الرأي

الجيش السوداني: حمى السودان في أصعب الأوقات نحن مدينون له بالتقدير والاعتذار

بقلم د. محمد عثمان عوض الله

بعد ثورة ديسمبر، شهدت الساحة السودانية موجة من الخطاب الإعلامي المكثف ضد الجيش السوداني. وقد أثرت هذه الحملة على قطاعات واسعة من الشعب السوداني، ما جعلهم يصدقون العديد من الدعاية المسيئة ضد الجيش. فعلى الرغم من أن ثورة ديسمبر كان من المفترض أن تمثل طموحات الشعب، إلا أن هذه الثورة شهدت حملة تحقير واسعة ضد الجيش السوداني، حيث رفع المتظاهرون شعار “معليش معليش ما عندنا جيش”.

كما شهدنا مشاهد أخرى كان فيها الشباب يحتجون، حيث تجمعوا وهتفوا بشعارات استفزازية ضد الجيش، وكانوا قد قدموا شاعرتهم لتلقي قصيدة بعنوان “جيشنا يا ولد الحرام”.

وفي مشهد آخر أمام مقر القيادة العامة للجيش، تجمع شباب ديسمبر أمام بوابة الدخول ورددوا شعاراتهم ومنعوا الضباط من دخول مكاتبهم ومزاولة أعمالهم، وقاموا بتفتيشهم في موقف كان مخزيًا ومذلًا.

بالإضافة إلى ذلك، كانت الحملة الإعلامية الأشرس ضد الشركات التابعة للجيش، حيث تم اتهام هذه الشركات بأنها تتلاعب بالاقتصاد الوطني، وطالبوا بتفكيكها. كما تدخلوا في تعيينات قيادة الجيش، واستخدموا الدعاية الإعلامية وضغط الشارع العام لإقالة بعض الضباط وإحالتهم إلى المعاش. كما و قد مارسوا ضغطًا على الجيش لإحالة الآلاف من الضباط إلى المعاش بطرق مختلفة.

في تلك الأثناء كانوا يساندون مليشيا الدعم السريع ضد الجيش عبر عدة مواقف. حيث أشادوا بشركات المليشيا وانتقدوا شركات الجيش الاقتصادية وطالبوا بحلها. كما أعلنوا عن خطتهم في إبقاء الدعم السريع كمليشيا منفصلة عن الجيش وموازية له لمدة 10 سنوات. ومن جانب آخر، استجلبوا خبراء المخابرات الأجنبية لإقامة ورشة عن كيفية تفكيك الجيش السوداني، و مارسوا ضغطًا على قيادة الجيش لكي توقع على مخرجات تلك الورشة وتوافق عليها وتلتزم بتنفيذها.

وعندما رفض الجيش تلك المقترحات، أوعزوا إلى رئيس المليشيا بأن تكون المليشيا هي الجيش البديل وأن يكون هو الرئيس البديل، وأن يستلم السلطة عبر انقلاب خاطف، وعندما فشل الانقلاب، تحولوا إلى الخطة ب وهي الحرب. ولا زالوا يساندون مليشيا الدعم السريع ضد الجيش، وضد الحكومة، وضد المجتمع.

رد فعل الجيش السوداني

طوال الفترة قبل الحرب، كانت قيادة الجيش تصبر على تلك الاستفزازات و تنحني إلى العاصفة، إلا أن نقطة التحول كانت في الورشة المخصصة لتفكيك الجيش ومن ثم اندلاع الحرب. و بعد اندلاع الحرب، تحولت المليشيا إلى وحش يرتكب المجازر والجرائم ضد المواطنين.

ولكن وفي هذه العتمة الظلماء، وجد المواطنون جيشهم الذي كانوا يسيئونه و يسبونه في الميدان. حيث ثبت الجيش للمعركة وتحمل أعباءها وخسائرها، صابراً على الحملة الإعلامية التي كانت تهاجم أداءه. إلا أن الجيش كان يخطط في صمت، و بشكل مهني بعيدًا عن الإعلام و عن ردود الفعل غير محسوبة العواقب.

وفي تصريحات له، قال الناطق الرسمي للجيش لمذيع قناة الجزيرة: “الآن الإعلام يتهمنا بالتقصير ولكننا جيش محترف نعرف ماذا نفعل ومتى وكيف نفعل، وسوف نثبت لكم ذلك بالعمل وليس بالتصريحات الإعلامية، ومن يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا”. وفعلاً، أثبت الجيش قدرته ومهنيته وثباته.

نجح الجيش في تحرير الأرض والولايات والمحافظات والمدن والأحياء والريف. كما أخرج المجرمين من منازل المواطنين بالقوة الجبرية، وأعاد النازحين إلى أحيائهم السكنية، وسلمهم منازلهم وأمن لهم حياتهم وحقوقهم و عادت نشاطاتهم و أعمالهم و خدماتهم و منشئاتهم و مؤسساتهم.

كما أعاد الجيش الدولة إلى شكلها الطبيعي، وحرر مقراتها ووزاراتها وخدماتها، وأعاد تشغيل مهامها. وتوج ذلك بتحرير رمز سيادة الدولة، ألا وهو القصر الجمهوري، وهو مقر الحكم و مركز الدولة. وكتبت قيادة الجيش اسمها بأحرف من نور في تاريخ السودان.

الجيش السوداني: دروس في الفداء والشجاعة

قدمت قيادة الجيش السوداني، القائد العام ونواب القائد وهيئة الأركان وقادة الفرق والمتحركات وكل المنتسبين من الضباط والجنود دروسًا نادرة في الفداء والشجاعة والعطاء والإيمان والمهنية والأخلاق والالتزام بالقوانين وقوة التحمل والصبر و التخطيط و التفاعل مع المستجدات الى أن حققوا النصر. من هؤلاء، كان هناك من حفر قبره بنفسه ليكون قدوة في الإقدام لجنوده، ولأجل أن يلجم نفسه فلا يخاف ولا يتحدث عن المكاتب الباردة. وهناك من خرج من السجون الحربية مباشرة إلى الخطوط الأمامية وقاد معارك تحرير وحقق انتصارات حتى استشهد. ومنهم الجريح الذي رفض العلاج واستمر في المعركة رغم إصابته.

كان من بين القصص البطولية أيضًا، كثيرون حملوا كاميرات الموبايلات وجالوا بين الخطوط الأمامية في جميع جبهات القتال ناقلين أدق تفاصيل المعارك والبطولات، حتى استشهدوا. ومن البطولات استهداف القائد العام بطائرة مسيرة أثناء احتفال تخريج الجنود، ومع ذلك لم ينزل عن منصة الخطابة وواصل حديثه لجنوده، داعيًا إياهم للذهاب إلى الخطوط الأمامية وكأن شيئًا لم يكن.

الجيش السوداني: انتصار على الغزو الخارجي

في إحدى أبرز المواقف البطولية، كان القائد العام للجيش السوداني هو أول من أطلق طلقة الدفاع عن النفس حينما هاجمته الجيوش الغازية في منزله، ما أدى إلى استشهاد 34 جنديًا من الحرس الرئاسي. أما قصص الضباط الذين قادوا معارك الثبات الأولى مثل تحرير جبل سركاب ومعسكر طيبة، فهي كثيرة وتستحق أن تكتب في التاريخ.

ورغم أن الجيش السوداني كان يواجه غزوًا خارجيًا مولته دولة الإمارات بمئات مليارات الدولارات، والتي ساندت هذا الغزو بالمرتزقة من أكثر من 20 دولة، وكانت تزودهم بالطائرات المسيرة والصواريخ والراجمات، إلا أن الجيش السوداني تمكن، بامكانياته المحلية، من الانتصار على هذا الغزو.

الخاتمة

الجيش السوداني يعد مفخرة للأمة السودانية. وفي ظل التحديات التي مر بها، أثبت الجيش قدرته وكفاءته في تحقيق الانتصار وحماية سيادة الوطن. وبالنظر إلى تاريخه البطولي ومهنيته العالية، فإن الشعب السوداني مدين للجيش السوداني بالاعتذار والتقدير، وهو ما يجب على الجميع إدراكه وتقديمه.

اترك رد

error: Content is protected !!