الرأي

السماني الوسيلة يكتب : تحقيق الإنتقال الناجح من حكم إستبدادي إلى حكم ديمقراطي.

السماني الوسيلة الشيخ السماني

جاء في كتاب (تجارب التحول إلى الديمقراطية) الصادر من منظمة ايديا (Edea) ملخصاً حوارات قادة سياسين من تسعة بلدان (أثنان من كل من أفريقيا وأسيا واروبا وثلاثة من امريكا اللاتينيه) ، كيفية تحقيق الإنتقال الناجح من حكم إستبدادي إلى حكم ديمقراطي راسخ، والعبور ببلدانهم مواجهين كافة التحديات التي شكلتها هذه العمليات الإنتقالية وكيفية معالجتها.فلقد أكدو جميعهم بأن الحركات الإجتماعية ومنظمات المجتمع المدني المعززه بشبكات الإتصال والمعلومات الإلكترونية، قادرة على تكريس الضغط على الحكومات والمؤسسات الأخرى، وبرغم أهمية هذه الجهات الفاعلة في إحداث التعبير، لكنه لايمكن لها أن تكون بديلاً للأحزاب السياسية والمنظمات الإجتماعية والقادة السياسين في تولي القيام بالمهمة الصعبة، لبناء الائتلاف ووضع الضوابط الإنتخابية، أو نيل التأييد الشعبي أو إعداد سياسات عامة أو المناشدة لتقديم التضحيات من أجل الصالح العام، والهام الناس بالإعتقاد بأن الديمقراطية ممكنة وقادرة على العمل بفاعليه..وعليه، فإن من الأهمية بمكانة إستمرار المحافظة على تركيز الرؤية والصبر والمثابرة والإنفتاح على تحقيق وقبول الحلول الوسط.. 

 وفي هذا الشأن قد أشار (فيليبي غونزاليس) الزعيم الأسباني إلى عدة نقاط جديرة بالإهتمام أهمها أولاً: قوله )أن القيادة لايتم تعلمها في دورات دراسية في الجامعات وإنما تأتي عن طريق الممارسة الفعلية من خلال تطبيق المبادئ العامة، على الظروف الواقعة وإشارة إلى أن الناس يتعلمون المبادئ العامة من المعايشة ومن الخبرات الخالدة الإيجابية من المجتمع( ..مشيراً إلى أنه بالرغم من سرعة حصول التغيير في مجال الفاعلين والتقنيات وإمكانية إستمرارها، إلا ان متطلبات ومستلزمات التعبير والعمل السياسي هي أكثر ديمومه وإستمراراً… مما يتطلب القيام بالحشد والتعبئة ، من أجل الحرية السياسية، وبناء مساحات وفضاءات لإجراء الحوار وبناء التقارب والتوافق ، وصياغة التوافقات على إجراءات وقواعد الإرتباطات والعمل على الحفاظ على الأولويات الحيوية، ليسهل إنشاء آليات التعامل مع قضايا العدالة، وضمان السيطرة المدنية على الجيش والشرطة والمخابرات، حماية للنظام المدني وحقوق الإنسان الفردية ولأن كل هذة الأهداف هي التي ستظل في مقدمات أولويات هذه التحديات.وبإستعراض تجربة أقرب إلينا، وهي تجربة دولة جنوب أفريقيا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا (الذي جاء في رده على أسئلة عديدة محاورية حول ماهي المسائل الرئيسية التي أشتمل عليها النقاش الذي أفضى إلى دستور مؤقت، وماهي دروس بناء الدستور التي يمكن أن تتعلمها البلدان التي تدخل هذه العملية الأن أو في المستقبل؟.. حيث أجاب بإختصار بأنه بعد أن إستشار الرئيس الراحل التنزاني يوليوس نيريري، والذي نصحه بأن تكون الخطوة الأولى هي إتفاق الجميع ، دون إقصاء حتى الحزب الوطني، لوضع مجموعة مبادئ دستورية،حتى نمضي بعدها إلى إنتخابات جمعية تأسيسية،يكون عليها صياغة دستور ضمن المحددات المتفق عليها، في سعينا لخلق جنوب أفريقيا جديدة التي ستكون ملكاً لاوسع قطاع ممكن من سكانها ..ويكون الدستور معبراً للبلاد كلها لا لفئة دون الأخرى .. لأنك لاتستطيع مهما كان الحال أن تصنع دستوراً علىأساس الأكثرية .. وهذا مايعني أنه لن يكون هناك فارق مهم بين الدستور المؤقت والدستور النهائي إلا لجهة أن الدستور المؤقت جرى التفاوض عليه من قبل أشخاص غير منتخبين، حسماً لأي إختلاف مستقبلي، وحتى يكون الدستور متفق عليه من الجميع .. مع تأكيده أيضاً بوجوب ضرورة دور فاعل للمحكمة الدستورية تشرف على تطبيق المبادئ الدستورية، وكل ذلك لتأكيد أن الحزب الذي يفوز بالأغلبية لايستطيع إستخدام نفوذه حتى يفرض على الأقليه شيئاً خارج إطار المبادئ الدستورية المتفق عليها، وتأكيد لأنه لايوجد معنى لكلمة أقليه في وطن.. وإنما الجميع متساوون أمام القانون في الدولة الجديدة.وفي إجابته على سؤال كيف كان أثر تلك المبادئ المتفاوض عليها على مسألة العفو العام وحقوق الأنسان وماهي الدروس التي يمكن أن تفيد الأخرين؟فقد ذكر الزعيم الجنوب أفريقي على أنه على الرغم من أنه لم يستطع أحد الطرفين هزيمة الطرف الأخر، لكن مسألة العدالة ظلت ماثله لأنك لاتستطيع أن تتجاهل الأشياء الخاطئة التي ارتكبت في مجرى الصراع وكان علينا أن نتفاوض على هذا الأمر.حتى لايشعر الطرف الأخر (وهم قادة لجماعة في المجتمع) أنهم أن لامكان لهم في الديمقراطية القادمة الجديدة ..

ومن ناحية أكثر براغماتية أن كل مفاصل الدولة المدنى والعسكري الاقتصادي الأمني في يد البيض، رغم إننا كنا نمثل الأغلبية، إضافة إلى أن أكثر مراكز القوى ظلت موجودة في مكان أخر .. وإذا كنا نريد لهذا التحول أن ينجح فأننا بحاجة لمشاركة هؤلاء الناس .. وكان أمامنا السؤال كيف نريد للجميع المشاركة لاقامة الديمقراطية وفي نفس الوقت تسعى لعزلهم ومحاكمتهم .. لذا كان واجباً علينا إيجاد حل لهذه المشكلة .. وهو ما إقتبسناه من دولة شيلي ، وهو إقامة هيئة الحقيقة والمصالحة .. بمعنى إذا صرح الناس بالحقيقة كاملة ولاشيء غير الحقيقة فأنهم يستطيعون الحصول على العفو العام وإلا فتجب محاكمتهم .. وبالإعتراف بالحقيقة، كاملة يستطيع الضحايا واسرهم معرفة من المذنب ويتلقوا إعتذاراً عما حدث والإلتزام بعدم تكرار هذه الجرائم .. وبعدها مُنحو العفو.. وبالرغم من ذلك كان هناك أشخاص من البيض ممن اتهموا بإرتكاب جرائم ويقضون إحكاماً بالسجن جرت محاكمتهم، وبعدها طلب عدداً منهم الإستفادة من العفو ورفض طلبهم، فيما بعضهم لم يطلب العفو .. ورغم ذلك كان علينا إيجاد توازن بين مسألة العدالة وبين الإنتقال السلمي لبلادنا تجنباًلأي صراع مستقبلي محتمل .. ورغم صعوبة القرار لكنني شعرت بأنه لابد من إتخاذه كقائد..وذهبنا لأكثر من ذلك حيث طلبنا منهم .. رغم فوزنا بالانتخابات باكثريه بلغت 98% .. المشاركة في الحكم كحزب لنشكل حكومة وحدة وطنية ولقد فاجأتهم هذه المبادرة من جانبنا.. وثبت أن هذا أمر مهم لأنه أغنى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عن الإنشغال بقضايا أخرى ملحه، وتحتاج لعجالة في المعالجة، وهي قضايا الإدارة الإقتصادية من أجل التنمية، لادراكنا أنها لابدمن أن تقوم على إستقرار وأمن دائمين وإطمئنان من الجميع، ولذلك ظل هدفي هو متابعة السعي إلى تحقيق هدف المعالجة الوطنية للوحدة الوطنية نقطة التركيز في فترة رئاستي، وكنت نادراً،  أحضر جلسات الحكومة حاملا تلك الرسالة، وبذا أصبحت هيئة المصالحة والحقيقة جزءاً مهماً من عملية التحول بكاملها، وإرساء دعائم الديمقراطية القائمة على برنامج يعالج كافة قضايا الإصلاح الشامل في كافة مناحي الحياة

اترك رد

error: Content is protected !!