الرأي

بل إحسانٌ ممنهج ..!!

بقلم : د. إدريس ليمان
تستشعر الشرطة دوماً مسئوليتها تجاه الواقع الذى تعيشه ، وتجاه الوطن الذى تفتديه بالمهج والأرواح وهذا دأبها دوماً .. وأن نجاحاتها كالشمس فى كبد السماء لا يمكن حجبها بغربال ، ولن يؤثر المشهد العام بكل قتامته على مهنيتها ومسئوليتها تجاه أمن الوطن وأمان المواطنين رغم تعالى أصوات الغاضبين عليها والشانئين والمتصيدين لأخطائها والعاجزين عن الإسهام فى معالجة عثراتها وكبواتها وتقويم إعوجاجها ( ولا تعدم الحسناء ذامَّاً ) ..!! فالشرطة فخورة ببنيها وهم فخورون بها رغم ما بها وبها وبها ..!! ولديها الثقة بأنها قادرة – ليس على مسايرة الركب – بل قادرة على التطور والتقدم والنماء .. فليس هنالك *( إجرامٌ شُرطى ممنهج ) * أيا رعاك الله ، بل إحسانٌ شُرطىٌ ممنهج ..!! فالشرطة تعمل دوماً على ( نقد ذاتها ) كعمل إيجابى يتيح لها معرفة مواطن الخلل والتجاوز بموضوعية وليس ( جلد الذات ) ذلكم السلبى الذى إرتبط باليأس والإحباط ، وهذا ما لاترتضيه الشرطة لنفسها ، ولا ترتضى لنفسها أيضاً أن تعيش ( كالهمزة ) على هامش الكلمة ، أو أن تكون منسية كعلامات الترقيم .. فهى مبنية المعلوم للكافة ، ولن تُبنى للمجهول إلاَّ تقديراً وتفرداً ..
وعندما يأتى التعميم فى إنتقاد الشرطة عند إنتقاد أى تصرف لأحد منسوبيها أو جماعةٍ منهم كأنه مقصودٌ لذاته وليس حقاً أصيلاً وهدفاً نبيلاً ومسعىً كريماً غايته الإصلاح ، فإن ذلك يشكل خطراً على المنظومة الشُرطية وعلى العملية الأمنية ، ويكون سبباً فى إثارة الرأى العام ضد شرطته .. فالوعى بأهمية التكامل بين النخبة المثقفة ورئاسة الشرطة التى تمتلك رؤية أمنية وطنية يدعونا إلى دعوة المثقفين وصُنَّاع الرأى وقادة المجتمع للإسهام الفاعل فى ترميم ما خلفَّته الأحداث من تصدعات فى جدار العلاقة بين الشرطة والمجتمع .. وأُعيد بمناسبة هذه الدعوة نشر مقال ( بتصرف ) كتبته قبل عدة أشهر عند إستشهاد كوكبة من رجال الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بمنطقة الردوم بولاية جنوب دارفور ..

فإلي نص المقال : يعتبر العقل أهم ميزة كرَّم الله بها جنس البشر عن باقى المخلوقات ، فحِفظَه مقصدٌ شرعى كُلِّى ، فكُل ما يحفظ العقل يُعتبر واجباً شرعياً ، وكُل ما يُفسِده يعتبر محرماً شرعياً .. فمن أجل ذلك كانت مكافحة المخدرات من أعظم الواجبات ، لأن فى مكافحتها مصلحةٌ للجميع .. فإن كان للمُحارِبْ الذى يأخذ أموال الناس القتل أو الصلب أو القطع من خلاف أو النفى ، فإن الذين يُفسِدونَ عقول الشباب ويُفسِدون عليهم دينهم ودنياهم أولى بتلك العقوبات .. فلئن كان من واجب الدولة فرض القوانين وسَنِّها فإن من واجب الشرطة تنفيذها وتطبيقها ، ومن واجب المواطنين الإمتثال لها .. فالدولة تُجسُّد الإرادة العامة ، والشرطة لا تستشعر المسئولية تجاه الواقع الذى يعيشه الناس ، ولا تجاه السودان الذى تفتديه بروحها فحسب .. !! بل تجاه الأجيال القادمة ومستقبل الوطن .

والمتتبع للسلوك الإجتماعى فى السنوات التى أعقبت الثورة يجد أن للحرية والسلام والعدالة معانٍ مختلفة عند جيل الشباب الذى يرى كثيرٌ من المراقبون أنه مختطفٌ عقلاً وعاطفةً .. وظلَّت تتعالى أصوات الغاضبين على الشرطة ، والكائدين المتصيدين لأخطائها الذين عجزوا عن الإسهام فى إصلاح عثراتها وكبواتها المُتوهمة سوى الهُتاف المُنكر بهيكلتها وتفكيكها بدلاً عن تقديم أنموذجاً للناقد البصير الواعى المتزن .. وظلَّت تلك الأصوات وعبر وسائل التواصل الإجتماعى تقوم بدور السَحَرة الذين يسحرون أعينَ الناس ويسترهبونهم ، فهذا التغيير الكبير الذى حدث بالسودان لم يُنبِتُه أهله نباتاً حسناً ، ولم يستثمروا فى قِيمه وشعاراته النبيلة التى صارت بِضاعةً مزجاة والكل عنها معرضون .. !! فكيف لهم أن يقطفوا ثماره اليانعة ويتمتعوا بمذاقه الطيب ..!!؟ .
لقد أزالت حادثة الردوم الفاجعة كل الأقنعة المستخدمة على خشبة مسرح العبث واللامعقول فى المشهد العام فى السودان ، فأصبح لكل أحدٍ رأيٌ وتحليل وإجتهاد لما حدث ولما تقوم به الشرطة من إجراءاتٍ منعية وتدابير إحترازية وقرارات أمنية ، والكل يناقش ويحلل ويعلق ويفسر ويقرر ويبنى ويطوى ..!! ذمَّاً وقدحاً وإتهاماً بالتقصير .. والشرطة تضغط على جُرحها وتؤثِر على نفسها وتُحلِّق بأجنحة البصيرة نحو الكمال من أجل الغايات النبيلة والسامية ، ومن أجل الإسهام فى خلق مجتمعٍ آمنٍ ومستقر لجميع أهل السودان .. ولم تُعلى الشرطة ( الأنا ) مطلقاً فى تأريخها الطويل والناصع رغم المظالم التى تقع عليها وعلى منسوبيها كل حينٍ وآن ، بل تقوم أساساً على التضحية ونكران الذات ، ولاتزال حريصة على الخير لكل أهل السودان .. وظلَّت تتحمل أخطاء الآخرين وأذاهم وتواجه الأزمات التى تنجم عنها بكل نُبل ، وتمارس فضيلة ضبط النفس وتقوم بأداء رسالتها بموجب القانون بما يحفظ للمجتمع حقوقه الأساسية ويُلبِّى إحتياجاته الضرورية .. إلاَّ أنَّ منطق الحق والعدل الذى به أُرسل الرُسُل وأُنزلت الكُتب وقامت به السموات والأرض .. ومنطق الفطرة السليمة اللذان يأبيان الظلم والإعتساف يقولا أن الشرطة صُدِمَتْ بخيبة أملها فى المجتمع المدنى وفى النُخَبْ من روَّاد الأسافير اللذين لطالما إتهموها بالتواطؤ والإنحراف والتقصير ..!! واللذين لطالما نصبوا لها المشانق فى المنصَّات الإعلامية دونما جريرةٍ إلاَّ لخطأٍ فى التقدير من أحد منسوبيها أو تجاوزٍ لحدود سلطاته .. أمَّا حينما يموت رهطٌ عزيزٌ من رجالها وهم يدافعون عن أعز ما تملك الأمة ( عقول شبابها ) ويتعرضون للغدر من عصابات تجار المخدرات ويتعرضون للقتل والإعاقة البدنية فى سبيل أمن المجتمع وفى سبيل الحفاظ على عقول شبابه من التدمير لايجدون إهتماماً ولا كلمة مواساة ..!! فى الوقت الذى يتنافسون فيه لتسطير العناوين التى تفتقد للمصداقية والحياء حينما يُخطئ أحدهم ..!! فإن لم تكن الشرطة حَلوباً فى أعينهم رغم أن ضرعها ممتلئٌ خيراً ولبناً خالصاً سائغاً أمناً وأماناً من بين فرث الشانئين ودم التضحية والفداء .. فإنها أيضاً ليست للنحر بألسنتهم الحِداد ..!! فدماءُ الشرطة غالية جداً أيا رعاكم الله ، وليست رخيصة كما يتوهم المتوهمون .. إلاَّ أنها تهون فى سبيل الحفاظ على شباب السودان والحفاظ على عقولهم من الضياع ، وعلى الوطن من التمزُّق ..!!
إنها دعوة لكتابة تأريخ جديد للشرطة بيَدٍ قوية ، فاليد المرتجفة لا تكتب التأريخ .. فليس هنالك فجيعةٍ من : ( كلمَّا دخلت أُمةٌ لعنت أختها ) ..!!
حفظ الله بلادنا وشبابنا وشرطتنا من كل سوء وإن أُريدُ إلاَّ الإصلاح ما أستطعت وما توفيقى إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

اترك رد

error: Content is protected !!