فيما أرى / عادل الباز

الكل يكذب

عادل الباز

هذا ليس رأيي أنا، حتى لا تفهموني غلط، إنه رأي ستيفنز دافيدوتس الكاتب الأمريكي الذى أصدر كتابه بالاسم أعلاه في يوليو الماضي ونُشر فى 309 صفحة. سأعرض في هذه الزاوية اليوم وألخّص بعض الأفكار التي استهوتني في الكتاب وأدعوكم لقراءته وهو متوفر في أمازون (علشان مافي واحد مثقفاتي يقول لي رسلو لي.). لنبدأ في قراءة ماقاله.

.دافيدوتس

1

يفتح ستيفنز دافيدوتس من خلال ماسطره في الكتاب نافذة على بواطن النفس البشرية لا مثيل لها، فيقول (عمليات البحث التي يجريها المتصفحون للإنترنت قد تكون هي مجهر أو تلسكوب عصرنا التي يمكننا من خلالها أن نعثر على رؤى مهمة إن لم تكن ثورية. هناك مجازفة أخرى عند الإدلاء بمثل هذه التصريحات تضاف إلى فخِّ العظمة، وهي مسايرة العصر، حيث لا يزال الكثيرون يردّدون مزاعم مبالغ فيها عن قوة البيانات الضخمة، وهم غافلون عن الأدلة، فعندما ينعزل الناس، ولوحدهم ليس معهم سوى لوحات مفاتيح الحاسب الآلي، فإنهم سيفصحون عن أغرب الأشياء، وأحيانًا (كما في مواقع المواعدة أو عمليات البحث عن نصائح مهنية) بسبب ما يترتب عليها من عواقب واقعية، لكنه في أحيان أخرى حيث عواقب تترتب على ذلك الإفصاح بالمعنى الحرفيّ، فإنه يمكنهم أن يتخلصوا من أعباء أحلامهم وآلامهم من دون التعرض لشخص حقيقي يعبّر لهم عن امتعاضه أو بما هو أسوأ من ذلك.

قضيتُ عشر سنوات في مجال تحليل البيانات، كما حظيتُ بفرصة العمل مع شخصيات كثيرة بارزة في هذا المجال، وأهمُّ الدروس التي تعلمتها هو: أن علم البيانات الجيد يعتبر أقل تعقيداً مما يظنّه الناس، وفي الواقع، علم البيانات المتفوق هو بدَهيّ لحدّ الانبهار!. لم يتبيّن لي في ذلك الوقت أن البيانات المعلومات المستمدة من محرك البحث جوجل يمكن أن تعدّ مصدراً مُعتَبَراً للاستخدام في الأبحاث الأكاديمية “الرصينة” خلافًا للاستبيانات، ولم يكن الهدف من بيانات البحث في جوجل أن تكون هي الطريقة التي تساعدنا على فهم النفس البشرية.

2

أُخترع قوقل ليتمكن الناس من التعرف على العالم، لا ليتمكن الباحثون من التعرف على الناس، لكن تبيّن بأن الآثار التي نخلّفها وراءنا على الإنترنت خلال بحثنا عن المعرفة تكشفُ عنا الشّيء الكثير. إنّ عملية البحث التي يقوم بها الأشخاص عن المعلومات تعدُّ معلومات بحدِّ ذاتها، وبالنظر إلى الزمان والمكان الذين بُحث فيهما عن الحقائق، أو الاقتباسات، أو النكت، أو الأماكن، أو الشخصيات، أو أيّ شيء عموماً أو حتى طلبهم للمساعدة، يصبح بإمكاننا الكشف عن حقيقة ما يفكرون به، وعن رغباتهم، ومخاوفهم، وما يقومون به مما لا يخطر على البال.

3

لقد سمحتْ لنا البيانات الضخمة في نهاية الأمر برؤية حقيقة رغبات الناس وأفعالهم، وليس الذي يقولون أنهم يريدونه ويفعلونه؛ لذا فالقوة الثانية للبيانات الضخمة تكمن في توفيرها للبيانات الصادقة. مثلاً الإباحية وبيانات البحث في جوجل ليست جديدةً فحسب، بيد أنها تتميز بالصدق؛ ففي العصر ما قبل الرقمي دأب الناس على عدم إفشاء ما يدور في أذهانهم من الأفكار المحرجة، واستمروا على هذا المنوال في العصر الرقميّ الحالي؛ فهم يحرصون على عدم إفشائها للآخرين، باستثناء الإنترنت ومواقع معيّنة مثل جوجل وغيره التي ساعدتهم على ذلك من خلال عدم إظهار هوياتهم،وهذه المواقع بمثابة مصل للحقيقة الرقمي حتى صرنا قادرين على كشف الانجذاب الشائع لسفاح المحارم.

4

يكذب الناس حول كمية المشروبات التي تناولوها في طريق عودتهم إلى المنزل، ويكذبون حول عدد المرات التي يذهبون فيها إلى صالة الألعاب الرياضية، ومقدار تكلفة تلك الأحذية الجديدة، وقراءتهم للكتب، ويعتذرون عن العمل بسبب المرض، في حين أنهم ليسوا مرضى، ويقولون إنهم سيتصلون وهم لن يفعلوا ذلك، ويقولون إن الأمر لا يتعلق بك، بينما هو يتعلق بك، ويقولون إنهم يحبونك، وهم لا يحبونك، ويقولون إنهم سعداء بينما هم يعانون من الاكتئاب، ويقولون إنهم يحبون النساء، وهم في الحقيقة يحبون الرجال. يكذبون على أصدقائهم، ويكذبون على رؤسائهم، ويكذبون على أطفالهم، ويكذبون على الآباء، ويكذبون على الأطباء، ويكذبون على الأزواج، ويكذبون على الزوجات، ويكذبون على أنفسهم! ومن المؤكد أنهم يكذبون في الدراسات الاستقصائية. ولكن لماذا. سؤالٌ طرحته على روجر تورانجو الذي يعمل أستاذ الأبحاث الفخري في جامعة ميشيغان، وربما أول خبير في العالم حول الانحياز للمقبول اجتماعياً، وقد أجاب بأن ضعفنا أمام “الأكاذيب البيضاء” جزءٌ مهمٌ من المشكلة، ويقول إن “الناس يقضون ثلث الوقت تقريباً وهم يكذبون في الحياة الحقيقية، وتنتقل عاداتهم معهم في إجاباتهم على الاستبيانات”.

5

يكشف عالم البيانات الضخمة ليس فقط عن الأكاذيب بل عن مظاهر أخرى أيضاً. مثلاً إن الإنترنت هو الذي يدفع بالأمريكيين إلى التباعد، مما يتسبب في انغماس معظم الناس داخل مواقع موجهة لأشخاص أمثالهم. قال كاس سنشتاين من كلية هارفارد للحقوق وهو يصف هذه الحالة: “إن مجال الإتصال يتحرك بسرعة [نحو حالة تسعى] لحصر الناس حول وجهات نظرهم الخاصة؛ الليبراليون يراقبون ويقرأون في الغالب لليبراليين فقط، والمعتدلون لمعتدلين، والمحافظون لمحافظين، والنازيون الجدد لنازيين جدد”. هذه نظرة منطقية، ففي النهاية، يزودنا الإنترنت بعدد غير محدود تقريباً من الخيارات التي يمكننا من خلالها استهلاك الأخبار، وأستطيعُ أن أقرأ ما أريد، ويمكنك قراءة ما تريد، وإذا تُرك الناس تحت رحمة أجهزتهم الخاصة، فإنهم سيقرأون عن وجهات نظر تؤكد ما يعتقدونه، وبالتالي: لا شك أنه لا بد أن يتسبب الإنترنت في نشوء تباين شديد على المستوى السياسي.

6

إنّ عمليات البحث في جوجل التي تُعدُّ مصدر البيانات المفضّل لي تُقدّمُ لنا بعض الأدلّة عما يجدهُ الأشخاصُ مسببّاً للإدمان القويّ، ووفقًا لجوجل، فإن معظمَ أنواع الإدمان التي عانى الناس منها لعقود طويلة لم تتبدل، مثل المخدرات، والجنس، والكحول، ولكن بدأ الإنترنت بالظهور في هذه القائمة، حيث تأتي “الإباحية”، و”الفيسبوك” ضمن أول عشرة أنواع من الإدمان. قائمة أعلى أنواع الإدمان بحسب جوجل لعام 2016 المخدرات، الكحول، القمار، الجنس، السّكر الفيسبوك الإباحية الحُبُّ ربما يلعب اختبار أ/ب دوراً في جعل الإنترنت وسيلة إدمانٍ خبيثة.

7

تقول البيانات المتحصلة من محرك البحث جوجل إن كل شهر هنالك حوالى 3.5 مليون عملية بحث تتعلق بالانتحار في الولايات المتحدة، وتشير غالبيتها إلى أفكار انتحارية، مثل: “انتحاري”، و”الانتحار”، و”كيف انتحر”، مما يعني أن من الممكن أن يُعثرَ في كل شهر على أكثر من بحث واحد يتعلق بالانتحار لكل مئة أمريكي، هناك أقل من أربعة آلاف حالة انتحار لكل شهر في الولايات المتحدة، والتفكير في الانتحار منتشر بدرجة مخيفة، ولكن عمليات الانتحار ليست كذلك؛ لذلك ليس من المعقول أن يطرق رجال الشرطة الباب على كل من أصدر ضوضاء على الإنترنت حول رغبته في تفجير دماغه، حتى لو لم يكن لدى رجال الشرطة وقتٌ لعمل أشياء أخرى. أو انظر إلى عمليات البحث الشنيعة التي لا يصدقها العقل حول الإسلاموفوبيا، حيث وُجد في عام 2015 قرابة 12000 عملية بحث في الولايات المتحدة عن “قتل المسلمين”؛ منها 12 جريمة قُتل.

8

أعلاه أهم ماقاله واتهمكم به السيد دافيدوتس أنكم تكذبون.. مارأيكم.؟.. هل تتعاطون الكذب سراً، وتصدقون في حضرة محرك البحث جوجل…ماهي أهم الكلمات في رأيكم التي يبحث عنها السودانيين (رجالاً ونساء) فى جوجل؟. وتطل أسئلة أخرى …هل هناك من يتعاطى مع علم البيانات الضخمة في بلادنا اليوم.؟ هل سمعت حكومتنا بعلم البيانات وهل تستفيد منه الآن؟…أخيراً أنصحكم بعدم الثقة في جوجل وعدم مشاورته في خصوصياتكم فقد يأتي يوم دافيدوتس سوداني فينشر غسيل ما كنتم تبحثون عنه.!!

اترك رد

error: Content is protected !!