د.كرار التهامي
(١)
هل تفسد الرياضة ما اصلح الدهر ؟
كتب الاخ الصديق دكتور محمد حسين كسلا مقالا حزيناً مفعماً بالاسى والحسرة على احداثيات المقابلة الاخيرة امس الاول بين الهلال والاهلي في استاد القاهرة والتي انتهت بمذبحة اخلاقية مارست فيها جماهير الاهلي المصري كل انواع العنف اللفظي البدني والمعنوي الى حد الاساءة والتنابز العنصري .
???? تحسر كسلا على الاجيال السابقة في مصر والسودان التي كانت تضع اعتباراً للعلاقات الفطرية والمتينة بين طرفي الوادي و تستعصم بالقيم المشتركة وتقاطعات الجغرافيا والتاريخ والثقافة والحضارة واقترابات الحاضر والمستقبل و وعزا السقطات الحادثة والتفلت الى سفاهة وفهاهة وسطحية الجيل المعاصر ،خاصة جيل الهتافات البذيئة ،الذي تحركه الوسائط الاعلامية والمحتوى المسموم الذي تستخدمه في نشر الغسيل وتوقير الصدور والفتنة بين الناس لذلك وحسب راي الدكتور كسلا لم يعد هذا الجيل يحفَل بامر تلك العلاقات مثل الاجيال السابقة رغم ديناميكية العلاقة السودانية المصرية على صعيد الجيوبوليتيك والتاريخ منذ قيام الحضارة النوبية الاولى وانتشارها على ضفاف النيل وانحدارها نحو الشمال حتى المصب ، مرورا بهجرة المصريين الى السودان في اربعينات وخمسينات القرن الماضي انتهاءً بهجرة السودانيين الى مصر في الوقت الراهن والاحترام المتبادل في الهجرتين بين الشعبين والمصالح الكبرى المشتركة وقضايا الاقليم والتوأمة الحتمية بين البلدين .
• و لأن الرياضة واحدة من مقاربات السياسة سلبا او ايجابا فقد تؤدي الى افساد العلاقات او اصلاحها والكل يذكر حرب المائة يوم او ما سموها (بحرب الكورة) التي ماتً فيها الاف المواطنين بسبب مباراة كرة قدم بين السلفادور وجارتها هندوراس في تصفيات كاس العالم حيث فجرت تلك المباراة شحنات الحزازات والمشاعر المكتومة بين البلدين وتحولت المباراة الى حرب ضروس بين الجيوش .
• وفي الجانب الاخر تصلح الرياضة ما تفسد السياسة اذا اديرت ادارة حسنة فبسبب مباراة البنغ بونغ ( كرة الطاولة) بين امريكا والصين في عهد الرئيس نكسون في السبعينات فُتحت ابواب التجارة والسفر بين الصين وامريكا بعد قطيعة نصف قرن وظهر في القاموس السياسي مصطلح (دبلوماسية كرة الطاولة) ping pong diplomacy .
• امس الاول كادت الرياضة ان تفسد ما اصلح الدهر بيننا واخوتنا في الشمال حيث بلغت الاهانة في تلك الليلة السوداء في استاد القاهرة مبلغا جعل الدم يغلي في عروق كل السودانيين بغض النظر عن انتماءاتهم الرياضة فالهزيمة في كرة القدم امر مألوف وتنتهي بالمصافحة بين الطرفين الغالب والمغلوب فالهلال السعودي بطل اسيا وثاني ابطال العالم تلقي قبل عام هزيمة قاسية من نفس الاهلي باربعة اهداف والاهلي قبل ايام تلقي هزيمة مريرة بخمس اهداف من صن داو الذي نجا من شراك الهلال اسد افريقيا الجريح باعجوبة بعد ان اذاق الاهلي هزيمة كان بالامكان ان تتضاعف اهدافها .
• هذا دأب كرة القدم يعود كل واحد الى بلاده موفور الكرامة دون ان تشنفه السنة العوام والسوقة من مشجعي الكرة وتطعن في هويته بشكل غبي وسطحي وتعيره بالالفاظ النابية التي من المستحيل ان يرددها جمهور عاقل في اي مكان في العالم بصورة كورالية امام مسمع ومرمي كل الناس وعبر الاثير دون حياء ودون اعتبار لكل معايير الاخلاق والشرف والرجولة ودون اعتبار للاسر والصغار في البلد الام نفسها الذين تصلهم هذه الرسائل فتخدش حياءهم وتؤثر في اخلاقهم و دون تقدير مشاعر اهليهم الذين يتابعون كرة القدم فتشنف اذانهم هذه العبارات النابية ومافيها من حمولات بذيئة تمس قدسية الام والاسرة والعرق .
• قلت لبعض الاصدقاء في مصر والسودان ان العزاء الوحيد هو ان تلك البذاءة صدرت من سفلة القوم و الطبقة الدنيا في المجتمع بمعايير الاخلاق والسلوك السوي والمستوى الاجتماعي بينما ينأى عنها ويستنكرها اهل النهى والعاقلون في السودان ومصر والذين يمثلون الاواصر الحقيقية والنقية والمستدامة بين البلدين الشقيقين .
• لقد اصاب هذا السلوك في مقتل مشروع التوأمة بين الهلال والاهلي الذي اشتركنا في تاسيسه عبر ثلاث مجالس ادارات متعاقبة كنت فيها اميناً للمال بنادي الهلال ثم نائباً للرئيس ثم رئيساً مكلفاً والتقينا مع ادارت الاهلي مرات عديدة لتعزيز هذه التوأمة التي توجد في اضابيرها عشرات الافكار والمشاريع حتى اصبح مألوفًا في الخيال الشعبي ان الهلال و الاهلي هم الاقرب لبعضهم البعض دون كل الفرق العربية والافريقية ،،
نواصل في الحلقة القادمة عن :
غابة الكاف وصراع الهلال مع الافيال والتماسيح ..،،،،
الخرطوم ٣ /٤/ ٢٠٢٣