الرأي

البراتسنة و النيالوة.. كائنات غير حية قديمة متجددة

د. اسامة محمد عبدالرحيم

لقد ابتلى الله السودان و شعبه بمجموعة سياسية انتهازية ظلت متحورة حيوياً دوماً وفق اجندة و مصالح ذاتية دون المصلحة الوطنية العليا و ان ادعت غير ذلك. حيث ان كافة أقوالها و خطابها السياسي المتداول المنقول و المتنقل على أفواه قادتها و رموزها و منسوبيها و ألسنتهم كان يفوح بكريه الكلام تجاه الوطن و الشعب و مؤسساته الوطنية دون عدوه، ان لم يسند في كثير من الاحوال و يدعم العدو المليشي المتمرد، و كذلك كانت افعالهم في كل مكان وطئته اقدامهم. هذا المجموعة قدمت و لم تستبق شيئا في سبيل نيلها السلطة و التي عندما فوضت بغير حق و جلست على مقاعدها قدمت أسوأ نموذج للسلطة السياسية و التنفيذية الانتهازية المخربة عديمة الرؤي و الفكر منزوعة الضمير.

هذه المجموعة و للتعريف كانت تتطور في دورة حياتها الخبيثة بمراحل و اشكال فكانت تجمعاً للمهنيين، ثم توسعت قوىً للحرية و التغيير (قحت)، ثم انفردت بالحكم و كراسي السلطان دون رفقائهم طمعاً و خيانةً (اربعة طويلة)، ثم طردت بأمر الشريك العسكري آنذاك و دفع الوطنيين من عامة الشعب. ثم وضعت يدها في يد اخرين بل الحقيقة انها احنت ظهرها ليمتطي صهوتها (ان كان لها صهوة) المحتل الاجنبي و المستعمر الجديد في نسخته المحدثة و المنقحة الاخيرة (ثلاثية و رباعية و جماعة الإطاري) و ما زالت تلهث لهثاً لاستعادة السلطة التي تذوقت حلاوتها و فتنتها لأشهر عدةٍ حتى اقنعت المليشيا المتمردة و رعاتها بالتعاون (انا حاضنة السياسة و انت حاضنة السلاح و العسكرية) و اقنعها العدو المليشي بذلك فتآمرا على مؤسسات الدولة و صادما معاً الجيش بتكتيكٍ فطيرٍ و استراتيجيةٍ معطوبةٍ كانت تهدف لاستيلاءٍ سريعٍ على السلطة توهمته غفلةً أدمغتهم غير الواعية بفعل الطبيعة او بوجودٍ مؤثرٍ انها مهمة سهلة و يسيرة يستقيم لهم بعدها أمر قيادة البلاد وفق ارادتهم و سطوتهم لكن خاب فألهم و فعلهم، و لكنهم اورثونا حرباً لا يزال يقاتل فيها الجميع ضدهم كل وفق قدرته و موقع جهده و جهاده. و لاجل هذا الغرض الرخيص تسمت هذه المجموعة باسم (تقدم)، و لفطنة الشعب و وعيه ما استقرت في وجدان الوطنيين الا ك (تقزم) و هو عين ما يميز هؤلاء الاقزام.

ثم ما فتئت (تقدم) تحرض المليشيا على القتال و تدعي بلسان كذوب غير ذلك بادعائها و رفعها لشعار (لا للحرب) و هي المتحيزة و المتحرفة فعلا للطرف المعتدي الغاصب الغادر المتمرد و لما لم تستطيع الصبر وقعت معه اتفاقاً جعلها في حكم الشريك و إن حاولت باقوال السياسة و مناوراتها التملص من هذا الاتفاق بتغبيش تبريراته و تفسيراته.

بالمقابل، كان الشعب يقف مؤمناً بالله و واثقاً في جيشه الوطني الصبور (جمل الشيل) المتحمل لأحمال و أثقال اخطاء السياسة و السياسيين على مر التأريخ السوداني، فواجه ما واجه منذ صبيحة 15 ابريل 2023 و حتى الان و فقد ما فقد من شهداء و جرحى و تحمل كافة صنوف الحصار و المعاناة و لكن بصبره و جلده و تخطيطه المحكم و خبرته المهنية و كفاءة قادته و جنده و كافة منسوبيه امتص الصدمة و استعاد السيطرة و تمكن من تحقيق كافة اهدافه العسكرية و السياسية و فق استراتيجيات و تكتيكات متقنة تمضي و تظهر نتائجها كل يوم في عمل يجد كل التقدير و الاعتبار من كافة الشعب و عامة المراقبين.

ثم انسحبت هذه المجموعة لواذاً و تخفياً و تجمعت كما الصديد في الجسد بالخارج فى مواقع شتى كلها مواقع شبهة و منصات تآمر ضد الشعب و الوطن و كلها مواطء انطلاق تهدف للوصول للسلطة على جماجم المواطن و الشهداء و سيرا على شوارع ارتوت بالدماء و اعتلاءاً لكل خراب و تدمير لمباني و معاني كان يزخر بها وطننا الحبيب علهم يصلون الى القصر او دونه حكاما جبراً و قهراً، و هنا ظهرت هذه المجموعة متحورة متجمعة باسم (تقدم) بمباركة الرعاة اصحاب الاجندة الحقيقيون و اصلاء التأمر على بلادنا، فتقدم ما هي الا اداة من الادوات و قادتها و منسوبيها ما هم الا ورق اللعب. لكن صاحب طاولة المقامرة معروف و صاحب الكازينو كذلك معلوم.

في بدايات الاسبوع الماضي ارسل السيد القائد العام للجيش و رئيس مجلس السيادة عدة رسائل في بريد عدد من الجهات، كان منها هذه المجموعة المتحورة نحو السلطة دوما و بأي ثمن، و كان من جملة ما ارسله انه يفتح لهم الابواب للعودة و التفاوض و المشاركة في العملية السياسية ان تخلوا عن دعمهم للمتمرد المليشي المقاتل، و لان المجموعة انما فشلت في كل مساعيها و انها في سبيل السلطة لا تمانع في فعل اي شئ، عمدت لتسريع خطواتها التي كانت قد بدأتها بالفعل، و هي الظهور بمظلتين و الدخول في عملية تمحور جديدة لكائنات غير حية في واقع حياة السودانيين و انشطارٍ اميبيٍ تكاثريٍ انتج خليتين مستحدثتين و ان احتفظت الخليتان بغلاف حيوي و سائل امينيوسي Amniotic Fluid يشملهما و يجمعها معا و يغذيهما، كمزيدٍ من الايهام للعامة و استمرارا في السير بخطوات الخديعة و التضليل عسى و لعل، و يبدو بل من المؤكد ان الاستراتيجية التي اعتمدت هي التقدم نحو الخرطوم سياسيا بمحورين، محور يغازل حكومة بورتسودان و يتماهى معها و هؤلاء سموا انفسهم باعلان سياسي منشور (صمود) و انا اسميهم هنا (البراتسنة) المتعايشين (حتى و ان لم يعترفوا رسميا بشرعيةالحكومة بل يسمونها حكومة بورتسودان) ، و محور اخر لم يصدر بيانه الرسمي بعد، و هؤلاء هم الراغبون و الماضون في مسار عدم الاعتراف بالحكومة الشرعية الموجودة و اعلانهم لحكومتهم في المناطق التي تسيطر عليها القوات و المليشيا المتمردة و مقرها نيالا بالتنسيق مع قيادة القوات المتمردة، ثم محاولة استقطاب الدعم لها و الاعتراف المحلي و الاقليمي و الدولي بها، و هولاء هم من نسميهم (النيالوة). (البراتسنة) يمضون في مسار ناعم مداهن و يدعمون و يؤيدون المليشيا سراً، و (النيالوة) يمضون في مسار المخاشنة و المواجهة و لا يستحون من دعم و اسناد و تأييد المليشيا المتمردة جهراً.و لأن فكرة الاستعانة بالمليشيا المتمردة( و التي بدأت من نيالا و لا تزال تدير امرها فعليا من هناك) لتكون رافعة عسكرية نحو السلطة فكرة قديمة سبقت الحرب و كانوا يعملون لها تخطيطا و تقدما في الواقع، و في المقابل ان انتقال الحكومة لتدير امرها من بورتسودان كعاصمةٍ اداريةٍ كان امراً جديداً و مستحدثا فرضته ظروف الحرب ، جاء حديثنا و تصنيفنا للمجموعة المتحولة المتحوررة(النيالوة القدامى و البراتسنة الجدد).

و يبقى اخيراً، ان نقول ان كل ذلك لن يفوت على فطنة و ادراك الشعب السوداني، هو الذي بيده و من حقه ان يقرر في مصير و مآلات الحكم و السلطة في السودان، خاصة انه من ظل و لا يزال يدفع من ماله و دمه و عرضه و جهده و عرقه و وقته في سبيل تغيير واقع مأزوم و نزيف مستمر تطاول عليه الأمد و ارتفعت كلفته كثيرا.

السبت 15 فبراير 2025

اترك رد

error: Content is protected !!