الرأي

اتفاق البرهان – حمدوك: الرأي قبل شجاعة الشجعان

✍️الصديق الامين

كان الخيار الأسهل للدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، الاستعصام برفضه التسوية مع العسكريين، والاصرار على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في 24 أكتوبر الماضي هو ما يعلم أنه ليس ممكنا. لم يكن سيكلفه الأمر سوى البقاء في إقامته الجبرية بمقر رئيس الوزراء الفاره بضاحية كافوري الفاخرة على شاطئ النيل الأزرق، أجمل مناطق العاصمة، لتظل جموع الشباب تهتف باسمه ولتتوالي النداءات والمطالب المحلية والدولية بإطلاق سراحه. كان سيتحرر ويرتاح من المسؤوليات الثقيلة لمنصب رئيس الوزراء ويضمن أن يصبح أيقونة للنضال والصمود. هذا بينما تتعمق الأزمة السياسية في البلاد وتتواصل عزلتها الدولية، وتواجه المجهول.
لم يكن ذلك يتطلب شجاعة. الشجاعة هي أن يتسامى فوق جراحه ويتخذ القرار الصعب الذي سيسهم في حقن الدماء وإزالة الاحتقان وتحقيق سلام الشجعان. وهذا هو ما فعله حمدوك. وما كان يتوقع من من هو في تجربته.
بدأ حمدوك مسيرته المهنية، خبيرا اقتصاديا دوليا، مطلع تسعينات القرن الماضي، في زيمبابوى، وشهد كيف انحدرت خلال 10 سنوات بعد استقلالها، من سلة غذاء للجنوب الأفريقي، ونموذج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، إلى بلد يتسول الغذاء، ويهرب مواطنوه بالملايين، لاسيما المتعلمين منهم، وهي التي عرفت بأن لديها واحد من أفضل النظم التعليمية في القارة، إلى جنوب أفريقيا وأوربا وأميركا، للعمل في وظائف وضيعة لا تتناسب مع مؤهلاتهم و الي بلد يضرب به المثل في تهاوي العملة الوطنية. كل ذلك بسبب ان زعيم البلاد الذي قاد حرب التحرير وكان أحد رموز الثورة والنضال في أفريقيا، روبرت موقابي، انفرد بالسلطة وتشدد في مواجهة خصومه المحليين والدوليين وتجاهل ضرورات الواقع المحلي والإقليمي والدولي.
ثم كانت تجربته التالية في جنوب أفريقيا، بعد التسوية التاريخية التي أنهت نظام الفصل العنصري، وعايش عن قرب نموذج مانديلا، واحتضانه لخصومه السياسيين بمن فيهم سجانيه السابقين، ثم تنازله لنائبه قبل إكمال دورته الأولى في الرئاسة. كما رأى خلف مانديلا، تابو امبيكي، يتنازل بهدوء من رئاسة الجمهورية ورئاسة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، عندما طلب منه الحزب ذلك، مجنبا بلاده أزمة سياسية كان يمكن أن تتطور إلى صراع دام.
في محطته التالية، إثيوبيا، لا بد أن حمدوك قد راقب إرهاصات الأزمة المكتومة فيها بسبب ما ظلت قطاعات من الإثيوبيين تراه من اختلال في قسمة السلطة والثروة، وتبدد الوفاق العريض الذي تحقق عقب سقوط منقستو، قبل أن تنفجر الأزمة وتدخل أثيوبيا دورة جديدة من الحرب الأهلية بسبب غياب التنازلات المتبادلة والفشل في الحفاظ علي القواسم المشتركة.
لم يكن كذلك حمدوك من خلال موقعه في قيادة المفوضية الاقتصادية لأفريقيا، ورئاسة لجنة جائزة الحكم الرشيد في إفريقيا، بعيدا عن تجارب الدول الخارجة من النزاعات والاضطرابات والتي نجحت في تحقيق الاستقرار والتنمية مثل رواندا وغانا وموزمبيق.
هذه الخلفية والتجربة تفسر لنا موقف حمدوك الشجاع اليوم وهي مفتاح لفهم كلمته المعبرة في حفل توقيع الاتفاق السياسي اليوم:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي في المحل الثاني.

اترك رد

error: Content is protected !!