بقلم / علي السيد
مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بالسودان
** إذا كان امتلاك المعلومة شيء نفيس فإن توظيفها لا يقدر بثمن، ومن اليسر أن يشكل الإنسان فريق عمل لكن من الصعب توظيف الفريق لتحقيق الهدف.
وإذا كانت التضحية واجب وفرض عين فإنه يجب أن تكون لدى من يقوم بها القدرة والشجاعة على القيام بها وإلا وقع في المحظور الذي هو أشد عقابًا من التكاسل عنها، ومن ثم لا يكفي الإنسان الإتيان بأحدهما دون الآخر أو دون القيام بهما معًا ، وإلا ينطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى :” رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ”.(سورة التوبة، الآية٨٧)، وقوله جل شأنه “وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ”.(سورة الأنفال، الآية ١٦) والوضع الراهن يطرح سؤالًا سهلًا لكن الإجابة عليه قد تكون صعبة على النفس بمكان ، خاصة عندما تختلف الرؤى ويظن كل إنسان أنه يمتلك الحقيقة كاملة دون غيره ودون النظر لأهلية الآخرين وما قد يكون لديهم من معطيات.
نعم قد يكون الإنسان محقًا في أنه يمتلك حقيقة دون غيره، لكن عليه ألا يعتقد أن غيره لا يمتلك الحقيقة أو لديه القدرة على توظيفها أفضل منه ، لا سيما في مجال العمل العام، الذي يتنافس فيه الجميع وفي بعض الأوقات على إظهار الذات أكثر من الرقي بالنفس والوصول للهدف الأسمى وهو ما يخرج الإنسان أو الجماعة من المنافسة إلى الأنا العالية ومن ثم الكراهية والتناحر إلا من رحم ربي.
ولعل ما يحدث الآن في الساحة السياسية بالسودان إن دل على شيء فإنه يدل على ابتعاد الجميع عن المعنى الحقيقي للتضحية والتي تتجلي في أبهى صورها في التضحية من أجل الوطن وبعيدًا تمامًا عن المنافسة من أجل رفعته واستقراره وإعادة بنائه ويعمل على الدخول به في نفق مظلم، وإن لم يتم تدارك الأمر ويحدث التقارب بين الأشقاء الذين يجب عليهم إدراك أن الطوفان حال وقوعه-لا قدر الله-لا يفرق بين كبير وصغير إلا من رحم ربي ، ولنا عبرة و عظة في الطوفان الذي أصاب قوم نوح ، لأن اللجوء للجبال أو أعالي الأشجار أو الذهاب إلى ما وراء البحار لن ينقذنا من الهول والخطر الذي يهدد الجميع، وإن نجونا من ذلك فلن ننجو من المسئولية أمام الله تعالى عن أسباب الطوفان.
علينا أيضا أن نأخذ من حالة اللادولة التي تعيشها بعض الدول الشقيقة العبرة والعظة ، وأيضا نأخذ القدرة والقوة والقدوة من الدول الشقيقة التي تعرضت لما تعرض الوطن له وأن نتلاحم ونتحد وننفض غبار الفرقة من أعلى رؤوسنا وأكتافنا حتى ننجو بأنفسنا ومن قبل ذلك ننجو بالعزيز الغالي الذي نقول إننا نعمل لأجله ونختلف لكي يسمو.
على الجميع أن يدرك أن من أجلّ نعم الله على عباده هي نعمة الأمن من الجوع والأمن من الخوف “الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”.(سورة قريش، الآية ٤)، وتلك النعمتان أنعم الله بهما علينا ، حيث جعل لنا الأرض رغدًا ولا ينقصنا سوى نعمة الأمن والأمان التي لن تحقق إلا بالتفاهم والتواضع والقربى فيما بيننا “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ”(سورة الشورى، الآية ٢٣).والمودة في القربى ليست قاصرة على آل بيت الحبيب سيدنا محمد ﷺ ، بل تمتد بيننا بحكم الترابط والنسب والمصاهرة والدم الواحد.
ليس عيبًا أن يتقرب الإنسان إلي أخيه ولو كان عاقًا، لكن الحمد لله ليس بيننا من هو عاق لوطنه وأهله وإنما ما يحدث هو أفة العزة بالنفس وشتان بين الحالتين، إن أصعب الحالات على النفس والوطن هي محاولة البعض الانتصار لذاته قبل الانتصار للوطن،. لإن الانتصار للوطن لا يعني سوى شيء واحد فقط هو التضحية من أجله لا التمسك بما قد يؤذيه أو يوقعه تحت مقصلة الأخرين ، لا سيما إذا كان من المعلوم أن تلك المقصلة حال تمكنها من مفاصل الوطن أنها لا تفرق بين مؤيد ومعارض ولنا في أحداث التاريخ عبرة بداية من نابليون بونابرت إلى ما حدث في العراق حيث التهمت المقصلة أول المقربين منها.
فالواقع الأليم الذي يعيشه السودان يفرض على الجميع تقديم التنازلات من أجل أن يحيا السودان شامخا مرفوع الرأس لا تطاله مقصلة ، جاء في الأثر “الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها”. ومن ثم تكون الدعوة للتفكر هي واحة الأمن والأمان والتي بها تكون النجاة من الفتن والانشقاق. نعم التفكر في الحوار العقلاني والعاطفي أيضا هو المنجي لأن مراجعة النفس والرجوع إلى الصواب أفضل، وإذا كان التحاور مع النفس مزعجًا أو بصوت عالٍ فإنه أفضل حالا من أن يكون خافتًا منكسرًا.
علينا جميعا أن نسأل أنفسنا سؤالًا محددًا: هل الدعوة المصرية جاءت متأخرة وأن القاهرة كانت غائبةوتريد عدم الاستقرار وفيها انكسار وماذا إذا شاركنا فيها بذهن وقلبِ صافٍ، أليس من الممكن أن يكون فيها من التجربة ما يفيد وتكون تجربة المشاركة ناجحة تنظف الجرح وتضمده حتى يُشفى الجسد من علته.
لكن علينا قبل أن نجيب على هذا التساؤل أن نستحضر حديث النبي
ﷺ :ادْنُ يا وابصةُ ! . ، فدنوتُ منه حتى مسَّتْ رُكبتي ركبتَه ، فقال لي : يا وابصةُ ! أُخبرُك ما جئتَ تسألُ عنه ؟ قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! أَخبِرني . قال : جئتَ تسألُ عن البِرِّ والإثمِ . قلتُ : نعم . فجمع أصابعَه الثَّلاثَ ، فجعل ينكُتُ بها في صدري ويقولُ : يا وابصةُ ! استَفْتِ قلبَك ، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفسُ ، واطمأنَّ إليه القلبُ ، والإثمُ ما حاك في القلبِ ، وتردَّد في الصدرِ وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك .
وحديثه كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ.
وتبقى كلمة التضحية معنى والوطن نعمة والقيادة رعاية والرعاية مسئولية فيجب علينا ألا نفرط في أحدهم.