الرواية الأولى

نروي لتعرف

ببساطة / د.عادل عبدالعزيز الفكي

العلاقات السودانية الروسية-الآمال والتحديات

د. عادل عبدالعزيز الفكي





بين السودان وروسيا علاقات قديمة وراسخة.
روسيا دولة عظمى اقتصاديا وعسكريا ومن مصلحة السودان التعاون معها.
التعاون مع روسيا ليس خصما على أي دولة ولا يشكل تهديدا لأي طرف.

منذ حقبة الاتحاد السوفيتي السابق كانت العلاقة متميزة ما بين السودان والجانب الروسي، قامت روسيا في فترة عبود ببناء صومعتي القضارف وبورتسودان الشامختين، وخلال حكم نميري كانت هي المزود الرئيس للجيش السوداني بالأسلحة وكلنا نذكر الدبابة الروسية الأشهر T55 ومصنع الذخيرة الذي تطور فيما بعد للتصنيع الحربي. المباني التي يشغلها جهاز الأمن قرب القيادة العامة، ومباني مجلس الوزراء القديم والمركز القومي للبحوث كلها أنشأها الاتحاد السوفيتي السابق.
على المستوى السياسي توجد لجنة رئاسية مشتركة، ولجنة وزارية مشتركة، آخر اجتماعات اللجنة الرئاسية المشتركة السودانية/ الروسية، كانت برئاسة السيد/ مالك عقار من الجانب السوداني، والسيد/ سيرجي فيكتوروفيتش لافروف وزير الخارجية الروسي، وهو مراسيمياً يعتبر الرجل الثاني في الدولة بعد الرئيس بوتين، وعقدت آخر اجتماعاتها خلال شهر يونيو 2024.
تم من خلال اللجنة الرئاسية مناقشة العديد من مجالات التعاون المشترك بين البلدين والتي تشمل مجالات الكهرباء، الطاقة والموارد المائية، المعادن، البترول والغاز، النقل، الاتصالات وتقنية المعلومات، البنى التحتية، البيئة، الزراعة، والصناعة. فضلا عن آفاق تطوير وتنمية التجارة، والتعاون الاستثماري، والتعاون في مجال المصارف والبنوك، والتعاون بين القطاع الخاص في البلدين.
أعقب اجتماعات اللجنة الرئاسية المشتركة زيارة وفد من البنك المركزي الروسي للسودان في يومي 17/18 اغسطس 2024 تناولت الاجتماعات إمكانية استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين، مما يقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية. حسب معلوماتي لم يتم أي تنفيذ في هذا الأمر على الرغم من أهميته القصوى.
تركز الوسائط الإعلامية على موضوع فرعي هو طلب روسيا تخصيص محطة تزود على الساحل السوداني للأسطول الروسي، وقد وافق السودان مبدئياً على الطلب، ويخضع الطلب للدراسة من الجانب السوداني، غير أن مجالات التعاون مع روسيا يتوقع أن تمتد لمجالات أوسع بكثير من هذه القضية الفرعية.
تنعقد في الوقت الحالي (سبتمبر 2025) اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة السودانية الروسية، وهي برئاسة وزير المعادن في كلا القطرين، ونأمل أن يعود انعقادها بفوائد اقتصادية مهمة للسودان في هذا الظرف الدقيق حيث تعتبر روسيا دولة عظمى اقتصاديا يبلغ الناتج المحلي لها 4.027 تريليون دولار في المرتبة السادسة دولياً.
لقد وقع السودان مع روسيا في فترات سابقة اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة كان أبرزها في مجال تقنية تحويل الغازات البترولية لمواد بترولية سائلة، وهي تقنية روسية فريدة يمكن أن تمثل إضافة مهمة للإنتاج البترولي السوداني. ثم اتفاقية في مجال التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى، واتفاقية حول التخريط الجوي في البر وفي البحر، واتفاق حول استجلاب مخبز وتقنية لإنتاج الخبز من دقيق خليط بين القمح والذرة. نأمل تنشيط هذه الاتفاقيات والبدء في تنفيذها.
إن مجالات التعاون التي يمكن أن تحقق فائدة كبيرة للسودان ويُنصح بتطوير التعاون مع الجانب الروسي فيها تشمل: تحديث وتأهيل صوامع الغلال الحالية وبناء مواعين تخزينية جديدة أخرى. إن تحديث الصوامع الحالية في القضارف وبورتسودان بزيادة سعتها التخزينية من 150 ألف طن إلى 600 ألف طن، وبناء صوامع جديدة بسعة مليون طن، يعتبر مجال عظيم جداً للتعاون بين البلدين وذلك لسببين: الأول أن السعات الكبرى لتخزين الغلال في السودان مسألة حيوية واستراتيجية، لأنها من لوازم الأمن الغذائي للسودان. والثاني هو رمزية إعادة التحديث بواسطة روسيا، لأن صومعتي بورتسودان والقضارف بناهما الاتحاد السوفيتي السابق في ستينيات القرن الماضي، وبالتالي تمثل إعادة التحديث بواسطة روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق رمزية لعمق العلاقات بين الشعبين لعشرات السنين.
الأمر الثاني الذي يمثل أمراً ذو أهمية استراتيجية بالغة للسودان هو اقتراح الجانب الروسي بأن يستفيد السودان من تكنلوجيا (قلوناس) GLONASS الروسية التي تستخدم في مجال أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية (ايروقلوناس). وذلك بغرض إنشاء نظام وطني للاستجابة السريعة في حالات الطوارئ، نظم القيادة والسيطرة للقوات المسلحة ولأجهزة الشرطة وأجهزة الأمن الخاصة، مراقبة المركبات، وتحديد مواقع الموارد الطبيعية وإدارتها. معلوم أن نظام GLONASS الروسي هو نظام ملاحة بالأقمار الصناعية يأتي في المرتبة الثانية عالمياً من حيث الاهمية بعد نظام GPS الامريكي، وقبل نظامي Galileo الاوربي و Beidou الصيني. هذا الأمر يكتسب أهميته من حيث أن نظام GPS الامريكي محظور على السودان رسمياً في بعض المجالات.
الأمر الثالث الذي علينا الاهتمام به في الوقت الحالي هو التجارة مع روسيا، إن حجم التبادل التجاري مع روسيا لا يتجاوز في الوقت الحالي 110 مليون دولار في السنة، في حين تبلغ الصادرات الروسية للخارج 640 مليار دولار. وبالنظر لتوتر العلاقات السياسية لروسيا مع عدد من الدول أبرزهم الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي انحسار تعاملها الاقتصادي والتجاري مع هذه الدول، فإن الفرصة تبدو مواتية للجانب السوداني لفتح مجالات صادرات اللحوم والخضروات والفواكه مع روسيا. والله الموفق.

اترك رد

error: Content is protected !!