دهاليز / علي مهدي

 الجوائز العالمية تقديرٌ للإبداع وإشارةٌ واستنارةٌ للمسيرة .. الفرح الغامر بحصولي على جائزة حرية الإبداع العالمية والشارقة – اليونسكو للثقافة العربية  ..

علي مهدي نوري

 حُظيت بعدد من الجوائز العالمية لكن الأهم منها ابتسامة أطفال مشيت لهم في أوقات النزاع 

جائزة حرية الإبداع العالمية تدفع الناظرين لها لاحترام وتقدير التنوُّع والتعدُّد وأدوار الفنون في بناء السلام الأممي 

جائزة الشارقة – اليونسكو للثقافة العربية تُؤكِّد على أهمية تعزيز أدوار الفنون في نشرها للثقافة العربية وتعريفها للآخر 

شراكة اليونسكو مع حكومة الشارقة وشيخها العالم المبدع الدكتور سلطان القاسمي تُحقِّق للفكر والثقافة العربية مكانتها بين الحضارات فتمشي فرحة، شراكة مُستنيرة، ووعي يتكامل .

عُدت يا سادتي، والتصاوير أقدم، نظرتها بعد إشارة طيبة ودعوة كريمة لمُواصلة الإسهام في نشر السلام في الأوقات بالغة التعقيد هذه من جامعة (جورج تاون) في (واشنطن)، وبيننا بعد الود برامج مشتركة، وتبادل زيارات، وإسهام في دفتر حضور المعارف، لما تصبح جسرًا بين الأمم ، تدفع في العلاقات الدولية، عبر دبلوماسية، تجلياتها في فنون الأداء، والتجارب الجديدة ، والاستخدامات المنتجة للفنون في مناهضة العنف ، كل أشكال العنف المفضي للفوضى.

وتلك مدن تحتفي بي وتجاربي التمثيلية، أقمت فيها، وعملت مع أهلها في أسهل الأوقات وأكثرها صعوبةٌ وتعقيداً، وتظل عندي كما هي رغم ما مرّت عليها بعد الأيام والأشهر سنوات، لكن المدن التي احتفت بي وعروض قدمتها هناك، في مسافات أبعد، بين بلد وآخر، وقارة وأخرى، تمشيها في السماء لساعات طوال، إذا نظرت ثم نظرت لتكمل يومك بين السماء والأرض، وتُكثر فيها المسافة زماناً ومكاناً. الأوراد تنجيك من سأم يحل عليك، دون أن تدري أنك الأقرب بين السماء والأرض، لا الزمن محسوب، ولا المسافات يمكن التوقُّف فيها، أنت عند الرحمة الكبرى، يفتح لك القدوس السلام، فدخل تتهادى الأوقات، ولا تحزن، الفرح أقرب إليك من حبل الوريد. وتلك المدن التي شهدت واحتفت بعروضي الإبداعية، قبل اللقاءات والمحاضرات والورش والحوارات، كنت أقصد وأراهن، النظر بعين الفن للسياسات، والفرص المُمكنة لتعزيز أدوار الفن في بناءِ أفضل الأجواء للتعايش الأممي.

ولما كانت الجوائز العالمية الأصل في الدهاليز هذا الصباح، وتدفعني للنظر لها، ثم أسبابها. وقد عرفت اللجان العالمية للجوائز، أو للنظر في فرص التقدير لمرشحين لهم إسهامات مُقدّرة في مجالات الفكر والإبداع المتنوعة، وعملت في بعضها، محكمًا، وذاك أمر بالغ التعقيد، وفيها أحياناً كثيرة حسابات واتجاهاتها مغايرة . فلما حصلت على أهمها يومها على (جائزة حرية التعبير العالمية)، وكنت بعيداً عنها مقر الجائزة ومؤسسيها بين مدن (لندن) و(سنغافورة)، كنت يومها أكمل تدابير فنية لمُشاركة الفريق التمثيلي للمسرح الوطني – مسرح البقعة في واحدة من أهم المهرجانات، وكانت فرجة (بوتقة سنار) تحقق يومها فتوحات كُبرى، بعد عرضها الأهم عالميًا في مدينة (نيويورك) على مسرح (لماما)، والسيدة الصديقة لها الرحمة المؤسسة (الن ستيوارد) تفتح لي أبواب ذاك الفضاء الكبير في عاصمة المسرح الأممية غير بعيد عن شارعها الأشهر (بردوي) ، وكنت تلك الايام ومهرجان البقعة الدولي للمسرح يفتح فضاءات الوطن لفناني العالم من كل مناحي المعمورة ، عرباً وعجماً، وغير ذلك، وتزدان خشبة المسرح القومي شيخ المسارح الوطنية بفنون الأداء، وتختلط بالتجارب الأقدم والأفكار الأحدث في بناء وصناعة العروض، وتتلاقى الأفكار في الحوار المُستنير بعد العروض في خيمة البقعة، تفتح أبوابها للباحثين والنقاد والكتاب الشباب والمخضرمين، ونسمع عنها الصور الجديدة في أفكارهم ونقدهم البنّاء، فلم تكن ليالي مهرجان البقعة الدولي للمسرح للعروض فقط، صحيح أن الآلاف كانوا جالسين مبكرين في الظهيرة، بين حوار وقهوة وضحكة ورأي مغاير، وآخر قابل بالتعايش المسرحي الذي تتيحه البقعة المباركة دون حجر لرأيي، يغالط حتى في وجودها، وينكر أدوارها. ولكنها كانت أم الفقراء، تحتوي الجميع. ولما نحتفي بها الأشهر القادمة في دورتها الواحد والعشرين. سنفرح بها وهي عندي تستحق، وهذه الدورة إذا أكلت الهيئة المديرة ترتيبها واستكملت إجراءات الانعقاد، تكون الأولى في عقد المهرجان الثالث، وعقدي السابع وتلك حكاية أخرى. 

يومها ما كنت انتظر أخبارا أكثر من انني وفي برنامجي بالإضافة للعرض المسرحي، أن أحاضر وأدير ورشة مع صناع المسرح الجدد،  شباب تستهويهم الفِكر والأحداث، ويمشوا معها تجارب أخذت فنون الأداء بعيدًا عنها خشبات المسارح، وفي خاطرهم والأسئلة عندهم من أين لك أن تدمج الأطفال المجندين السابقين في المجتمع المدني؟ وما هي الوسائل والكيفية؟، وأسئلة عصية أخرى، وكنت استعد لها الرحلة الفنية والعلمية، ولم أعد كعادتي لمكتبي، يوم كان على شارع الجمهورية غير بعيد من تقاطعه مع شارع المك نمر. ورنّ هاتفي، نعم وانتظرت وطال انتظاري وعلى الجانب الآخر ومن (باريس) كان الصديق الدكتور الشاعر المسرحي (تابيوس بيانكوني) يسأل، ودار بيننا حوارٌ نتشارك فيه… 

أهلين كيف حالك 

بخير أين أنت في الخرطوم؟

نعم، لكني كما تعلم تستعد لنذهب إلى مسافات أبعد، تعرف برنامجي للعروض الخارجية، هذا وقتها الآن.

نعم نعم، لكني أحمل اخباراً مفرحة، تجعل رحلتكم أبهج 

يا سلام، ما أجملها الأخبار المُفرحة أرجوك هاتها 

أنت مرشح لجائزة حرية الإبداع العالمية 

نعم، أنا 

نعم، أنت من بين أكثر من ألفي مرشح 

ألفين؟

نعم هذا هو نظام الجائزة، ولجنة التحكيم تراجع المرشحين، ثم تذهب بالقائمة إلى أن تصل إلى ثلاثة، واحد يفوز، والاثنان يكونا قد وصلا لهذا المستوى من الترشيح.

نعم، نعم، هذا خبر يستحق أن أتوقف، شاكرين لك إبلاغي، وأرجوك أبعث لي التفاصيل.

وتوقّفت عند شاطئ النيل من عند المسرح القومي السوداني، غير بعيد عن مجمع الإذاعة والتلفزيون، والوقت بعد الظهيرة بقليل، ثم أسرعت لمكتبي، وبحثت عنها في كل منصة مُمكنة، وأسعدني ما كتب عنها، ثم راجعت مع الفرح الغامر أسماء أعضاء اللجنة الدولية، كُلّها قامات فكرية وفنية وعلمية وأهل سياسة.

وانتظرت بعدها استكمل التمرين (البروفة) وكنا نستعد للسفر، ولم اطلع أحداً، وكتمت الأمر، وإن عرفت بعدها أن الترشيح لها يعني إشارة تقدير. وبعدها يوم وقفت في القاهرة مع المرشحين الاثنين ننتظر أن تخطرنا الأمين العام للجائزة، سيدة من مدينة (كنت الإنجليزي) حديثها أقل، وبسمتها تشع كما النور البدري، ثم قالت.

أيها السادة ألف مبروك وصولكم لقمة المرشحين من بين ألفي مرشح من كل أنحاء العالم، وبعد قليل سوف يصعد واحدٌ منكم لاستلام جائزة حرية الإبداع العالمية، وقبله سيتناوب الاثنان للصعود بوصفهما وصلا لهذه المرحلة في الترشيح، وصمتت، بعدها أدركت فيه أنني الحاصل عليها الجائزة، لا شك عندي، ومن أين وأتاني يقيني؟ لكنني كنت متيقناً تماماً.  

وعادت تشرح بروتوكول الصعود للمسرح، اختاروا القاهرة موقعاً للإعلان والاحتفال وقلعة صلاح الدين بشكل خاص، وعالم ذاك المكان من إدراكي بأنني الفائز الأول، ثم قالت بوضوح 

(السيد عَلِي مهدي مؤسس ورئيس مسرح البقعة وصاحب مبادرة المسرح في مناطق النزاع، أنت الفائز بجائزة حرية الإبداع لهذا العام بعد أن وجدت اللجنة الدولية من بين ألفي مرشح أن جهودك الإبداعية والإنسانية تتوافق مع أهداف وشروط الجائزة واللجنة نظرت لنتائجها وتجربتكم وما تحقق، فقرّرت أن تمنحكم لها مع التقدير).

ولم أسمع بعدها حديثاً، كنت بعيداً وقتها، بين مدينة (ملكال) وضواحي (الجنينة) ومعسكر (أبو شوك) غير بعيد عنها (فاشر) السلطان، كنت قد دخلت معسكر (كلمة) بعد عرض ناجح في سوق مدينة (نيالا).

 قال من كان بعدها من أهلي الرسميين في سفارة السودان في القاهرة وكل سوداني سمع بالحدث وكانوا جالسين في الاحتفال ، إنهم أشاروا بتقدير كبير للتجربة، ثم اقترانها بالتطبيق للفكرتين ، مسرح للناس كل الناس وفي كل الأماكن بلا حواجز بينه والجمهور.

ثم وقفت بعدها على مسرح القاعة الأولى في مبنى (اليونسكو في باريس) التي نحب ونعشق لاستلام واحدة من أهم الجوائز العربية والإقليمية والدولية (جائزة الشارقة اليونسكو للثقافة العربية).

وكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم الشارقة، وفي إطار جُهُوده المُتّصلة لدعم الثقافة العربية، ودعم المنظمات العالمية و(اليونسكو) واحدة من أهم وكالات الأمم المتحدة، قد أعلن قبل عقد من وقت حصولي عليها الجائزة الأهم، عنها دعمًا للثقافة العربية  و(اليونسكو) قالت عنها في كتيب الجائزة، وكنت قد حصلت عليها في دورتها التاسعة، أول مسرحي عربي تمنحه لجنة التحكيم الدولية الجائزة، بعد ان ذهبت قبلي لكُتّاب ومفكرين ورسامين وأدباء، وكنت الأسعد بها، بين صناع المسرح العربي والدولي، وهي تشهد على عزم (اليونسكو) وأمارة الشارقة على نشر الثقافة العربية وتعزيزها. 

أطلقت الجائزة في عام 1998 وتمنح كل عام لاثنين من الفائزين، شخصيات، مجموعات، أو أفراد مِمّن أسهموا بجد وجهد في نشر معلومات مُقدّرة عن الفن العربي والثقافة. وهذا يعجبني جداً، خاصة بعد السبعينية، ويشترط أن يسهم المرشحون بدورٍ مُهمٍ وبارزٍ في تنمية وترقية الثقافة العربية في العالم، ويومها كنت اتّجه نحو الغرب الأقصى أقدم عروضا في مدينة المسرح (نيويورك)، وأسعى لنشر الثقافة العربية عبر المحاضرات والحوارات مع المبدعين في أكبر مؤتمر للمسرح والسياسة. وفهمت بعدها أنّ قائمة المرشحين ضمت عدداً من المبدعين والعلماء وتختار لجنة التحكيم منهم اثنين، اعترافاً بإسهاماتهم في تعزيز وترقية الفن والثقافة في مواطنيهما في العالم العربي من بين الباحثين والفنانين والفلاسفة والكُتّاب والمترجمين وغيرهم، حيث ينهل جميعهم من نبع الثقافة العربية كمصدر لإبداعاتهم. 

وكنت ذاك العام 2010 أحد الفائزين بالجائزة، وسأعود يوماً لما قالته لجنة التحكيم الدولية في أسبابها الموجبة لمنحي الجائزة مع الأستاذ  شريف الخزندار من (فرنسا) كاتب ومخرج مسرحي وشاعر وله إسهاماته البارزة في ترقية الحوار.

وذاك المساء ولأول مرة يحضر بعض من أهلي الأقرب وفي (باريس) واحدة من لحظات تكريمي.. وكنت الأسعد بذاك الحضور. 

وسأكتب عنها تلك المشاعر، دهليز يحكي قبل أن يعبر عنها 

وانتو طيبين.

اترك رد

error: Content is protected !!