رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

المبادرة المصرية: هل هناك ضوء في آخر النفق؟

د . إبراهيم الصديق علي



(1)
رغم هذه العتمة السياسية ، فإن هناك إشارات لعودة الوعي في الافق ، وهناك أمل ، صحيح هناك قوى تسعي للقفز في الظلام ، و السطو علي القرار السياسي في البلاد دون مراعاة للعواقب والنتائج ودون إعتبار لتجربة سابقة بائسة وانتهت باجراءات 25 اكتوبر 2021م ، وهناك الحديث عن توسيع المشاركة السياسية ، وتباطؤ وقلة تفاعل المكون العسكري مع بعض الترتيبات الجاية ، قوة وتماسك واتساع جبهة معارضة الإتفاق الإطاري ، وبالتأكيد فإن المبادرة المصرية واحدة من تلك الإشارات ..
وميزة المبادرة المصرية في عدة نقاط اهمها ، إرتباط الأمن القومي المصري بما يجري في السودان ، اي نزاع أو تفكك للدولة السودانية أو إضطراب ، فإنه يؤثر في خاصرة الامن القومي المصري ، ولذلك فإن إستقرار ووحدة السودأن وأمنه هو مصلحة مصرية كما أنه مصلحة سودانية ، وبذلك تتحسب لعواقب وتأثيرات اي حلول ، فهي أكثر حرصا من غيرها..
بعض الدول لا تربطها بالسودان حدود ، ولا تاريخ ، ولاهثة خلف أجندة ووصفات مريبة دون إهتمام بما يحدث لاحقا ، فهي غير معنية سوى بمصالحها واجندتها الانية والمكاسب العاجلة دون العمق الاستراتيجي وقراءة المستقبل..
ثم إن مصر ذات قرب ومعايشة للواقع السوداني وتربطها علاقات ووشائج عميقة ، ومنذ اوائل تسعينات القرن الماضي وحتي وقت قريب كانت القاهرة توفر للدول الاوربية وللولايات المتحدة المعلومات والقراءة لما يجري في السودان ، وخسر السودان كثيرا حين فقد سند مصر في المحافل الدولية..
وبكل الحسابات ولإعتبارات كثيرة فإن الثقل الدبلوماسي وأهمية مصر دوليا أكبر بكثير من كثير من المجموعات في المنطقة..
(2)
السؤال الآن ليس كون مصر ومبادرتها جاءت متأخرة ، وإنما لماذا حاولت قوي دولية واقليمية إبعاد مصر من المشهد والحلول ؟ ، وهناك الرباعية والترويكا ومجموعات متعددة ، من الواضح ان ثمة من يعرف تحفظات مصر ، وخاصة حرصها علي وحدة واستقرار السودان وهذا في وحدة مؤسساته واولها الجيش السوداني.. وتعرفون ما يحاك ضد المؤسسات العسكرية ومن فاته تصريحات البعض واحاديثهم ، نقترح عليه قراءة البيان المشترك بين حزب الأمة القومي والحركة الشعبية برئاسة عبدالعزيز الحلو امس الاول ، خلال أكثر من عشر سنوات من معارضة الإنقاذ واقامة التجمع الوطنى في القاهرة ومؤتمراته فإنه لم يكتب حرفا واحدا ولا توصية تستهدف الجيش السوداني ، ذلك إن مصر تدرك أهمية الأمن القومي السوداني..
خلال أعوام مضت نأت مصر عن المبادرات الفردية حول السودان ، بعد سلسلة حملات سياسية ، ولكنها ظلت حريصة علي دعم كل جهد بناء..
وحتي في هذه المرة فإن مصر لم تقدم مبادرة ونصوص ومقترحات ، وإنما هيأت المسرح لحوار سوداني – سوداني ، إدارة المزيد من الحديث مع توسيع الأطراف ، وهذا مدخل مهم لإزالة حالة انسداد الافق الراهنة وخيار الانزلاق..
(3)
و من الغريب ان المكون العسكري لم يسارع للترحيب بالدعوة المصرية ، ولزم المكون العسكري الصمت ، وهذا أمر محير.. هل حاول المكون العسكري مجاملة قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي الذين رفضوا الدعوة جملة وتفصيلا..؟
هذه مجموعة مغامرة ، ومدفوعة بجهل سياسي وغرر معرفي بواقع الحال ، ولديهم ظن في قدرتهم علي ادارة البلاد وفق شرائع حموراي ونظريات البصيرة ام حمد..
كنت اتوقع استجابة المكون العسكري لهذه المبادرة لإنها تحقق في توسيع المشاركة السياسية ان كانوا جادين في ذلك ، وتقلل من الضغوط الأجنبية عليهم ، والقاهرة لديها علاقات واسعة التأثير وبالغة الأثر خارجيا..
والدعوة المصرية مرتبطة بمصالح دولتين وبقضايا شعوبهم ، وليس مجرد مخاوف سياسية أو تنطع أممي..
(4)
وعلي قادة المكون العسكري إدراك ان كل ما جري في بلادنا خلال الاعوام الأخيرة هو مسؤوليتهم ، وما يترتب عليه هو كذلك مسؤوليتهم ، ومن مصلحة الجميع ضمان اكبر شبكة أمان وإستقرار..
سيكون عليهم خمد كل الاصوات المعارضة للإتفاق الإطاري ، من الكتلة الديمقراطية وشركاء السلام ، القوي الاجتماعية ، ونداء السودان ولجان المقاومة واليسار حليف الأمس ، وهذه تكلفة باهظة يضاف عليها عبء تنفيذ أجندة تفكيك مؤسسات الدولة والعسف القانوني والبطش السياسي ، هذه حقائق لا يمكن العبور فوقها إلا من خلال حوار أكثر إتساعا وتقليل المتاريس..
تري هل يعي المكون العسكري ذلك ..؟

اترك رد

error: Content is protected !!