لقد رأينا الإقدام يَتَنقَّلْ فى مَوَاطنِ الإقدام من موقع لآخر عبر مروحية القوات المسلحة وألسنة اللهب لم تُخمد بَعدْ وأصوات الرصاص لم تَسكُتْ بَعدٍ والدماء لم تَجِّف بَعدْ .. فالكاميرا التى لا تكذب ولا تتجمل نقلت إلينا شجاعة وجسارة القائد العام للقوات المسلحة وإقتحامه لميادين القتال والوطيس لايزال حامياً وإستعداده للسقوط شهيداً فى أرض المعركة ..!! وكيف لايفعل وهو الذى قُدِّر له أن يكون قائداً للأبطال الشجعان الذين رحبوا بالموت وقبلوا بالجراح والإصابة فى النفس والجسد من أجل العقيدة والمبدأ والإيمان بالوطن .. فكان إستشهاد الآلاف منهم هو غاية الشجاعة التى تُقاسُ بالدماء .. وكان ثبات القائد فى المواقف الصعبة غاية الشجاعة التى تُقاسُ بالوفاء عند الشِدٌَةِ والبلاء ..
ولكن على الرغم من كل تلك المواقف البطولية هل الجسارة فقط هى غاية الآمال التى ينتظرها أهل السودان من قادة البلاد ..!!؟ بالطبع لا .. !! بل ينتظرون منهم خطاباً للنصر غير مسبوق يُرَصٌِعوا به هامة الوطن .. فيه تشخيصٌ دقيق وتوصيف صادق وأمين لأسباب الحرب ، يتناول فى سلاسة حقائق المعركة ودلالاتها التى دفعوا أثماناً غالية لها قتلاً ونهباً وإغتصاباً وتشريداً وتهجيراً ولجوءًا ونزوحاً .. خطاباً تأريخياً بَيٌِنَ الكَلِمْ واضحَ السِياق حافلٌ بإستحضار واقع المواطن فى كل أرجاء الوطن .. !! خطاباً ينتظم كحبات العقد المختار يصل إلى أفئدة الشعب المكلوم فى لبوسٍ أنيق ومظهر لائق برسائل واضحة غير مُشَفَّرَة لاتحتاج للإستنجاد بمعاجم اللغة والمذكرات التفسيرية ومفاتيح الشفرات ..!! فالجميع بعد تلك النوازل والنكبات يريد أن يطمئن بأنّ الوطن سيبقى وستتلاشى الأطماع الإقليمية والدولية فى مواردنا ، وسيتوارى سلطان القبيلة وأطماعها فى الحكم بالمحسوبية والمناطقية ..!! والجميع يأملُ بأن يكون العدل هو المنطلق لبناء الدولة وإعادة إعمارها فلا يكون العمران إلاَّ بإستقامة العدل فى كل شئ حتى يأمنوا على أنفسهم وحقوقهم .
إنَّ ما خَلَّفَته الحرب من مآسٍ وما تحقق من نصر يمنحنا جميعاً الثقة فى الذات والأمل فى المستقبل .. فجيشنا الباسل كَانَ وظَلَّ وما زال عصيَّاً على أن يكون بديلاً فى الوقت بدل الضائع فالخبرة والتجربة والعقلانية والمهنية والحفر بالإبرة جعلت منه لاعب إرتكاز أساسى يُجيد تمريراته الذكية وأدواره العسكرية دون هجوم خائب فى غير محله وأوانه ، أو دفاعٍ عن غير رَويَّة أو أن يكون ظهيراً من غير مهارة ..!! وهى ميزات تُعد من النفائس وتُقاسُ بميزان الذهب فى سوق الثقة بالله والإعتداد بالنفس والإيمان بالوطن ..وأجهزتنا الأمنية من شرطة وأمن تنتظرها أدواراً أخرى غير القتال فى ميدان القتال ، وأشواطاً إضافية معلومة الأحجام والأوزان فى ملعب الأمن الداخلى والأمن القومى وهى التى عُرِف عنها تضحياتها فى الإلتزام بالمبادئ والأداء المهنى الرفيع فى المشاريع الأمنية المختلفة .. !! ولكل ذلك ستظل قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية مصدر فخر لنا لحفاظها على مبادئها وثوابتها ..!!
ويظل السؤال قائماً هل إفشال المؤامرة وهزيمة المليشيا وقطع المدد عنها لتُصبح مشلولة السند ، وإطفاء نيران الكيد والعدوان الإقليمى والدولى هو غاية الآمال لهذا الشعب ..!!؟ والأجابة أيضاً بالنفى ..!! فالمساهمة فى تنمية الوطن وفى الدفاع عن مصالحه العليا هى مسئولية الجميع لاسيما الشباب الواعى المستنير الذى يمثل الأمل والإرادة والقدرة على تجاوز العقبات وخلق الفارق كما تُحَدُّثنا دوماً روايات التأريخ المتواترة ، وهم من يجب أن يتولى القيادة وإدارة العديد من الملفات والقضايا التى تشكل جوهر التحدى القادم فى الدولة ..!!
ودولة القانون والمؤسسات ينبغى أن تَفرِضَ على الجميع الإنصياع لاحكامها دون تعسف أو تمييز حتى تتحقق وتستديم ثقة المواطنين فى سلطاتهم الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) .. ويجب أن تتلاشى ظاهرة التَمَلُّق السياسى والتمظهر بالولاءات الكاذبة التى لاتخلق إلاّ مجتمعاً مخادعاً .. ولا تؤدى إلاّ لإنعدام تكافؤ الفُرص وقتل روح التنافس والمبادرات الجادة وتدمير التماسك المجتمعى وتفكيكه كما تلاشى من قبل دعاة الفتنة والحرب بعد أن فشلوا فى المتاجرة بالقضايا المصيرية لبلادنا .. فتعزيز الوحدة الوطنية الحقيقية بعد معركة الكرامة وبعد خطاب النصر المرتقب لا يمكن تجسيدها واقعياً إلاَّ من خلال توفير عدالة إجتماعية تشمل الجميع بتطبيق صارم وعادل للمنظومة القانونية وهو ما عناه رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل وهو يسأل أحد مستشاريه عن حال حال العدالة والقضاء فى بلاده بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية التى دمرت كل البُنَى التحتيَّة دماراً هائلاً وأوصلت الإقتصاد البريطانى إلى الحضيض .. ولمَّا أجابوه بأنهما بخير قال قولته المشهورة : ( طالما العدالة والقضاء بخير فكل البلاد بخير ) ..!!
حفظ الله بلادها وأهلها من كل سوء .