بسم الله الرحمن الرحيم
السماني الوسيله الشيخ السماني *
لقد ابتدر الكاتب نبيل زكاوي في ورقته المقدمه لمركز الجزيره للدراسات في أكتوبر ٢٠٢١ قائلا:
ستلازم الدول الافريقيه، وعلى الرقم من تقدمها النسبي على مر السنين، وفي ظل استمرار ضعف المؤسسات واستشراء الفساد واستعصاء التنميه، وضعية الهشاشه، حيث القيود الناشئة عن الافتقار الي القدرات المؤسيسة والشفافيه في التدبير والقيود التشغيليه للاقتصاد والاجتماع البشري، لا يمكنها الا ان تعرقل جهود بناء السلام والامن والاستقرار.. وأضاف : على الرغم من أن الامن ينقسم إلى خمس دوائر، شرق وغرب ووسط وشمال وجنوب.. الا انه يظل مترابطا ومتجانسا. ويتبادر الي الذهن حالا عدة أسئله :
١/ متى بدأ الاهتمام الدولي بقضايا الأمن والسلام في افريقيا ؟ . ٢/ ما هي التحولات التي حدثت في الاهتمام في اعقاب قيام الحرب البارده ؟ . ٣/ ما هي أساليب القوى الدوليه في التعامل مع الدول الافريقيه منفردة او مجموعات امنيه اقليميه ؟ . ٤/ ماهي الأسباب الحقيقه وراء الاهتمام المتزايد ؟ . ٥/ هل هناك إجماع او سياسات موحده للمجتمع الدولي تجاه قضايا الأمن في افريقيا ؟ . ٦/ أين يقع المواطن الافريقي في حسابات السياسات الامنيه هذه
واخيرا كيفية تخطي عقبة بناء السلام والامن في أفريقيا…؟ واود ان ابتدر حديثي بمقولة وردت في خطبة للرئيس كارتر في إحدى جولاته الانتخابيه في عام ١٩٧٦م في ولاية تكساس :
ان ما يحدث في أفريقيا من فوضى ليس من صنعنا نحن، بل هو بسبب الانسحاب السريع للقوى الاستعمار الاوربيه من أفريقيا،، ولقد اخطانا نحن عندما حاولنا إيجاد حلول سريعه.. فبدلا من استخدام الماء لاطفاء النار،، استخدمنا النار لاطفاء النار… ومن المعلوم ان كثير من الصراعات والنزاعات بدأت في كثير من الاقطار الافريقيه حتى قبل خروج القوى الاوربيه التي كانت تستخدم سياسة فرق تسد الشهيره، وتفاقمت هذه الصراعات في عقاب قيام الحرب العالميه وبداية فترة الحرب البارده.. وظهور سياسة احتواء المد الشيوعي في العالم . إذ شهدت دولا افريقيه حركة انقلابات عديده وانقلابات مضاده، حيث بلغت المائة إنقلاب في الفترة مابين عام ١٩٦٦ والعام ١٩٦٧.. ولقد ظل المواطن الافريقي يدفع الثمن باهطا جراء هذا الصراع المميت، إذ ظل كل طرف من طرفي النزاع : الكتلة الشرقيه بقيادة الاتحاد السوفيتي، والغربيه بقيادة الولايات المتحده، يحاول كل طرف من توسيع دائرة وجوده وتأثيره في أفريقيا خاصة والعالم اجمع.
فلقد شهدت اغلب الاقطار حركة تحرر وطني ونالت استقلالها بعد الحرب العالميه الثانية، وبدأت الشعوب تتطلع لعهد جديد وتستعد لمرحلة البناء الوطني وبناء دولهم المستقله، لتصبح جزءا من العالم الجديد، والذي سادته شعارات الحرية والعداله. كما شهدت تلك الفتره انشاء منظمة الوحدة الافريقيه في مايو ١٩٦٣م، التي كان هدف مؤسسيها ان تعمل على إكمال تحرير القارة ودولها نهائيا
من المستعمر، والعمل على القضاء على التخلف الاقتصادي، وتشجيع التكامل السياسى والاقتصادي، والارتقاء بالقارة الي المكانة التي تليق بها على ساحة صنع القرارات الدوليه، مساهمة في صنع السلم والسلام والامن الدوليين..
ولكن ووجهت الدول بجملة تحديات نوجزها في الاتي: ١ / ضعف البني السياسيه نتيجة لحرمان المستعمر للمواطن لحرية العمل السياسي الذي تمت مواجهته بعنف شديد، الامثله كثيره : الثوره الجزائريه والمليون شهيد.. ج أفريقيا وحكم البيض.. وما قصة الرئيس لوممبا بعيدة من الاذان. والسودان وقمع الثورات التي قامت ضد المستعمر.. وزمبابوي.. كلها امثله فقط لا حصرا.. مما أضعف التكوين السياسى.. إضافة إلى ضعف التعليم وحصره في فئات معينه من المجتمع، وتوجيهه لقضايا لا تخدم الا مصلحة المستعمر. ٢/ ابتدار سياسة فرق تسد، إشعالا للفتن وبذرا لبذور الفرقة بين مكونات المجتمع.. دينيا وقبليا داخل الوطن الواحد.. وعبورها للحدود التي تشترك فيها كثير من الدول القبائل . ٣/ تقديم الديمقراطية كحل او نموذج صالح بالرغم من عدم مواءمتها للمجتمعات الافريقيه في ظل ما ذكر من صراعات اثنيه وقبليه .. ٤/ ورثت معظم الدول اقتصادا يفتقر الي أدنى مقومات الاقتصاد . ٥/ خلافات النخب وتهافتها نحو السلطه وارتباط معظم القيادات بالدول المستعمره مما أثر على القرار الوطني. ٦/ تم إنشاء الجيوش الافريقيه في ظل الحكم الاستعماري، وضعف اقتصاديات البلدان الافريقيه، واستمرار الروابط َمع تلك الدول، عليه لم تستطع الدول الافريقيه من أحداث نقله بنظره جديده، تراعي فترة ما بعد الاستقلال وما يتطلب ذلك من ترتيبات داخل منطوماتها العسكريه. ٧/ أيضا عدم قدرة الدول الناشئة على بناء مؤسسات وطنيه تقود عملية التنميه وتحقق السلام الاجتماعي ٨/ الدور السالب للشركات الاجنبيه التي ظلت تعمل لفترة بعد خروج المستعمر، ودخول الشركات ذات الطابع الأمني وارتباطاتها الخارجيه. ٩/ استخدام المعايير المزدوجه من المجتمع الدولي في مواقف عديده خاصة فيما يخص قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير والديمقراطيه. ١٠/ استخدام القبليه والاثنيه . وتغذيتها بواسطة أصابع خارجية، بحجة نيل المطالب بدلا من العمل على حل القضايا داخليا. ١١/ انتشار ظاهرة الفوضى الاداريه والفساد . ١٢/ ضعف البني التحتيه . ١٣/ انتشار ظاهرة التجسس واستخدام بعض المواطنين لضعف الانتماء الوطني مقابل اغراءات ماديه . ١٤/ تفشي خطاب الكراهيه مما قاد الي خلق بؤر صراع داخل المجتمعات وظهور الحركات المسلحه . ١٥/ انتشار بيع الأسلحة . ١٦/ انتشار ظاهرة بيع المخدرات . ١٧/ النزوح واللجوء في اعقاب الصراعات المسلحه وظهور الجريمة المنظمة والهجره (غير الشرعيه َكما يطلق عليها للفارين من مناطق الصراع وانعدام الأمن والخدمات) . 18/ ضعف الخدمات الاساسيه من توفر مياه صالحه للشرب والصحة والتعليم والمأوى. وعلى الرغم من نجاح بعض الدول في معالجة بعض هذه المشاكل، الا ان الضغط الدولي والتسابق نحو أفريقيا والصراع حولها ظل مستمرا، واسوق مثالا عندما قررت الحكومه المصريه تاميم قناة السويس، تصدت إليها فرنسا وبريطانيا وإسرائيل فيما عرف بالعدوان الثلاثي في عام ١٩٥٦.. وهي رساله واضحه ان الدول الافريقيه مطلوب منها ان لا تتخذ قرارا يتعارض مع المصالح الغربيه.. علما بأن القاره الافريقيه تذخر بمواد خام تعادل ٣٣٪ من إجمالي الاحتياطي العالمي لمواد هامه جدا في الصناعة كخام الحديد والذهب والمعادن النفيسه واليورينيوم والبلاتين والنحاس والنفط ومصادر مياه تمكن من توليد الكهرباء رخيصة الثمن وصديقه للبيئه.. فبدلا من ان تساعد الدول الغربيه الدول الافريقيه عن طريق خلق شراكات للاستفاده من هذه الموارد تعود بالنفع للطرفين، دخلت في مجازفات عديده من تدخلات مباشره واحداث انقلابات تؤمن وصول قيادات مواليه، لسدة الحكم تستطيع من خلالها ان تنفذ خططها المختلفه. مما أدى إلى تفاقم مشاكل الدول الافريقيه التي كان من الممكن كما اسلفنا ان تكون شريكا، بمواردها الخام مع المجتمع الغربي الذي يمتلك راس المال والخبره والتكنولوجيا، وتعم الفائده على المجتمع الغربي والافريقي على السواء، خاصة الدول الافريقيه التي ستتبدل الحاله فيها ويعم الاستقرار وينعم شعبها بحياة كريمه وتختفي كافة الظواهر السالبه، التي ما زال العالم يعاني منها الان: البطاله حيث أن تعداد الشباب في أفريقيا يقدر بنسبة لا تقل عن ٥٠٪ من سكان القاره.. عنصر الشباب الذي ان لم يجد ما يكفل له أساسيات الحياة، يصبح مضطرا لاتخاذ اية أساليب يحاول من خلالها ان يؤمن احتياجاته كإنسان له وأسرته. . وسوف تختفي ظواهر أخرى الجريمة المنظمه.. والعابره والإتجار بالمخدرات والهجره.. والانضمام لاية جماعه من الجماعات التي تخرج عن طوع القانون.. كان يمكن أن يحدث ذلك لو تم العمل بالشراكة كما اسلفت، بدلا من التسليح وزعزعة أمن الدول الفقيره، لانه من المعلوم ان دولار يتم صرفه في التنميه يساوي أضعاف قيمته في حالة الحرب.. اما الدولار الذي يصرف في التسليح والحروب فهو خسارة ماديه ومعنويه.. لكل ما تم ذكره لم تتمكن الدول الافريقيه من، ولم يتم تشجيعها لفتح أبواب حوار شامل، يتمكن الشعب من خلاله من صياغة وثيقه وطنيه جامعه ترسم استراتيجيه قوميه وفق تراض وطني، يحدد الطريق إلى حكم راشد يقود البلاد الي تنمية حقيقيه بالتعاون المشترك. وتجدر الاشاره الي ان اهم عناصر هذه الاستراتيجيه هو الأمن القومي،. إذ انه المعنى بتحديد كافة التحديات والمخاطر والمهددات الداخليه والخارجيه، التي تهدد او من المحتمل أن تهدد أمن الوطن والمواطن، ووضع الأساليب الكافيه لحماية الوطن والدفاع عن مصالحه وقدراته.. وارضه وشعبه..
عليه فإنه عند وضع الاستراتيجيه للامن القومي، لابد من الأخذ في الاعتبار العوامل الاتيه:
١/ حدود الدوله.. إذ انه كلما اتسعت وتمددت حدود الدوله تطلب ذلك الأخذ في الاعتبار حجم القوه العسكريه المطلوبه ومقدراتها، إضافة إلى وجود قدرات وخطط دبلوماسييه تكون مساعدا لها.. ٢/ موارد الدوله وتعددها وسهولة تحويلها إلى موارد حقيقه، لمقابلة الصرف علي كل ما يلزم من خطط وبرامج تنمويه واجتماعيه واقتصاديه وعسكريه، اذ ان تعدد الموارد وندرتها يمثل عنصرا هاما من مصادر قوة الدول، ومدي تأثير الدول في اقليمها وجوارها او على المستوى العالمي. ٣/ ياتي الموقع الجغرافي بما له من تأثير مباشر في قوة او ضعف الدولة، كالدول المشاطئه لحركة التجارة الدوليه مثلا ومجاوره لبلدان لا تملك منفذا للبحر.. ٤/ حجم السكان يعد أيضا من العناصر الهامه في قياس القوه اذا ما وجد الإعداد والاهتمام السليم. ٥/ الإعلام في عصر جعلت منه التكنولوجيا أخطر مصادر المعرفه التي قد تؤثر سلبا ام إيجابا .. وجعلت من العالم قرية صغيره.. وبالعودة الي الاسئله التي طرحتها في مقدمة الورقه يتضح ان الاهتمام بالامن في أفريقيا بدأ مبكرا، لكن وتيرته ازدادت بعد نهاية الحرب العالميه وبداية الحرب البارده مباشرة، اذ شهدت الفتره ما بين ١٩٦٦ والعام ١٩٦٧ حدوث ١٠٠ إنقلاب عسكري إنقلاب مضاد كما أشرنا من قبل. واستمر الاهتمام على ذات الوتيره في اعقاب ظاهرة ما سمي بمكافحة التطرف والإرهاب، اذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ سياسات لمحاربة هذه الظاهره، واعلنتها حربا استخدمت فيها اساليب عده:
تكوين القوه التي عرفت بافريكوم.. انشاء قواعد في الصومال وجيبوتي واجراء تفاهمات مع عديد من الدول الافريقيه لتسهيل مهمة هذه القوات.. وذهبت الي ابعد من ذلك مستخدمة نفوذها الدولي في فرض عقوبات كما تقرر هي، واستخدمت حتى القضاء الأمريكي وقوانين ولوائح اجهزتها التشريعيه وتعدت بها حدودها الامريكيه وطبقتها خارج الحدود، وبذا أصبحت تحدد من هو المخطئ وتنزل عليه العقاب.. وتبعها الاتحاد الأوربي في ذلك، وزاد ووسع من محيط أنشطة حلف الناتو.. فبدلا من ان تصبح الدول الاوربيه صاحبة المشوره فيما يخص مجابهة المخاطر نسبة لخبرتها الطويله في افريقيا، أصبحت تابعا فقط للسياسات الامريكيه، التي كما ذكر الراحل كارتر واشرت اليه في بداية هذه الورقه بأنهم ظلوا يطفأون النار مستخدمين النار بدلا من استخدام الماء. وبعد فتره نادي الاتحاد الأوربي الي إستخدام ما عرف بسياسة ( المزيد من أجل المزيد ) الأمن والتنميه.. كمدخل لاستتباب الأمن والسلام، مما يعني، ان حدوث تطور إيجابي ينعكس إيجابا والعكس صحيح تماما.. لكن لم يندفع هذا المشروع ليصل الي غاياته، وهو مطلوب حتى الان وبشده.. وانني اذكر اني قد حضرت اجتماعا في مدينة طرابلس الليبيه في عام ٢٠٠٩ لوزراء خارجية وداخلية الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي والتي كانت معنيه بالتعاون في عدة مجالات وأهمها مكافحة( الهجره غير الشرعيه….. ) حيث طرحنا من جانبنا كوزراء ( وكنت ضمن اعضاء التروبكا الخمسه الذين يمثلون الجانب الافريقي) ، عندما طرحنا رؤيتنا بأن تقدم الدول الاوربيه حزمة مشروعات في مجالات الخدمات العامه من بني تحتيه وصحه وتعليم ومياه وتوليد كهرباء، وان تبني شراكه حقيقيه تحرك الاقتصاد الأوربي وتعود بالنفع على أفريقيا تخاطب القضايا التي تشغل بال العالم.. لكنني أرى أن دخول لاعبين جدد على المسرح الافريقي، وبثقل كالصين والهند وتركيا قد زاد من عدم رسم استراتيجيه موحده للتعامل مع أفريقيا، رغم انه ما زال هناك مجال للتعاون، بدلا من استخدام أساليب تعمق من الازمات، وذلك بمحاولة فرض آراء او توجهات تكون مرفوضه من قطاع عريض وسط الشعوب المعنيه..
خاصة ان دخول اللاعبين الجدد يتبعون طريقه جديده ومختلفه عن الطريقه التقليديه التي ظل يتبعها الغرب في تقديم القروض.. تحضرني مقابله أجرتها صحيفة القارديان البريطانيه مع الرئيس السنغالي السابق عبدالله ديوف، عندما وصف الصحفي دخول الصين الي أفريقيا بالاستعمار الجديد.. فرد الرئيس السنغالي بانهم في أفريقيا يرحبون بمثل هذا النوع من الاستعمار، واردف، ان الصين طرقت ابوابنا تطلب شراكه للاستثمار في موادنا، بينما دولكم تمنح قروض لمشروعات معينه، وتستنزق نسبة ما لايقل عن 50٪ من قيمة القرض في تغطية تكاليف الدراسه وسفر وإقامة ومرتبات الفنيين. وعند بداية المشروع يضيفوا مبلغ اخر لتغية التكلفه الكليه للمشروع. فعندما يبدأ العمل يفقد المشروع جدواه لان كل التكاليف السابقه تحمل علي المشروع ويثقل كاهلنا بأصل القرض وفوائده..
إذ يشكل التعاون وخلق الشراكات اسرع وانجع الحلول ويعيد الثقه، طالما ظلت أفريقيا تشكل احتياطا لعدد غير قليل من الموارد البشرية والمواد المعدنيه، ويعمل على تحقيق سلام دائم في أفريقيا تكون ثمراته: إيقاف كل الظواهر السالبه، وتتوفر الإمكانات التي تؤمن حقوق الإنسان الاساسيه من مياه صالحه للشرب وكهرباء وصحه وتعليم وأمن وغذاء، والتي في حيال غيابها وانعدانها لا تعني مفاهيم الديمقراطيه وحريات الأفراد الشخصيه شيئا، بالنسبة للانسان المحروم.. كما أنه بغياب اسلوب الشراكات، سيشتد الصراع بين القوى الجديده في العالم في محاولة الحصول على أكبر قدر من مما تحتاجه هذه الدول.. واذا أخذنا السودان مثالا حاله ماثلة الان. فإننا نرى ان السودان ومنذ استقلاله ورث حربا في جنوب البلاد حتى قبل اعلان الاستقلال، فسر المراقبون ان المقصود منها كان، ان تبطل خطوات تنفيذ اتفاقية الحكم الذاتي التي منحت السودان حق تقرير المصير، وذلك باعلان حالة الطوارئ بحسبان ان البلاد تشهد حربا وفوضى، عليه يمكن للحاكم العام فرض حالة الطوارئ وتعطيل الاتفاقيه.. ثم إن المستعمر كان ان أصدر قانون المناطق المقفوله، بحيث لا يسمح للمواطن من شمال السودان بالسفر الي جنوب البلاد الا بعد الحصول على تأشيرة دخول، إضافة إلى منع تدريس اللغه العربية والدين الإسلامي في مدارس الجنوب، وان تكون العطله في الشمال يوم الجمعه وفي الجنوب يوم الأحد..مما خلق فجوه كبيره في تواصل المواطنين في البلد الواحد.. كما كان رسم الحدود واحدا من الازمات الحقيقيه، اذ ان الطريقة التي تمت بها قسمت القبائل بين السودان ودول جوارها التسع مما شكل جزءا من المشاكل التي جابهت الحكم الوليد بعد الاستقلال.. أيضا اضاف نظام الحكم الثنائي الذي حكم السودان، نوعا من الصراع الذي أثر داخليا على مجريات الأحداث، داخليا بين متعاطف او مؤيد لكلا الطرفين الانجليزي والمصري، مما القى بظلاله على القرار الداخلي قبل وبعد الاستقلال، مما قاد الي اقحام القوات المسلحه في الحياة السياسيه لفترت طويله، مستخدمة بواسطة القوى السياسيه المتصارعه حول السلطه
مما أدى الي انقطاع العمليه الديمقراطيه وتطورها، إذ لم تكمل اي من الحكومات الديمقراطيه الثلاث دورتها الانتخابيه.. إذ حكم السودان منذ الاستقلال.. ثلاث فترات ديمقراطيه بلغ عدد سنواتها ٩ اعوام بالإضافة إلى ثلاث سنوات فترة المراحل الانتقاليه( ٥٦ – ٥٨..٦٥-٦٩..٨٩-٢٠١٩)
بينما كانت فترة الحكومات العسكريه ٥٢ عاما عجافا. (٥٨..٦٤…٦٩-٨٥..٨٩..٢٠١٩)
الحكومه الديمقراطيه الاولي والتي نال فيها اغلبيه مطلقه لم تستمر أكثر من ستة أشهر حينما انقسم نواب من الحزب الحاكم وشكلا حزبا جديدا، ومن وقتها لم ينزل حزب اغلبيه تمكنه من تكوين حكومه منفردا، إذ كانت كل الحكومات منذ ذلك الحين حكومات ائتلافيه والأكثر من حزبين، مما لم يكسبها صفة الاستقرار، بل كان طابعها الانقسامات التي أصبح طابعا مميزا الفترات الانتقاليه. بينما كان القاسم المشترك بين فترات الحكومات العسكريه القرارات المتسرعه وعدم التخطيط الاستراتيجي، واتخاذ قرارات لا تراعي سوي مصلحة المجموعه الحاكمه، ومحاولاتها الي إعادة تشكيل الشعب السوداني كل حسب رؤاها، إضافة الي تحويل مهمة القوات المسلحة والاجهزه الأمنيه لحماية النظام الحاكم وليس أمن الوطن والمواطن.. ورغم طول فترتها، الا ان روح الاقصاءوسياسات التمكين، إذ طالت قوائم الفصل لما عرف بالصالح العام، لكل من يخالف النظام توجهاته الضيقه المفهوم.. وكذلك التدهور المريع في البني التحتيه الاساسيه، وبدأت مؤشرات الاقتصاد في التراجع وتدنت قيمة العمله مقابل العملات الاجنبيه، وشهد المجتمع انقساما حادا.. ولم يستفيد اي من النظم المتعابقه من الأخطاء التي سبقته والعمل على تلافيها، فمثلا عندما جاء نظام جعفر نميري ٦٩ الي ٨٥.. واعقبه نظام الثلاثين من يونيو لم يستفيد من الأخطاء التي ارتكبت وقتها، الاقصاء والفصل من الخدمه، الاعتقالات وحل المؤسسات القوميه وبعض الوزارات المتخصصه، واتباع سياسه خارجيه غير متوازنه، وفتح الباب على مصراعيه لاستقبال الجماعات المعارضه رغم اختلاف توجهاتها: كارلوس.. نايف حواتمه.. الزنداني.. بن لادن.. وآخرون.. مما جر على البلاد جملة من التحفظات..اقليميا و دولياً .. وفقدت البلاد خبرات جمه وفي مجالات عديده، وأصبح شغل الوظيفة العامه بلا معايير سوي الالتزام الصارم بخط الدوله.. وتفشي الفساد والفوضى وتضارب القرارات.. وعدم استقرار السياسات. . وشهد جنوب الوطن حربا طاحنه استغلتها أجهزة الإعلام الدولي.. وصورتها حسب ما كان يصدر في الداخل.. بأنها حرب دينيه من اغلبيه مسلمه ضد المسيحين في الجنوب، علما بأن الإسلام في الجنوب يدين به كثير من أبناء الجنوب، وان التسامح الديني في السودان لا شبيه له في العالم، حيث انه لم تشهد حتى الآن المحاكم ولو على مستوى المحاكم الاهليه حالة واحده لنزاع ديني بين مواطنين سودانيين، بل انك لتجد في الاسره الواحده من يؤمن بالدين المسيحي واخر بالاسلام، وان أغلبية الاسره لها ديانتها الافريقيه التي تعرف بالكجور او الذين لا ديانة لهم.. ونتيجة للسياسة الرعناء تجاه جنوب الوطن، وازدياد الدعم الخارجي للمعارضه الجنوبيه، واستمرار الحرب، رضخ النظام لشروط الغرب التي أدت في نهاية المطاف الي انفصال جنوب السودان واعلان قيام دولة ج السودان. لقد كان من الممكن أن يبقي جزءا من السودان وفق سياسات راشده تؤمن وحدة التراب والشعب، في عصر تتجمع فيه الشعوب لتزيد من قدراتها وتعمل على رفاهية شعبها وتحجز لها مكانا في عالم اليوم الجديد. بعد سقوط النظام في أبريل ٢٠١٩ وتكوين حكومه مدنيه في أكتوبر بالشراكة مع العسكرين، لم تنجح التجربه وكان السبب الأساسي وراء الفشل محاولات كل طرف من الاطراف الاحتفاظ بالسلطه منفردا، عكس لما تم الاتفاق عليه في الوثيقه التي تم بموجبها اتفاق تشكيل اجهزة الدوله.
واتسعت دائرة الخلافات وازداد الأمر سوءا.. اقتصاديا.. امنيا.. مجتمعيا، رغم الامال الطموحه في اعقاب قيام الثوره، والأحلام الكبيره، لكنه كان واضحا غياب القوى السياسيه الواعيه والقيادات المتجرده، مما أدى إلى تفاقم الأمر وازدياد حدة الاستقطاب، انقسام كلا المكونين العسكري والمدني وتبادل الاتهامات، اذ تمرد جزء من القوات المسلحة..
وهي قوات الدعم السريع.. ودارت حرب لا تزال تلقى بظلالها السالبه على مجمل الأوضاع في البلاد، اذ لجات اعداد كبيره جدا الي دول الجوار كما نزحت اعداد غفيره داخل السودان، نتيجة لممارسات قوات الدعم السريع داخل العاصمه التي تشهد صراعا عسكريا لأول مره بهذه الصوره البشعه، اذ احتلت بيوت المواطنين وترويعهم، ونهبت أموالهم ومدخراتهم،وانتهاك اعراض النساء وتم تحطيم وتدمير البني التحتيه.. وكان واضحا وجليا ان وراء تحرك الدعم السريع سندا ودعما من دول بعينها ، من دول الجوار وخارج القاره تحدثت عنه كثير من أجهزة الرصد والتحليل والدول. من المعروف ان السودان وطوال تاريخه ورغم ضيق إمكانياته،، الا انه لعب أدوارا مقدره في مساعدة حركات التحرر في العالمين الافريقيد والعربي، إضافة إلى ما قدمه من مساعدات عينيه وفنيه واداريه ودبلوماسييه وعسكريه وانشاء نظم قضائيه، وفي دول عديده. وظل يلعب دورا زائدا في مجال الربط بين العالمين العربي والافريقي، لكن يبدو ان هذه النقطه بالذات جرت عليه كثيرا من المشكلات داخليا وخارجيا.. ونتيجة لكل ما ذكرنا من أسباب فلقد تأثر دور السودان سلبا في الفتره السابقة وتضعضت مكانته في محطيه القريب والبعيد، بعد أن كان فاعلا ومؤثرا، الا ان ما يميز السودان موقعه الجغرافي المميز وتعدد موارده وكثرتها لحد التخمه، ووجود طبقه مستنيره ومتعلمه تمتلك خبرات عاليه وفي مجالات عديده متنوعه، بالإضافة إلى الخبره الديمقراطيه، وتبدو الان امام شعبه فرصة تاريخيه نادره لإعادة الأحوال الي نصابها، وإعادة الاستقرار وتحقيق سلام عادل، اذا أدرك أبناء الشعب السوداني بمختلف توجهاتهم وانتماءتهم الفكريه والجهويه والثقافيه والدينيه، انهم امام تحد كبير وعظيم تحيط به المخاطر والمهددات والاطماع احاطة السوار بالمعصم.. وان لم يتركوا كل هذه الخلافات والاختلافات، وان يتحلى الجميع بروح التضحية والتجرد وقوة الاراده والعزم والعزيمه.. سيضيع السودان كله من بين ايديهم جميعا.. عليهم ان يجلسوا على مائدة حوار جامع، بحسبان ان الحوار هو الشرعة الالهيه الماضية والباقية لا يزيغ عنها الا المتنكب عن الطريق السليم.. ولا يرفضه الا المخالف للفطره.. وبه تستمر المسيرة الانسانيه.. وبه يحصل التجانس عند التنوع واختلاف الرأي والرؤى والمناهج.. وان السودان بلد مترامي الأطراف.. أبوابه مفتوحه، وتكتنز أرضه بثروات كثيره ، لذا لا يستغرب بروز كثير من الاشكالات والأزمات بفعل التعامل السياسى الخاطئ، او بفعل الأيادي الخارجيه المغرضه حتى صارت مظهرا من مظاهر التنافر الاجتماعي..
على الحميع الان ان يتنادو الي لحظة إجماع وطني ناظرين بعين المستقبل.. نحو أفق جديد، وان لا يعيشو في التاريخ متباكين على اللبن المسكوب، بل عاملين على التوافق والعبور وفق ما يلي : ان ينعقد مؤتمر دستوري، دون عزل، باعجل ما يمكن للاتفاق على النقاط التاليه والقابلة للحذف والإضافة او التاييد :
١/ الالتزام بالمواطنةروحا وقول وعملا. ٢/ ان تلتزم كل القوى السياسيه بالابتعاد عن القوات المسلحه والاجهزه النظاميه الأخرى، اذ انها تمثل هوية الدوله وأهم مقومات بنائها . ٣/ العمل على مراجعة التجربة منذ الاستقلال بغرض الاستفادة من الايجابي منها.. والالتزام بعدم تكرار الجوانب السلبيه. ٤/ الحريه، وهي القيمه الالهيه التي منحها الله يوم خلق الإنسان، وهى مسؤولية وامتدادا لنظريات العدل والعقد الاجتماعي، وان حرية الفرد تبدأ باحترام حرية الغير. ٥/ ان يقدم اداء الواجب في الدستور على المطالبة بالحقوف. ٦/ ان تكون التعدديه السياسيه والحزبيه المبراة من مكعبلات حرية الفرد، وان يكون التبادل السلمي للسلطه هو معيار تولي الحكم بتكليف شعبي عبر انتخابات حرة ونزيهه. ٧/ الاستفاده من تجارب الدول الشقيقة والصديقه في معالجتها لحسن إدارة التنوع والتعدد ليصبحان عناصر قوة لا عوامل فرقه. ٨/ العداله الاجتماعيه القائمه على التوزيع العادل للسلطة والثروه . ٩/ التأمين على نظام الحكم الاتحادي بمستوياته الاربعه، مع مراجعة التجربه السابقة ومنذ الاستقلال، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الموائمة بين الطموح والامكانيات المتاحه تدريجيا. ١٠/ استكمال ملف السلام ومراجعة اتفاقية جوبا بما يضمن تحقيق شمولية السلام واستدامته. ١١/ تفعيل مبدأ العدالة الانتقاليه بالصورة التي ترد المظالم وتجبر الضرر، وتعيد قيم التسامح، دون اخلال ولا تفريط ولا ظلم، وفق معايير قانونيه واضخه، مما يشكل ترياقا شافيا لمعالجة كل أوجه القصور منذ الاستقلال. ١٢/ ضرورة ان يكون الدستور معبرا عن روح التنوع والتعدد الفكري والديني والثقافي. ١٣/ ضرورة التأكيد، والعمل على وحدة السودان أرضا وشعبا. ١٤/ان تبني السياسة الخارجية وفق المصلحه الوطنيه العليا للوطن، وان تعبر عن عن الاحترام المتبادل والمصالح المشتركه، والعمل على ازالة كل أشكال العوائق، وأسباب الاحتقان في المجالين الإقليمي والدولي، مع ايلاء اهتمام خاص، وتطوير التعاون في منظومة دول حوض وادي النيل، لما له من أهمية استراتيجيه اقتصاديا وسياسيا وامنيا واجتماعيا. ١٥/ الالتزام بالمواثيق الدوليه دون أن تتعارض مع موروثاتنا الثقافية والاجتماعية والدينيه. ١٦/ تاهيل وافساح المجال للشباب والمرأه، حيث انهم يمثلون كل الحاضر وكل المستقبل. ١٧/ الالتزام الصارم بعدم استخدام السلطه في التأثير على مؤسسات الدوله وادائها: القضاء والجامعات والقوات المسلحه والخدمه المدنيه، والحفاظ على قوميتها ومهنيتها. ١٨/ تبني ميثاق شرف لكل شاغلي الوظائف العامه بأن يؤدوا الوظيفه دون تأثيرات من اي جهة : سياسيه او عرقيه او هوية او ثقافيه او دينيه. ١٨/ وضع سياسات جاذبه للمغتربين حتى يؤدوا دورهم الوطني كاملا تجاه الوطن وفق دستور الحق والواجب. ١٩/ الاهتمام بقطاع المعاشيين . ٢٠/ التأمين على ان الإسلام والديانات السماويه والمحليه والاعراف، قد شكلا هذا المكون الحضاري لأهل السودان، وهو المشكل لهويتهم، وهو الضمان الكافي لسد الثغرات امام هضم الحقوق، مما يتطلب رحابة الفهم استيعاباً لكل المناقصات الاجتماعيه، وتوظيفها لصالح الوطن الواحد بانتماءتها المختلفه أفريقيا.. عربيا. ٢١/اعلاء قيم التسامح المتوارث في المجتمع السوداني . ٢٢/ رفض ومحاربة خطاب الكراهية وروح الاقصاء، عبر سياسة تعليميه واعلاميه واضحه ومتفق عليها تهدف إلى تكريس الوحدة الوطنيه . خاتمه:
اذا لم يتم معالجة وتوفير حاجيات الإنسان الاساسيه، ستستمر حالات الانفلاتات الامنيه وذلك لاستمرار المواطنين في حالة الصراع من أجل تأمين احتاجاتهم من القليل المتوفر.. ويمكن أن نضرب مثلا بالاتحاد الأوربي، والقتال الذي ظل دائرا ولسنوات طويله بين شعوبه، قبل أن تنشأ فكرة الاتحاد الأوربي الذي وحد كل دول الاتحاد، حيث ارتبطت مصالح شعوبه كلها، حتي غدت اوربا تشبه وحده واحده صغيره..
——————-
*رئيس المكتب السياسي المكلف للحزب الإتحادي الديمقراطي
٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣م – باريس