية أفراده من الفتن والتأثيرت المضرة التي تأتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس عبر الكبت أو الحرمان بل بمحو الأمية الإلكترونية وتعلم اللغات الأجنبية ونشر الوعي بقيم المجتمع السوداني و مورثاته.
• الإهتمام بما يُعرف حديثا بالمواطنة الرقمية ووضعها ضمن المناهج الدراسية في كل المراحل التعليمية. والمواطنة الرقمية تعني مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا خاصة التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المواطنة الرقمية يحتاجها المواطنين صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن، المواطنة الرقمية باختصار هي توجيه وحماية: توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها. أو باختصار أكبر هي التعامل الذكي مع التكنولوجيا الحديثة.